إصابة 10 أشخاص في انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج    إصابة 5 عمال في مشاجرة بسوهاج لتنافس على الزبائن    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    الإخوان : وقف نزيف الحرب على غزة لن يمر عبر تل أبيب    سفير مصر باليونان: مشاركة المصريين فى انتخابات الشيوخ تعكس وعيهم بالواجب الوطنى    26 دولة تعلن غلق لجان تصويت المصريين بالخارج فى انتخابات مجلس الشيوخ 2025    رسميا الآن بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 2 أغسطس 2025    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدتين في الضفة الغربية    روسيا ومدغشقر تبحثان إمكانية إطلاق رحلات جوية بمشاركة شركات طيران إقليمية    أخبار × 24 ساعة.. وظائف فى البوسنة والهرسك بمرتبات تصل ل50 ألف جنيه    ماسك يؤكد وجود شخصيات ديمقراطية بارزة في "قائمة إبستين"    كواليس من محاكمة صدام حسين.. ممثل الدفاع: طلب جورج بوش وتوني بلير لهذا السبب    عبدالمنعم سعيد: الدمار الممنهج في غزة يكشف عن نية واضحة لتغيير هوية القطاع    الصفاقسي التونسي يكشف موعد الإعلان عن علي معلول وموقفهم من المثلوثي    نجم الزمالك السابق: فترة الإعداد "مثالية".. والصفقات جيدة وتحتاج إلى وقت    خناقة مرتقبة بين ممدوح عباس وجون إدوارد.. نجم الزمالك السابق يكشف    ستوري نجوم كرة القدم.. صلاح يودع لويس دياز.. ومحمد هاني يُشيد بأداء كريم فهمي    الزمالك يحسم صفقة الفلسطيني عدي الدباغ بعقد يمتد لأربع سنوات    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    بيراميدز يستهدف صفقة محلية سوبر (تفاصيل)    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    كيف يتصدى قانون الطفل للحسابات المحرضة على الانحراف؟    زفاف إلى الجنة، عريس الحامول يلحق ب"عروسه" ووالدتها في حادث كفر الشيخ المروع    مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة في سيوة    علا شوشة تكشف تفاصيل مشاجرة أم مكة بقناة الشمس    «الجو هيقلب».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: أمطار وانخفاض درجات الحرارة    مفاجأة عمرو دياب لجمهور العلمين في ختام حفله: مدفع يطلق «تي شيرتات» وهدايا (صور)    كلوي كتيلي تشعل مسرح العلمين ب"حرمت أحبك" و"حلوة يا بلدي".. فيديو    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حدث بالفن| كارثة بسبب حفل محمد رمضان ومطرب يلغي حفله في الساحل حدادًا على المتوفي    "ظهور نجم الأهلي".. 10 صور من احتفال زوجة عماد متعب بعيد ميلاد ابنتهما    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    حسام موافي يوجه رسالة لشاب أدمن الحشيش بعد وفاة والده    وصول دفعة أطباء جديدة من عدة محافظات إلى مستشفى العريش العام    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    ترامب: نشرنا غواصتين نوويتين عقب تصريحات ميدفيديف "لإنقاذ الناس"    مركز رصد الزلازل الأوروبي: زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب شمال شرق أفغانستان    2 جنيه زيادة فى أسعار «كوكاكولا مصر».. وتجار: «بيعوضوا الخسائر»    منطقة بورسعيد تستضيف اختبارات المرحلة الثانية بمشروع تنمية المواهب "FIFA TDS"    تشييع جثمان