في الوقت الذي تسير فيه دول العالم بسرعة الصاروخ نحو التقدم وغزو الفضاء وتحقيق الرفاهية لشعوبها, هناك من يشدنا وبعنف إلي عصور التخلف والرجعية, من خلال نشر الخرافات والخزعبلات والسحر والشعوذة والدجل, ومن خلال التنقيب في كتب التراث عن الفتاوي الشاذة والغريبة, التي ما أنزل الله بها من سلطان, بهدف إشاعة روح التواكل وتثبيط الهمم, ووأد كل محاولة صادقة للخروج من مستنقع الفقر والجهل في مهدها. وقد انطلقت شرارة الرجعية من إشارة رابعة العدوية, من تحليق حمامات خضراء علي كتف المعزول ورؤية سيدنا جبريل ينزل في سمائها, وغيرها من الخرافات التي كان يرددها شيوخ الفتنة علي مسرح رابعة, ولم تنته هذه الخزعبلات بفض اعتصامي رابعة والنهضة, بل استمرت حتي اليوم, وكأن هناك من يصر علي تغييب عقل المصريين وشغلهم بعالم الجن والعفاريت, وجرهم إلي العصر الحجري, ما بين نكاح الزوجة الميتة ومعاشرة البهائم, وزواج البنت ولو كان عمرها يوما واحدا. ومما يدعو للحسرة والندامة, أن هذه الفتاوي الشاذة والغربية لا تصدر عن شخص جاهل بأحكام الشريعة يحلم بالشهرة والمجد, أو شيخ سلفي لا يعرف عن الإسلام سوي إطالة اللحية والجلباب القصير, ولكن هناك للأسف من ينتمون إلي الأزهر الشريف, ومنهم صبري عبدالرءوف و سعاد صالح, إذ احتلت الأخيرة المركز الأول وبجدارة في إثارة البلبلة والفتنة, لإباحتها معاشرة البهائم, ولقولها أن ترقيع غشاء البكارة جائز شرعا. وللخروج من مستنقع الفتاوي الشاذة والغريبة التي تعيدنا إلي الجاهلية الأولي, في وقت نحن فيه في أشد الحاجة إلي العمل والإنتاج والأخذ بكل أسباب العلم والتقدم والتكنولوجيا, يجب أن تتم محاكمة كل من يصدر فتوي شاذة تخالف صحيح الدين الإسلامي, وأيضا إحالة كل ما يذيع أو ينشر هذه الفتاوي الغريبة إلي القضاء, ومعاقبة الوسيلة الإعلامية التي قامت ببث أو نشر هذه الخرافات, سواء كانت قناة فضائية أو موقعا إخباريا أو صحيفة أو مجلة, كما يجب أن يقوم المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام بدور فعال لوقف هذه الخزعبلات التي تسيء للإسلام, ومحاسبة المسئولين عن نشرها أو بثها, واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم. إن نشر هذه الفتاوي الشاذة, تشوه صورة مصر في الخارج وفي العالم بأسره, لأنها سرعان ما تتلقفها وكالات الأنباء العالمية وتنشرها علي أوسع نطاق, لتظهر للعالم كله مدي تخلفنا ورجعيتنا, وأن كل ما يشغلنا, ليست الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نعاني منها, أو البحث عن موطيء قدم لنا بين دول العالم المتقدم, ولكن جهاد النكاح ومواقعة البهائم. ومن هنا أطالب بإنشاء مجلس أعلي للفتوي, يضم هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء ومركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية, يتولي الإشراف والتنسيق بين هذه الجهات الأربع, بحيث لا تعمل كل منها في جزيرة منعزلة عن الأخري, ويكون دوره ليس فقط الفتوي, ولكن تخليص الدين الإسلامي من كل ما علق به من شوائب, وبيان جوهره الحقيقي الذي يدعو إلي العمل وإعمال العقل, وكيف قاد علماء الإسلام الأوائل أمثال أبوبكر الرازي وجابر بن حيان وابن سينا والخوارزمي الإنسانية نحو التقدم والازدهار في وقت كانت فيه أوروبا تغط في ظلام دامس. أعتقد في ظل وجود أمثال صبري وسعاد يجب إعادة النظر في مناهج الأزهر الشريف وتخليصها بكل ما علق بها من شوائب وخزعبلات, وتنقية كتب التراث من كل ما دس فيها من أقوال وأحاديث ضعيفة وشاذة بلا سند.