«الوطنية للانتخابات» تتابع عمليات التصويت في جولة الإعادة بالدوائر الملغاة    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 27 ديسمبر 2025    بنك saib يشارك فى فعاليات الشمول المالى بمناسبة اليوم العالمى لذوى الهمم    شعبة المستوردين: المشروعات القومية تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح والأرز في مصر    خبراء: الاستيراد والتعاقدات طويلة الأجل ساهمت في استقرار أسعار القمح محليًا رغم الارتفاع العالمي    خبير: البرنامج الصاروخي الإيراني يتصدر أولويات إسرائيل وأمريكا    القاهرة الإخبارية: تأكيد سعودي على وحدة اليمن ودعم المسار السياسي لوقف التصعيد    ترامب يطالب بكشف "الملفات السوداء" لإبستين ويتهم الديمقراطيين بالتورط    الجيش الملكي يعلن الاستئناف على عقوبات الكاف بعد مباراة الأهلي    أمم أفريقيا 2025| موعد مباراة مصر وأنجولا والقنوات الناقلة    رونالدو يقود النصر أمام الأخدود في الجولة 11 من دوري روشن السعودي    وزير الرياضة ومحافظ القاهرة يشهدان ختام نهائي دوري القهاوي للطاولة والدومينو    القبض على شخصين إثر مشاجرة بينهما بسبب مرشح بسوهاج    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فتي الدارك ويب ل 24 يناير    صادر له قرار هدم منذ 22 عاما.. النيابة تطلب تحريات تحطم سيارة إثر انهيار عقار بجمرك الإسكندرية    نقابة المهن السينمائية تنعى المخرج داوود عبد السيد    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    وزير الصحة: تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات باستثمارات 222 مليار جنيه    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يستخدم المدرعات والروبوتات المفخخة ويكثف قصفه شرق غزة    أمم إفريقيا - دوكو دودو ل في الجول: كنا نستحق نتيجة أفضل أمام الكونغو.. ونريد الوصول إلى أبعد نقطة    رمضان 2026.. الصور الأولى من كواليس "عين سحرية" بطولة عصام عمر    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    محافظ البحيرة تتفقد لجان انتخابات النواب.. وتؤكد على الحياد أمام جميع المرشحين    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    اليوم.. العرض الخاص لفيلم "الملحد" ل أحمد حاتم    قرار وزاري من وزير العمل بشأن تحديد ساعات العمل في المنشآت الصناعية    مواعيد وضوابط التقييمات النهائية لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    تطورات الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    هيئة تنشيط السياحة: القوافل السياحية أداة استراتيجية مهمة للترويج للمنتج المصري    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    القبض على أجنبي لتحرشه بسيدة في عابدين    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    روسيا: تنفيذ ضربة مكثفة ضد البنية التحتية للطاقة والصناعة الدفاعية الأوكرانية    الغش ممنوع تماما.. 10 تعليمات صارمة من المديريات التعليمية لامتحانات الفصل الدراسي الأول    الداخلية: ضبط 866 كيلو مخدرات و157 قطعة سلاح ناري خلال 24 ساعة    إصلاح كسر خط مياه بشارع 17 بمدينة بنى سويف    تواجد بنزيما.. تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام الشباب بالدوري السعودي    وزارة الدفاع العراقية: 6 طائرات فرنسية جديدة ستصل قريبا لتعزيز الدفاع الجوي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    انطلاق الدورة 37 لمؤتمر أدباء مصر بالعريش    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة المصرية للاتصالات في كأس مصر    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    مفتي مصر بدين الهجوم على مسجد بحمص السورية    نجم الزمالك السابق: محمد صلاح دوره مع منتخب مصر مؤثر    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرائق الفتن الطائفية والمذهبية وتحقيق الأحلام التلمودية؟!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 07 - 08 - 2014

غادرنا رمضان هذا العام ومعاناة العرب من بين المسلمين تتفاقم وتكبر وتتدحرج وتكبر وهي تتدحرج حتي بلغت درجة غير مسبوقة.. ففي الوقت الذي نجد فيه سوريا غارقة ومغرَقة في مستنقع الدم، ونجد العراق علي جناحها الشرقي مهددًا باستمرار ما كان فيه قبل يومها وبتوالد ما يتوالد فيها من فتنة وبؤس، ونجد لبنان مهددًا بنار الفتنة المذهبية وما يتهدد سوريا منها يتهدده، فالبيت واحد لكنه بغرفتين..