فقيد القليوبية بعد مصرعه فى «حفل محمد رمضان»    الشيخ محمد أبو بكر بعد القبض على «أم مكة» و«أم سجدة»: ربنا استجاب دعائى    وزير النقل يتفقد مواقع الخط الأول للقطار الكهربائى السريع «السخنة- العلمين- مطروح»    انتخابات الشيوخ 2025| استمرار التصويت للمصريين بالخارج داخل 14 بلد وغلق الباب في باقي الدول    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    محافظ الإسكندرية يتابع مؤشرات حملة 100 يوم صحة على نطاق الثغر    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    الأسهم الأوروبية تتكبد خسائر أسبوعية بعد أسوأ جلسة منذ أبريل    فريق بحثي بمركز بحوث الصحراء يتابع مشروع زراعة عباد الشمس الزيتي بطور سيناء    مصر تتعاون مع شركات عالمية ومحلية لتنفيذ مشروع المسح الجوي للمعادن    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    إدارة مكافحة الآفات بالزراعة تنفذ 158 حملة مرور ميداني خلال يوليو    من تطوير الكوربة لافتتاح مجزر الحمام.. أبرز فعاليات التنمية المحلية في أسبوع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرائق الفتن الطائفية والمذهبية وتحقيق الأحلام التلمودية؟!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 07 - 08 - 2014

غادرنا رمضان هذا العام ومعاناة العرب من بين المسلمين تتفاقم وتكبر وتتدحرج وتكبر وهي تتدحرج حتي بلغت درجة غير مسبوقة.. ففي الوقت الذي نجد فيه سوريا غارقة ومغرَقة في مستنقع الدم، ونجد العراق علي جناحها الشرقي مهددًا باستمرار ما كان فيه قبل يومها وبتوالد ما يتوالد فيها من فتنة وبؤس، ونجد لبنان مهددًا بنار الفتنة المذهبية وما يتهدد سوريا منها يتهدده، فالبيت واحد لكنه بغرفتين..
في هذا الوقت نجد مصر تُجر نحو المستنقع العفن بقوة جذب شديدة، وتلعب في ملاعبها أقطار عربية وبلدان أجنبية، وفئات ذات أغراض وارتباطات ومآرب شتي.. ونجدها مهددة لا سمح الله بأمر مقارب لذلك الذي يتم في سوريا، مع خلافات واختلافات في التحالفات والأهداف والوسائل والأدوات.. ونلحظ اللاعبين العرب المعنيين في الساحة المصرية علي هيئة مشجعي ‹›أهلي وزمالك››، فإما مالك وإما هالك؟! وعلي جناح مصر العزيزة، وعند مفرقها الإفريقي لا تزال النار تحرق ليبيا التي تفككت أو كادت، ودم أبنائها ما انفك يسيل..
لن يكون بوسع أحد أن يحاجج في حالة التمزق التي تعصف بالعالمين العربي والإسلامي في وقتنا الراهن، والمحاولات المشبوهة لجر الإسلام إلي فتنة كبري جديدة وجعله أداة أيديولوجية طيعة لخدمة المشاريع الاستعمارية والأطلسية لنخبة المحافظين الجدد، والأزمة الاقتصادية في الغرب، بعد أن كان الإسلام ورجالاته رواد مرحلة التحرر من التبعية للأجنبي والخلاص من الاستعمار.
لقد أصبحت الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر غثاء كغثاء السيل، لقد تمزّق شملها وتشتت صفها، وطمع فيها الضعيف قبل القوي، والذليل قبل العزيز، والقاصي قبل الداني وأصبحت قصعة مستباحة بعدما كانت تقود العالم، ورسولها الكريم صلي الله عليه وسلم، أرسله الله رحمة للعالمين وللناس أجمعين، بدليل قوله تعالي: 'وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون'.
والآن نراها قد أصبحت ضعيفة لأن الفرقة قرينة للضعف والخذلان والضياع..
