لو أن أعداء مصر جميعا عقدوا العزم علي محاربتها وتشويه فنونها وآدابها وثقافتها ما فعلوا شيئا أكثر مما تفعله فضائيات بعض رجال الاعمال عبر شاشاتها التي تمطر المصريين بوابل من برامج سخيفة تنضح بالجهالة., وتفسح المجال لمطربي الغفلة وتنتج دراما تشوه صورة مصر والمصريين وتسئ الي قيم وطن وشعب عريق.. وحسبكم ما شاهدناه في رمضان الماضي.. بدأت الحرب علي ذائقة المصريين قبل عشرين سنة وثقتها في دراسة حول ظاهرة الاغاني الشبابية حذرت فيها من تدهور الغناء المصري وبالتالي تدهور الذائقة المصرية التي كانت تمثل شهادة ميلاد لأي مطرب عربي.., كانت أذن المصري هي من يمنحه جواز المرور الي عالم الغناء, جمعت عددا من الاغاني وأجريت تحليلا لها, شاهدت وسمعت الكثير فوجدت شيئا بغيضا لا ينتمي الي عالم الطرب البتة. وأتصورأن ضربة البداية في العدوان علي الذائقة الفنية للمصريين تزامنت مع انطلاق الغناء الشعبي من الكباريهات إلي الاذاعة والتليفزيون فظهر عدوية الذي نترحم علي أغانيه حين انحط الغناء الي درك( باحبك يا حمار), وللتاريخ حالت الاذاعة المصرية دون عدوية وميكرفون الاذاعة ولم يعتمد مطربا بها., لقد تدهور الغناء المصري واندس في مملكته طفيليون, أصواتهم أقرب الي النهيق والنقيق بعد أن حلقنا في سماء الفرقدين مع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وحليم وفريد وسعاد وشادية ونجاة.!, الآن انتقل الاسفاف من الاغنية الي البرامج التليفزيونية والاذاعية عبر الشاشات والميكروفونات تماما كما حدث في الاغنية.., أنظر بغضب الي حال اذاعة تتبني برنامجا تحمل تتراته عنوان( أبقي تعالي اقابلني بالليل) حيث قام ببث احدي حلقاته تحت عنوان( المحن بضم الميم وسكون الحاء) كما يبث حاليا برنامج اسمه( مصنع الكراسي)., وفي الطريق برنامج اسمه( المبولة), أن تصل برامجنا الي هذه الهوة السحيقة من الضحالة والجهالة.., أن يصبح اعلامنا علي هذا النحو الفج البغيض.., أن تحمل تترات البرامج التليفزيونية عناوين مليئة بالقباحة والسخافة وقلة الذوق.., أن تمتلئ سماوات فضائياتنا بهذا الغثاء.. دون محاسبة, دون( قرصة ودن) لهؤلاء الجهلاء ملوثي أسماعنا وأبصارنا,... دون أن تحرك هيئة من الهيئات الثلاث ومعها نقابة الاعلاميين ساكنا, دون أن تتحرك النيابة العامة التي أصبح بيدها الحسبة باعتبارها نائبة عن المصريين.. فتلك نهاية الزمان., زمان الاعلام الجميل., زمان الادب والخلق الرفيع.., زمان الشياكة والدقة والرقة., زمان اعلام ينمي ويرقي ويرتفع بالاذواق والافهام. لا أعرف علي وجه اليقين من السخيف الذي وافق علي برنامج( ابقي تعالي اقابلني بالليل) المستمر من ثلاث سنوات ؟ ومن الذي أعد وقدم حلقة( المحن) في هذا البرنامج ؟ من الذي يجرؤ علي الهبوط بذائقة الشعب المصري بهذا التهريج البغيض ؟ من الذي يفكر في جذب الجماهير والاعلانات علي حساب الذوق الرفيع بالتدني والترخص والانحطاط.. ؟ من أين يستقي هؤلاء أفكار برامجهم, من الذي يطرح أفكارا برامجية بهذا المستوي ؟ وماذا يريد ؟.