في هذا الوقت نجد مصر تُجر نحو المستنقع العفن بقوة جذب شديدة، وتلعب في ملاعبها أقطار عربية وبلدان أجنبية، وفئات ذات أغراض وارتباطات ومآرب شتي.. ونجدها مهددة لا سمح الله بأمر مقارب لذلك الذي يتم في سوريا، مع خلافات واختلافات في التحالفات والأهداف والوسائل والأدوات.. ونلحظ اللاعبين العرب المعنيين في الساحة المصرية علي هيئة مشجعي ‹›أهلي وزمالك››، فإما مالك وإما هالك؟! وعلي جناح مصر العزيزة، وعند مفرقها الإفريقي لا تزال النار تحرق ليبيا التي تفككت أو كادت، ودم أبنائها ما انفك يسيل..
لن يكون بوسع أحد أن يحاجج في حالة التمزق التي تعصف بالعالمين العربي والإسلامي في وقتنا الراهن، والمحاولات المشبوهة لجر الإسلام إلي فتنة كبري جديدة وجعله أداة أيديولوجية طيعة لخدمة المشاريع الاستعمارية والأطلسية لنخبة المحافظين الجدد، والأزمة الاقتصادية في الغرب، بعد أن كان الإسلام ورجالاته رواد مرحلة التحرر من التبعية للأجنبي والخلاص من الاستعمار.
لقد أصبحت الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر غثاء كغثاء السيل، لقد تمزّق شملها وتشتت صفها، وطمع فيها الضعيف قبل القوي، والذليل قبل العزيز، والقاصي قبل الداني وأصبحت قصعة مستباحة بعدما كانت تقود العالم، ورسولها الكريم صلي الله عليه وسلم، أرسله الله رحمة للعالمين وللناس أجمعين، بدليل قوله تعالي: 'وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون'.
والآن نراها قد أصبحت ضعيفة لأن الفرقة قرينة للضعف والخذلان والضياع..
لقد قست قلوب في دوائر صنع القرار ومدارج النار عمن يدفع الثمن الفادح من أبناء الشعب العربي الذين يدفعونه: دمًا وتخلفًا وجوعًا ومعاناة وخوفًا وحقدًا دفينًا يورث حقدًا ودمًا وموتًا.. بينما يقطف الغربُ الاستعماري، والحركة الصهيونية العنصرية القذرة، وقوي عالمية أخري تعنيها مصالحها قبل العدالة والحرية والديمقراطية والأناشيد الثورية.. تقطف كل الثمار، المادية والمعنوية والاستراتيجية والسياسية، لهذا الصراع البائس، دون أن تتحمل أي عناء أو تخشي أي عواقب؟!
وهكذا يزج عدو الأمتين العربية والإسلامية كل من يستطيع زجه في معترك النار وهو يقول: ‹›تقاتلوا ومني السلاح والمال ومنكم الدم والأرواح.. تقاتلوا حتي النهاية، حتي لا يبقي لكم لا قومية ولا دين، ولا حامٍ ولا ضعين، وحتي تبقي إسرائيل آمنة ومهيمنة وقوة عظمي، ولكي أنام أنا السيد مرتاحًا مطمئنًا إلي ثروتي ونفوذي وسيطرتي عليكم وعلي بلدانكم وعقيدتكم وأموالكم وكل قواكم الحية.. فهذا أمري أنا سيد السادة، ولتكن كل مفاتن بلدانكم علي جيد سيدة بيتي قلادة؟!
إننا نعيش المحنة ونرفضها وندلف إلي الأسوأ فالأسوأ خطوة بعد خطوة، ننكر ما نحن فيه ونستنكره ونمشي إلي مهاويه وعيوننا معصوبة لا تريد أن تري الحُفر في الدروب والأحقاد التي تنمو في القلوب وتؤسس لما بعدها في قابلات الأيام مما يجعل النار تحت الرماد.. إننا نلتحف الشتاء بانتظار وعد الربيع.. وندرك جيدًا أنه لا ربيع لمن يغوص في مستنقع نجيع بعد نجيع، ويحفر لأخيه قبرًا ويحفر أخوه له قبرًا!