لقد قست قلوب في دوائر صنع القرار ومدارج النار عمن يدفع الثمن الفادح من أبناء الشعب العربي الذين يدفعونه: دمًا وتخلفًا وجوعًا ومعاناة وخوفًا وحقدًا دفينًا يورث حقدًا ودمًا وموتًا.. بينما يقطف الغربُ الاستعماري، والحركة الصهيونية العنصرية القذرة، وقوي عالمية أخري تعنيها مصالحها قبل العدالة والحرية والديمقراطية والأناشيد الثورية.. تقطف كل الثمار، المادية والمعنوية والاستراتيجية والسياسية، لهذا الصراع البائس، دون أن تتحمل أي عناء أو تخشي أي عواقب؟!
وهكذا يزج عدو الأمتين العربية والإسلامية كل من يستطيع زجه في معترك النار وهو يقول: ‹›تقاتلوا ومني السلاح والمال ومنكم الدم والأرواح.. تقاتلوا حتي النهاية، حتي لا يبقي لكم لا قومية ولا دين، ولا حامٍ ولا ضعين، وحتي تبقي إسرائيل آمنة ومهيمنة وقوة عظمي، ولكي أنام أنا السيد مرتاحًا مطمئنًا إلي ثروتي ونفوذي وسيطرتي عليكم وعلي بلدانكم وعقيدتكم وأموالكم وكل قواكم الحية.. فهذا أمري أنا سيد السادة، ولتكن كل مفاتن بلدانكم علي جيد سيدة بيتي قلادة؟!
إننا نعيش المحنة ونرفضها وندلف إلي الأسوأ فالأسوأ خطوة بعد خطوة، ننكر ما نحن فيه ونستنكره ونمشي إلي مهاويه وعيوننا معصوبة لا تريد أن تري الحُفر في الدروب والأحقاد التي تنمو في القلوب وتؤسس لما بعدها في قابلات الأيام مما يجعل النار تحت الرماد.. إننا نلتحف الشتاء بانتظار وعد الربيع.. وندرك جيدًا أنه لا ربيع لمن يغوص في مستنقع نجيع بعد نجيع، ويحفر لأخيه قبرًا ويحفر أخوه له قبرًا!
فالخسائر الجسيمة في الأنفس البريئة وعمليات التهجير وفقد الأحبة والأوطان والممتلكات وغياب الأمن والاستقرار والجراح في الأنفس والأجساد بلغت حدًا لا ينبغي السكوت عنه وتجاوزه، هذا فضلا عن مخاطر التقسيم والصراعات الطائفية والأهلية والتدخلات الأجنبية في هذه الدول بخاصة.
فهل من العدل أو من العقل في شيء أن تستمر أوضاعنا العربية علي الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية علي الخصوص في تدهور، ونحن نري المصير المظلم الذي ينتظرنا، والتآمر الذي يحيط بنا، والهاوية التي تقود إليها الطريق أو الطرق التي نسلكها اليوم؟!
هل من العقل والعدل أن يدفع قسم منا ثمن معاداة العدو التاريخي وتواطؤ الشقيق معه ثمنًا يفوق التصور من الأرواح والجراح والعمران والأمن والمعاناة البشرية، فيؤسس لما سيصيب شقيقه المتواطئ مع عدوه لمثل ما فرض عليه من حال.. فندخل جميعًا في المفرمة ويبقي العدو علي حصان من ذهب يدير بيننا ألسنة اللهب، فنشتوي بالنار وينتشي لما آل إليه حالنا والقرار؟!
'إسرائيل' تدمر في غزة، تقتل وتعتقل وتتوسع وتهود علي هواها ‹›مطلقة اليمين››، وهي في فعلها الإجرامي هذا تلقي بعض العون ممن يفتَرض فيهم أن يقفوا مدافعين عن شعب ذاق الأمرين من عنصريين متوحشين وعنصرية بلا ضفاف.. وهي دولة إرهاب تعمل كل ما بوسعها للاستثمار في الإرهاب ولتشويه المقاومة المشروعة التي تسميها إرهابًا، وتقوم بكل جهد لتدمير سوريا والعراق وتمزقهما إلي دويلات، فهما الدولتان العربيتان الأشد ثبات موقف علي المبدأ في قضية فلسطين العادلة وشعبها المظلوم..
