لا يزال التعرف علي المزاج الشعبي العام وعمليات استطلاع الرأي من امور الرفاهية حيث يعتقد ان شعبا يعاني من الأمية وعدم الوعي الكافي أو وقوعه تحت تأثير جهات وإعلام مضلل لا ينبغي له ان يشارك في صنع قرار سياسي ويبقي حكرا علي النخبة الحاكمة مستندة الي جانب ذلك علي إحاطتها بزوايا وخبايا قضايا لم تحط به العامة علما, خاصة وان هناك من الموضوعات التي قد لا تطرح للنقاش او المداولة لدواع قد تكون امنية او سياسية للحفاظ علي الاستقرار, ومخلفة في النهاية حالة من الضبابية تحيط بالقرار. ولسنا في مقارنة مع اي من الدول المتقدمة التي يعتد فيها بالرأي العام كمصدر هام لمتخذي القرار السياسي, فالمقارنة لا يجب أن تكون بمعزل عن عوامل كثيرة تشكل تلك الشعوب وثقافتهم وسلوكياتهم التي تختلف عنا في كل تفصيلاتها, وعليه فإن واقعنا وحالنا هو فقط ما يعنينا بعد أن قررنا او فرض علينا منذ سنوات بعيدة السلبية كأسلوب حياة وقاطعنا صناديق الانتخابات والمشاركة في الحياة السياسية وأهملنا دورنا كمواطنين علينا واجبات مثلما لنا من حقوق فلا قمنا بواجباتنا ولا اخذنا حقوقنا. وإذا كان هناك تحفظات علي جهات استطلاع الرأي العام وتوجهاتها وأهدافها, فلا يمكن لصانع القرار الاعتماد علي مصداقيتها فإن هذا لا ينبغي أن يقف عائقا بين رغبات الناس وطموحهم وبين القرار السياسي ومتخذيه وتجاهل أهمية الرأي العام كأحد المكونات الأساسية لصنع قرار رشيد وإحداث نوع من التوافق بين مصالح السياسة العامة ومطالب الرأي العام. وإن كان الرأي العام ليس ملزما بالضرورة لصانع القرار في كل الأحوال الا انه يجب ان يؤخذ في الاعتبار لتقليل أو تفادي بعض الخسائر المعنوية من قرارات صادمة يحدثها اتخاذ قرار ما يباعد بين الشعب وحكامه. ومنذ ثورة52 كانت السيطرة علي الرأي العام متاحة من خلال الإعلام الحكومي الذي وظف لمباركتها كل طاقاته واستخدمت القوة الناعمة في السينما والاغاني لتوجيه الناس الي التعاطف والالتحام بكل القرارات السياسية حتي السيئ والخطأ منها فلم يروا إلا بعيون حكامهم ولم يسمعوا إلا بآذانهم وكان جمال عبد الناصر أقوي من معاوية فلم يكن هناك شعرة تربطه بالناس ولكن حبل متين لا ينقطع مهما تم شده فكان أكثر وعيا واهتماما بالرأي العام وأكثر قدرة علي توجيهه والمحافظة عليه سندا وداعما قويا لآخر أنفاسه, لكن السقوط المدوي لماسبيرو وارتفاع أسعار الصحف والتغيير والتحولات في مصادر المعرفة والحصول علي المعلومة, فقد النظام أحد أهم قنواته التأثيرية. وايا كان من سفراء النوايا الحسنة الذين يملكون صنع القرار السياسي بمنأي عن حال رجل الشارع وفي غياب تام للاحزاب الذين تعدوا المائة دون وجود ولا تأثير وفي موافقات ضمنية وعلانية من مجلس الشعب وتقلص دور المعارضة الوطنية المحترمة أتاح لهم الانفراد بالقرار من داخل دائرة ضيقة, فهذا لن يصنع اي شكل من أشكال الائتلاف الوطني وقد يكون عثرة في تحقيق اي نمو اقتصادي علي المدي القريب, فالقرارات السياسية وحدها لاتكفي لإحداث نهضة دولة, فالاشياء تحتاج الإنسان الذي يتفاعل معها ويفعلها, هو القادر علي المستحيل اذا ماوجد من يحتويه ويشركه ويشاركه. وحتي لا نصاب بهرتلة البيضة ولا الفرخة أو بمن يتبع من ؟ هل القرار السياسي أولا, ثم يتبعه الناس, أم الرأي العام أولا ثم يتبعه القرار ؟