فالخسائر الجسيمة في الأنفس البريئة وعمليات التهجير وفقد الأحبة والأوطان والممتلكات وغياب الأمن والاستقرار والجراح في الأنفس والأجساد بلغت حدًا لا ينبغي السكوت عنه وتجاوزه، هذا فضلا عن مخاطر التقسيم والصراعات الطائفية والأهلية والتدخلات الأجنبية في هذه الدول بخاصة.
فهل من العدل أو من العقل في شيء أن تستمر أوضاعنا العربية علي الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية علي الخصوص في تدهور، ونحن نري المصير المظلم الذي ينتظرنا، والتآمر الذي يحيط بنا، والهاوية التي تقود إليها الطريق أو الطرق التي نسلكها اليوم؟!
هل من العقل والعدل أن يدفع قسم منا ثمن معاداة العدو التاريخي وتواطؤ الشقيق معه ثمنًا يفوق التصور من الأرواح والجراح والعمران والأمن والمعاناة البشرية، فيؤسس لما سيصيب شقيقه المتواطئ مع عدوه لمثل ما فرض عليه من حال.. فندخل جميعًا في المفرمة ويبقي العدو علي حصان من ذهب يدير بيننا ألسنة اللهب، فنشتوي بالنار وينتشي لما آل إليه حالنا والقرار؟!
'إسرائيل' تدمر في غزة، تقتل وتعتقل وتتوسع وتهود علي هواها ‹›مطلقة اليمين››، وهي في فعلها الإجرامي هذا تلقي بعض العون ممن يفتَرض فيهم أن يقفوا مدافعين عن شعب ذاق الأمرين من عنصريين متوحشين وعنصرية بلا ضفاف.. وهي دولة إرهاب تعمل كل ما بوسعها للاستثمار في الإرهاب ولتشويه المقاومة المشروعة التي تسميها إرهابًا، وتقوم بكل جهد لتدمير سوريا والعراق وتمزقهما إلي دويلات، فهما الدولتان العربيتان الأشد ثبات موقف علي المبدأ في قضية فلسطين العادلة وشعبها المظلوم..
ولن تتوقف إسرائيل في تآمرها عند حدود، فهي تتعاون مع قطر ضد مصر وسوريا والعراق.. وهكذا تتبع فعلها توابع في أقطار عربية أخري.. وهي لا تكف عن العمل علي إثارة الفتنة بين ‹›السنة الشيعة››، وبين المسلمين ممن لا يدخل المعمعة التي أولها غي وآخرها غي، لترتاح من الكل بضرب بعضهم ببعض، وتتخلص من كل ما يقلقها: من المقاوم والممانع والمفاوض والمساوم ومن.. ومن.. ومن ثم تعلنها منطقة ‹›صهيونية›› إما بسيطرة فعلية علي الأرض، وإما بسيطرة علي الحكم ومن يحكم والقرار ومن يقرر، علي الطاقة والثروة، وعلي من يحرث الأرض ويزرعها.. ألا والأمر أشد وضوحًا من رؤية الضحي لمن يري أو يريد أن يري..
فأين العقل، وأين الفهم، وأين من يدرك فيبني علي الإدراك، ومن يحكم بالحكمة علي ضوء الإيمان والوطنية والشرع والدستور والقوانين، فيؤسس ويبني ويحمي، ويتقن اتخاذ القرار وتوجيه السلاح إلي مصدر الخطر علي الشعب والوطن والإنسان والقيم السامية ومكارم الأخلاق؟
وفي موقف آخر يفتي البعض ويحرض ويدعو إلي الفتنة وإلي تكفير أخوة لهم من المنتمين إلي الدين الإسلامي ممن يتحدثون باسمه ويحملون هويته، ويشاركونهم الإيمان والشهادتين والصلاة والصوم والزكاة وأداء فريضة الحج، بل أكثر من ذلك فهم أبناء وطن واحد، أي يشتركون في المواطنة والإنسانية ولهاتين المفردتين من السعة في حجم المسئولية والقيم والعمل المشترك ما يؤدي في حالة تجاهلهما وتجاوزهما وإلغائهما من القاموس العام إلي ضياع الوطن وانهيار مؤسساته وافتقاد الأمن والاستقرار وإدخال المجتمع في نفق من الصراعات الطائفية والمذهبية والحزبية والأيديولوجية ما تؤدي إلي ما نراه اليوم في الصومال وسوريا والعراق ومصر ودول عربية أخري تسير وفق مؤشرات كثيرة إلي ذات المنزلق الخطير والنفق المظلم.