ولن تتوقف إسرائيل في تآمرها عند حدود، فهي تتعاون مع قطر ضد مصر وسوريا والعراق.. وهكذا تتبع فعلها توابع في أقطار عربية أخري.. وهي لا تكف عن العمل علي إثارة الفتنة بين ‹›السنة الشيعة››، وبين المسلمين ممن لا يدخل المعمعة التي أولها غي وآخرها غي، لترتاح من الكل بضرب بعضهم ببعض، وتتخلص من كل ما يقلقها: من المقاوم والممانع والمفاوض والمساوم ومن.. ومن.. ومن ثم تعلنها منطقة ‹›صهيونية›› إما بسيطرة فعلية علي الأرض، وإما بسيطرة علي الحكم ومن يحكم والقرار ومن يقرر، علي الطاقة والثروة، وعلي من يحرث الأرض ويزرعها.. ألا والأمر أشد وضوحًا من رؤية الضحي لمن يري أو يريد أن يري..
فأين العقل، وأين الفهم، وأين من يدرك فيبني علي الإدراك، ومن يحكم بالحكمة علي ضوء الإيمان والوطنية والشرع والدستور والقوانين، فيؤسس ويبني ويحمي، ويتقن اتخاذ القرار وتوجيه السلاح إلي مصدر الخطر علي الشعب والوطن والإنسان والقيم السامية ومكارم الأخلاق؟
وفي موقف آخر يفتي البعض ويحرض ويدعو إلي الفتنة وإلي تكفير أخوة لهم من المنتمين إلي الدين الإسلامي ممن يتحدثون باسمه ويحملون هويته، ويشاركونهم الإيمان والشهادتين والصلاة والصوم والزكاة وأداء فريضة الحج، بل أكثر من ذلك فهم أبناء وطن واحد، أي يشتركون في المواطنة والإنسانية ولهاتين المفردتين من السعة في حجم المسئولية والقيم والعمل المشترك ما يؤدي في حالة تجاهلهما وتجاوزهما وإلغائهما من القاموس العام إلي ضياع الوطن وانهيار مؤسساته وافتقاد الأمن والاستقرار وإدخال المجتمع في نفق من الصراعات الطائفية والمذهبية والحزبية والأيديولوجية ما تؤدي إلي ما نراه اليوم في الصومال وسوريا والعراق ومصر ودول عربية أخري تسير وفق مؤشرات كثيرة إلي ذات المنزلق الخطير والنفق المظلم.
لقد أصبح الدين الذي يُفترض أنه المانع من الإثم والعدوان والظلم والضلال، وأنه الجامع الأقوي من كل جامع وصلة وقربي بين أتباعه، والحامل لآيات التسامح وأبعاد الحرية والعدل والمساواة، ولكل معطي من معطيات الحكمة والقيمة الخُلقية والروحية والإنسانية.. أصبح مستند الجهَّال والفتاك والمرتزقة إلي الفتنة والضلال والاقتتال، فقد قدَّمه بعضهم وفسره ومارسه مفرقًا للصف والكلمة، مضعِفًا للأمة ومشوهًا للعقيدة، بل موجبًا لذبح المختلِف وممارسة الفحش وهتك الأعراض وإحراق الزرع وتجفيف الضرع.. وموجبًا لتفرق أتباعه علي المذاهب ‹›أتباعًا لأشخاص وليس للكتاب وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام›› ومسببًا لتطرفهم في التعصب لما يفهمون منه استنادًا إليها وهي في أحسن الحالات اجتهاد علي نص أو اقتداء بسلوك، يثاب صاحبهما إن أخطأ ولا يوجب اجتهاده الاتباع والتطرف إلي الحد الذي يراق معه الدم وترتكب الكبائر.. !!
وكثير من ذلك يجري دون التفكير بضرورة العودة الواعية إلي المرجعيتين الأم: كتاب الله وسنة رسول الله، ودون إيمان عميق ودراية فقهية حاكمة للسلوك والفعل والفكر، بأن الإسلام رسالة سماوية إنسانية شاملة تعلي مكانة القيم ومكارم الأخلاق والروح التي حرم الله والإنسان المستّهدف بالرسالات الإلهية، وأن الإسلام للناس كافة، ورحمة من رب العالمين.
أما الذين يريدون اليوم أن يوردونا مورد المهالك بحجة المذاهب فهم يخرجون بالإسلام الصحيح عن مساره ليزجوا به وبنا في الجحيم وبؤس العصر، وليقتادوا الناس إلي حيث لا دين ولا قيم ولا رحمة ولا تسامح ولا حياة ولا كرامة.
للأسف نعم، هناك من يظن أنه بالتحريض علي ارتكاب أعمال العنف في البلاد المشتعلة حاليًّا، وغيرها من بلاد المسلمين وغير المسلمين، إنما يقترب من باب الله مجاهدًا ونصيرًا. هؤلاء في الأغلب حفظة لا يفقهون ما يحفظون من دجل سياسي تسربل بالدين علي مر السنين. تعود تلك السنين إلي بداية دولة الإسلام قبل عشرات القرون. لكن تصعب مناقشة هؤلاء، والذنب الأكبر علي من لقنوهم ونشروا بينهم تلك الأفكار الدموية مستغلين الجهل والفقر وحمية الشباب الذي لا يعرف سبيلا إلي باب الله فيؤمه إرهابي فاسق في الأغلب إلي باب الشيطان.
وفي التفاصيل وحدهم القتلة إلي الجنة، ومعهم بعض الملوك وبعض الشيوخ المحشوين بالنفط والعمالة والخيانة.. أما باقي الناس وباقي الصابرين الذين تهجروا من بيوتهم وسكنوا العراء فعليهم التوبة أو حقَّ عليهم القتل.. والقتل أجناس.. والناس أجناس.. ورمضان هذا العام غير رمضان الذي مضي ونحن هذا العام غير الذين كنا. لقد تكسرت الجهات، وانقطعت حبال السماء عن الأرض.. معلقون نحن العرب بين الكفر والإيمان.. أما ما تدمَّر ومن قتِل وما أحرق فهذا كله في سبيل الله!
لقد اختلط الديني بالدنيوي، وغلبت السياسة وعلاقات القوي علي الأخلاق واستغلال الشعائر وتفسيرات الآيات والأحاديث لخدمة أغراض سياسية دنيئة أحيانًا أو جيدة أحيانًا أخري، حسب زاوية نظرك وتأثيرها عليك 'التأثير الدنيوي طبعًا'. ونتساءل بكل هدوء:
من الكافر هنا ومن المسلم؟ من الذي ما زال علي سنة محمد صلي الله عليه وسلم ومن الذي انحرف عنها؟ من بيده القول الفصل ومن هو المخول في إصدار الحكم والقادر علي جمع هذه الآراء والمذاهب والأفكار والأشخاص في صعيد واحد وعلي كلمة سواء؟
ولو سلمنا بأن الحق والاستقامة والتمسك برسالة الإسلام كما نزلت علي رسول الإسلام تأكدت واجتمعت في مذهب من المذاهب فأي قوة أو معجزة ستتمكن يا تري من إقناع المذاهب الأخري بالتحول عنها إليه بعد أكثر من ألف وثلاثمائة من انتسابها واستمرارها وبقائها علي المذهب التي هي عليه؟