لقد أصبح الدين الذي يُفترض أنه المانع من الإثم والعدوان والظلم والضلال، وأنه الجامع الأقوي من كل جامع وصلة وقربي بين أتباعه، والحامل لآيات التسامح وأبعاد الحرية والعدل والمساواة، ولكل معطي من معطيات الحكمة والقيمة الخُلقية والروحية والإنسانية.. أصبح مستند الجهَّال والفتاك والمرتزقة إلي الفتنة والضلال والاقتتال، فقد قدَّمه بعضهم وفسره ومارسه مفرقًا للصف والكلمة، مضعِفًا للأمة ومشوهًا للعقيدة، بل موجبًا لذبح المختلِف وممارسة الفحش وهتك الأعراض وإحراق الزرع وتجفيف الضرع.. وموجبًا لتفرق أتباعه علي المذاهب ‹›أتباعًا لأشخاص وليس للكتاب وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام›› ومسببًا لتطرفهم في التعصب لما يفهمون منه استنادًا إليها وهي في أحسن الحالات اجتهاد علي نص أو اقتداء بسلوك، يثاب صاحبهما إن أخطأ ولا يوجب اجتهاده الاتباع والتطرف إلي الحد الذي يراق معه الدم وترتكب الكبائر.. !!
وكثير من ذلك يجري دون التفكير بضرورة العودة الواعية إلي المرجعيتين الأم: كتاب الله وسنة رسول الله، ودون إيمان عميق ودراية فقهية حاكمة للسلوك والفعل والفكر، بأن الإسلام رسالة سماوية إنسانية شاملة تعلي مكانة القيم ومكارم الأخلاق والروح التي حرم الله والإنسان المستّهدف بالرسالات الإلهية، وأن الإسلام للناس كافة، ورحمة من رب العالمين.
أما الذين يريدون اليوم أن يوردونا مورد المهالك بحجة المذاهب فهم يخرجون بالإسلام الصحيح عن مساره ليزجوا به وبنا في الجحيم وبؤس العصر، وليقتادوا الناس إلي حيث لا دين ولا قيم ولا رحمة ولا تسامح ولا حياة ولا كرامة.
للأسف نعم، هناك من يظن أنه بالتحريض علي ارتكاب أعمال العنف في البلاد المشتعلة حاليًّا، وغيرها من بلاد المسلمين وغير المسلمين، إنما يقترب من باب الله مجاهدًا ونصيرًا. هؤلاء في الأغلب حفظة لا يفقهون ما يحفظون من دجل سياسي تسربل بالدين علي مر السنين. تعود تلك السنين إلي بداية دولة الإسلام قبل عشرات القرون. لكن تصعب مناقشة هؤلاء، والذنب الأكبر علي من لقنوهم ونشروا بينهم تلك الأفكار الدموية مستغلين الجهل والفقر وحمية الشباب الذي لا يعرف سبيلا إلي باب الله فيؤمه إرهابي فاسق في الأغلب إلي باب الشيطان.
وفي التفاصيل وحدهم القتلة إلي الجنة، ومعهم بعض الملوك وبعض الشيوخ المحشوين بالنفط والعمالة والخيانة.. أما باقي الناس وباقي الصابرين الذين تهجروا من بيوتهم وسكنوا العراء فعليهم التوبة أو حقَّ عليهم القتل.. والقتل أجناس.. والناس أجناس.. ورمضان هذا العام غير رمضان الذي مضي ونحن هذا العام غير الذين كنا. لقد تكسرت الجهات، وانقطعت حبال السماء عن الأرض.. معلقون نحن العرب بين الكفر والإيمان.. أما ما تدمَّر ومن قتِل وما أحرق فهذا كله في سبيل الله!
لقد اختلط الديني بالدنيوي، وغلبت السياسة وعلاقات القوي علي الأخلاق واستغلال الشعائر وتفسيرات الآيات والأحاديث لخدمة أغراض سياسية دنيئة أحيانًا أو جيدة أحيانًا أخري، حسب زاوية نظرك وتأثيرها عليك 'التأثير الدنيوي طبعًا'. ونتساءل بكل هدوء:
من الكافر هنا ومن المسلم؟ من الذي ما زال علي سنة محمد صلي الله عليه وسلم ومن الذي انحرف عنها؟ من بيده القول الفصل ومن هو المخول في إصدار الحكم والقادر علي جمع هذه الآراء والمذاهب والأفكار والأشخاص في صعيد واحد وعلي كلمة سواء؟
ولو سلمنا بأن الحق والاستقامة والتمسك برسالة الإسلام كما نزلت علي رسول الإسلام تأكدت واجتمعت في مذهب من المذاهب فأي قوة أو معجزة ستتمكن يا تري من إقناع المذاهب الأخري بالتحول عنها إليه بعد أكثر من ألف وثلاثمائة من انتسابها واستمرارها وبقائها علي المذهب التي هي عليه؟
وما الحل لهذه المعضلة التي تواصلت واستمرت عبر قرون من الزمن؟ هل هناك من علاج أجدي وأنفع وأفضل وأصلح من التعايش السلمي والقبول بالآخر والإقرار والاقتناع بأن الخلاف في الرأي وفي الممارسة وفي مجالات التفكير مسألة طبيعية وصحية بين البشر ظلت وستستمر ما بقي الإنسان وعلينا أن نؤسس لثقافة إنسانية حضارية تستوعب مختلف الآراء وتجرم وتحرم استخدام القوة والشحن وبث الفتن لتطويع رأي أو مذهب علي الآخر؟
هل المطلوب والمبتغي أن يلغي الواحد منا الآخر وأن يفنيه عن بكرة أبيه ليظل هو مستفردًا بالوطن والسلطة واتخاذ القرار؟ وهل يمكن أن يتحقق ذلك ونحن في صراع متواصل وحروب مدمرة تهدأ وتشتد منذ أكثر من ألف سنة؟
إذن فالأمر لا يتطلب جهدًا سوي قراءة التاريخ بعين لا تغشي عليها ظلمة العقل الذي ‹›يحفظ ولا يفهم›› لتكتشف أنه حتي ما قبل صراع الأمويين والعباسيين وما بعدهم كان المصحف يرفع علي السيف علي طريقة ما يفعله الإخوان الآن 'الإسلام هو الحل'. ويزخر تاريخنا بشيوخ ومفتين و››علماء›› يوصفون من قبل مناوئيهم السياسيين بأنهم ‹›علماء السلاطين›› أي من يلوون روح الدين لأغراض الدنيا. وفي الجانب الآخر هناك من هؤلاء وأولئك بذات القدر والتوجه.
فمَن مِن العلماء أو المؤسسات الدينية أو القادة أو الساسة يمكننا أن نأتمنه وأن نسلمه قيادة الأمة والمتحدث باسمها وأن نري فيه ما يمثل سماحة الإسلام وعظمته ومصالح المنتمين إليه في ظل هذه الفوضي الهائلة والكم الكبير من الفتاوي التي تطرح والمبادرات التي تطلق والشعارات التي ترفع والتي تهدم أكثر مما تصلح وتثير الفتن وتشحن العقول بدلا من أن تصلح النفوس وتدعو إلي المحبة والتآلف والتآزر بين أبناء الأمة وتعيق أي حراك أو جهد يسعي إلي إخراج الأمة من هذا المأزق الذي تعيشه والذي يدعي فيه الواحد ما ينقضه الآخر في طرفة عين؟
فلا نري إلا سيوفًا تقطع الرقاب وتئد الحياة وتحول بياض المستقبل إلي سواد حالك، من يملك حق الإجابة علي هذه الأسئلة الواسعة والمتشعبة والشائكة التي تخص حياة ومستقبل وواقع الأمة، هل هم العلماء أم المؤسسات الدينية أو الساسة والقادة؟
سيقول قائل ما، من موقع ما، وبلسان ما.. علي من يفعل ذلك أو يقود إليه أن يتحمل النتيجة والمسؤولية التاريخية، ويا فرحتنا بمن قال وبما يقال، وبأن يسجل التاريخ مسؤولية علي هذا أو ذاك من الأشخاص الذين لو كان لديهم شعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية والقومية، أو كانت تلك القيم تهمهم في شيء، لما أوصلونا جميعًا إلي ما نحن مشرفون عليه من محن وفتن.
إن الدماء التي ستسيل من جراء الاقتتال الداخلي أو العدوان الخارجي أثمن بمليارات المرات من حكم التاريخ والحبر الذي ستكتب به الإدانات ومن دماء المدانين أنفسهم.