وما الحل لهذه المعضلة التي تواصلت واستمرت عبر قرون من الزمن؟ هل هناك من علاج أجدي وأنفع وأفضل وأصلح من التعايش السلمي والقبول بالآخر والإقرار والاقتناع بأن الخلاف في الرأي وفي الممارسة وفي مجالات التفكير مسألة طبيعية وصحية بين البشر ظلت وستستمر ما بقي الإنسان وعلينا أن نؤسس لثقافة إنسانية حضارية تستوعب مختلف الآراء وتجرم وتحرم استخدام القوة والشحن وبث الفتن لتطويع رأي أو مذهب علي الآخر؟
هل المطلوب والمبتغي أن يلغي الواحد منا الآخر وأن يفنيه عن بكرة أبيه ليظل هو مستفردًا بالوطن والسلطة واتخاذ القرار؟ وهل يمكن أن يتحقق ذلك ونحن في صراع متواصل وحروب مدمرة تهدأ وتشتد منذ أكثر من ألف سنة؟
إذن فالأمر لا يتطلب جهدًا سوي قراءة التاريخ بعين لا تغشي عليها ظلمة العقل الذي ‹›يحفظ ولا يفهم›› لتكتشف أنه حتي ما قبل صراع الأمويين والعباسيين وما بعدهم كان المصحف يرفع علي السيف علي طريقة ما يفعله الإخوان الآن 'الإسلام هو الحل'. ويزخر تاريخنا بشيوخ ومفتين و››علماء›› يوصفون من قبل مناوئيهم السياسيين بأنهم ‹›علماء السلاطين›› أي من يلوون روح الدين لأغراض الدنيا. وفي الجانب الآخر هناك من هؤلاء وأولئك بذات القدر والتوجه.
فمَن مِن العلماء أو المؤسسات الدينية أو القادة أو الساسة يمكننا أن نأتمنه وأن نسلمه قيادة الأمة والمتحدث باسمها وأن نري فيه ما يمثل سماحة الإسلام وعظمته ومصالح المنتمين إليه في ظل هذه الفوضي الهائلة والكم الكبير من الفتاوي التي تطرح والمبادرات التي تطلق والشعارات التي ترفع والتي تهدم أكثر مما تصلح وتثير الفتن وتشحن العقول بدلا من أن تصلح النفوس وتدعو إلي المحبة والتآلف والتآزر بين أبناء الأمة وتعيق أي حراك أو جهد يسعي إلي إخراج الأمة من هذا المأزق الذي تعيشه والذي يدعي فيه الواحد ما ينقضه الآخر في طرفة عين؟
فلا نري إلا سيوفًا تقطع الرقاب وتئد الحياة وتحول بياض المستقبل إلي سواد حالك، من يملك حق الإجابة علي هذه الأسئلة الواسعة والمتشعبة والشائكة التي تخص حياة ومستقبل وواقع الأمة، هل هم العلماء أم المؤسسات الدينية أو الساسة والقادة؟
سيقول قائل ما، من موقع ما، وبلسان ما.. علي من يفعل ذلك أو يقود إليه أن يتحمل النتيجة والمسؤولية التاريخية، ويا فرحتنا بمن قال وبما يقال، وبأن يسجل التاريخ مسؤولية علي هذا أو ذاك من الأشخاص الذين لو كان لديهم شعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية والقومية، أو كانت تلك القيم تهمهم في شيء، لما أوصلونا جميعًا إلي ما نحن مشرفون عليه من محن وفتن.
إن الدماء التي ستسيل من جراء الاقتتال الداخلي أو العدوان الخارجي أثمن بمليارات المرات من حكم التاريخ والحبر الذي ستكتب به الإدانات ومن دماء المدانين أنفسهم.