فلماذا لا نفكر بمسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية قبل الإقدام علي فعل يزري بالوطن والشعب والأمة القيم كلها، وهو فعل لن يفيد إلا أعداء الأمتين العربية والإسلامية؟
نحن بحاجة لسياسيين يعيشون واقع شعوبنا ويعملون علي تخفيف معاناتها، ووضع حد لبؤسها وإذلالها وتبعيتها وتجويعها وإذلالها واستعبادها، ونحتاج إلي أن نعرف ويعرفوا من ديننا ما هو جوهره ولبابه ورسالته الخالدة للبشرية كافة، وبما كان من فعل السياسة وحوادث التاريخ التي عاشها أجدادنا وخالطها الظلم وخالطتها جاهلية وعصبية ضارة ودنيوية رخيصة، ونفجَ فيها الغلو والمرض، وعُلق ذلك وما هو أكثر منه بالدين وألحق بمذاهب أو أصبح أحزابًا ومذاهب، وهو في أحسن التفسيرات والأحوال والنوايا والأوضاع ‹›رأي واجتهاد›› ينبغي أن نترك حكمهما لله الحاكم، وللتاريخ وذوي البحث الجاد من ذوي العقل الراجح والإيمان الصادق، وألا يحكم ذلك الماضي حياتنا اليوم ونحن نغوص أو نغرق في المحنة والفتنة، يتكالب علينا أعداء العروبة وأعداء الإسلام، وأصحاب المصالح والتجار من كل لون، تجار السياسة وتجار الأزمات وتجار القيم.
نحن بحاجة اليوم للمقاومة لنحرر الأرض من الصهاينة وندفع بعض شرورهم هما، ونحتاج إليها وإلي سلاحها وقدراتها لندفع بعض القتل والذل عنا ونحمي بعض الأرض وبعض المقدسات، لا لكي يستقوي بها بعضنا علي بعض أو يستقوي عليها بعضنا بالأجنبي وبالبعض منا.. فنضعف جميعًا ويقوي علينا عدونا.. ولسنا بحاجة إلي أن يفني بعضنا بعضًا من أجل بقاء حاكم أو تغيير حكم، أو حكم طائفة وحماية أقلية، لأننا نعيش بأمن في ظل المواطَنة فهمًا وتطبيقًا، وتغيير الحكم والحاكم حق من حقوق الشعب عبر وسائل مشروعة ومتفق عليها..
إن ذلك كله من حقنا علي أن يتم بالأسلوب المنطقي الإنساني الشرعي التشريعي الدستوري القانوني الإنساني الحضاري.. وهو من أجلنا أولا وأخيرًا ولسنا حطبًا لناره ولا في خدمة من يجور علينا وعليه بقراره.. بل ينبغي علي الحاكم والحكم أن يجنبانا النار المحرقة، ويدفئا منا القلوب والأجساد بالحب، ونلقي منهما الرعاية والأمانة والإخلاص في العمل من أجل الشعب والوطن والخلق والدين..
نحن اليوم في معمعان الفوضي والقتل والتيه الذي يُغَيِّبُ العقول، ولن ينفعنا ذلك بل سيزيد من بلاوينا ومآسينا ومن رصيد الحقد ومرارة الكراهية، وسيفتح حسابات جديدة لا تنتهي لعقود وربما لقرون من الزمن..
إن المصلحة العليا يعرفها ويعليها أهل الحكمة والمكانة والوعي والثقافة والإيمان قبل أن تؤدي الأمور إلي دوامات الموت التي لا مخرج منها لأحد منتصرًا حتي لو تفاخر بالنصر وادعي كل ادعاء، وعِبَرُ التاريخ أمام من يعتبر..
إن الكبار يكبرون بمواقفهم وتضحياتهم وحكمتهم وتقاس مواقفهم وترتفع مقاديره بمقدار ما يضحون من أجل أوطانهم وأمتهم بالغالي والنفيس، بل بالحياة ذاتها، فكيف بهم وهم يتخلون عما يُصَغِّرهم بأعين الناس ويجعلهم من المحكوم لهم لا عليه بنظر شعبهم والتاريخ!
فهل نشهد مواقف عربية علي هذا المستوي الرفيع المنقذ قبل فوات الأوان يا تري؟
لن نفقد الأمل بعون الله، وستبقي الأمة علي أي حال فلا يفرحن أعداؤها وأعداء القيم والإنسانية جمعاء.
وكل عام وعيدكم سعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.