فلماذا لا نفكر بمسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية قبل الإقدام علي فعل يزري بالوطن والشعب والأمة القيم كلها، وهو فعل لن يفيد إلا أعداء الأمتين العربية والإسلامية؟
نحن بحاجة لسياسيين يعيشون واقع شعوبنا ويعملون علي تخفيف معاناتها، ووضع حد لبؤسها وإذلالها وتبعيتها وتجويعها وإذلالها واستعبادها، ونحتاج إلي أن نعرف ويعرفوا من ديننا ما هو جوهره ولبابه ورسالته الخالدة للبشرية كافة، وبما كان من فعل السياسة وحوادث التاريخ التي عاشها أجدادنا وخالطها الظلم وخالطتها جاهلية وعصبية ضارة ودنيوية رخيصة، ونفجَ فيها الغلو والمرض، وعُلق ذلك وما هو أكثر منه بالدين وألحق بمذاهب أو أصبح أحزابًا ومذاهب، وهو في أحسن التفسيرات والأحوال والنوايا والأوضاع ‹›رأي واجتهاد›› ينبغي أن نترك حكمهما لله الحاكم، وللتاريخ وذوي البحث الجاد من ذوي العقل الراجح والإيمان الصادق، وألا يحكم ذلك الماضي حياتنا اليوم ونحن نغوص أو نغرق في المحنة والفتنة، يتكالب علينا أعداء العروبة وأعداء الإسلام، وأصحاب المصالح والتجار من كل لون، تجار السياسة وتجار الأزمات وتجار القيم.
نحن بحاجة اليوم للمقاومة لنحرر الأرض من الصهاينة وندفع بعض شرورهم هما، ونحتاج إليها وإلي سلاحها وقدراتها لندفع بعض القتل والذل عنا ونحمي بعض الأرض وبعض المقدسات، لا لكي يستقوي بها بعضنا علي بعض أو يستقوي عليها بعضنا بالأجنبي وبالبعض منا.. فنضعف جميعًا ويقوي علينا عدونا.. ولسنا بحاجة إلي أن يفني بعضنا بعضًا من أجل بقاء حاكم أو تغيير حكم، أو حكم طائفة وحماية أقلية، لأننا نعيش بأمن في ظل المواطَنة فهمًا وتطبيقًا، وتغيير الحكم والحاكم حق من حقوق الشعب عبر وسائل مشروعة ومتفق عليها..
إن ذلك كله من حقنا علي أن يتم بالأسلوب المنطقي الإنساني الشرعي التشريعي الدستوري القانوني الإنساني الحضاري.. وهو من أجلنا أولا وأخيرًا ولسنا حطبًا لناره ولا في خدمة من يجور علينا وعليه بقراره.. بل ينبغي علي الحاكم والحكم أن يجنبانا النار المحرقة، ويدفئا منا القلوب والأجساد بالحب، ونلقي منهما الرعاية والأمانة والإخلاص في العمل من أجل الشعب والوطن والخلق والدين..
نحن اليوم في معمعان الفوضي والقتل والتيه الذي يُغَيِّبُ العقول، ولن ينفعنا ذلك بل سيزيد من بلاوينا ومآسينا ومن رصيد الحقد ومرارة الكراهية، وسيفتح حسابات جديدة لا تنتهي لعقود وربما لقرون من الزمن..
إن المصلحة العليا يعرفها ويعليها أهل الحكمة والمكانة والوعي والثقافة والإيمان قبل أن تؤدي الأمور إلي دوامات الموت التي لا مخرج منها لأحد منتصرًا حتي لو تفاخر بالنصر وادعي كل ادعاء، وعِبَرُ التاريخ أمام من يعتبر..
إن الكبار يكبرون بمواقفهم وتضحياتهم وحكمتهم وتقاس مواقفهم وترتفع مقاديره بمقدار ما يضحون من أجل أوطانهم وأمتهم بالغالي والنفيس، بل بالحياة ذاتها، فكيف بهم وهم يتخلون عما يُصَغِّرهم بأعين الناس ويجعلهم من المحكوم لهم لا عليه بنظر شعبهم والتاريخ!
فهل نشهد مواقف عربية علي هذا المستوي الرفيع المنقذ قبل فوات الأوان يا تري؟
لن نفقد الأمل بعون الله، وستبقي الأمة علي أي حال فلا يفرحن أعداؤها وأعداء القيم والإنسانية جمعاء.
وكل عام وعيدكم سعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.