لا أحد يشكك اليوم, في أن البشرية تمر بمرحلة من التحولات الكبري المتوالية والمتسارعة منذ منتصف عقد التسعينيات في نهاية القرن العشرين, حيث أحدثت التطورات التكنولوجية الخاصة بشبكة الإنترنت وإتاحتها للاستخدام العام, ثم امتدادها الي كل ارجاء العالم, نقلة نوعية وثورة حقيقية في عالم الاتصال وتكنولوجيا المعلومات, وجرت لأول مرة عملية ربط واسعة الانتشار لكل أجزاء هذا العالم المترامي الأطراف, وتم تمهيد الطريق لكافة المجتمعات للتقارب والتعارف وتبادل الآراء والأفكار والرغبات. وهكذا بدأ العالم يعيش مرحلة تحول كبري اختزل من خلالها عامل الزمن, وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي تعبر عن حالة التفاعل بين مجتمعات اليوم, وهو ما يؤكد علي حدوث تحول جذري في أدوات التخاطب والتعبير المؤثرة في الأحداث اليومية لنقل الأفكار, ومناقشة القضايا السياسية والاجتماعية, متجاوزة بذلك الحدود الطبيعية الي فضاءات جديدة.. حيث تغيرت ملامح الحياة البشرية تغيرا هائلا, فعلي سبيل المثال, حلت الرسائل الالكتورنية محل الرسائل الخطية, وشاركت غرف الدردشة الجلسات والمجالس العائلية والاجتماعية, ولم يعد السفر شرطا لرؤية الأصدقاء أو سماع أصواتهم أو للبيع والشراء أوالدراسة. وهكذا نشا ما يعرف بالفضاء الالكتروني الذي يضم عددا كبيرا من المجتمعات الافتراضية, بداية من غرف الدردشة والمجموعات البريدية وانتهاء بتويتر وفيس بوك وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وازدياد جاذبيتها, وتعاظم دورها والآثار أوالتداعيات الناجمة عنها, بدا أن هناك العديد من الزوايا والاقترابات والمداخل التي تتناول وسائل وأدوات العالم الافتراضي بقدر كبير من الجدل, وذلك في إطار رؤيتين, الأولي تشاؤمية تقوم بالتركيز علي قدرات التقنيات الحديثة في افساد الحياة الاجتماعية دون اي اعتبار للسياقات الثقافية والاجتماعية. والثانية تفاؤلية تعتبر ان وسائل التواصل هذه, قد فتحت ابوابا واحدثت تحولات ايجابية في مجالات الثقافة والاقتصاد والسياسة لم يكن من الممكن ادراكها دون هذا التقدم التقني والفني المذهل.. وتعتبر هذه النظرة ان العالم الافتراضي ما هو الا امتداد للعالم الاجتماعي حيث لا تختلف صيرورة بناء الهوية في الواقع الاجتماعي عن نظيرتها في المجال الالكتروني. غير أننا في نهاية المطاف لا يسعنا الا القول إن هناك العديد من التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشبكات التواصل الاجتماعي, إلي المستوي الذي أصبح يشير الي تغيرات نوعية وعميقة في كل أوجه الحياة, سواء علي مستوي الأفراد حيث يتم الترويج للمشروعات الصغيرة أو علي المستوي الاقتصادي ككل في الإعلان والتسويق ونشأة عالم متكامل تجري فيه المفاوضات وتعقد الصفقات.. والاخطر من كل ذلك ظهور حروب المعلومات والاستخدام الواسع لشبكات التواصل لإحداث فوضي أو تحولات سياسية في بعض المجتمعات, أو هجمات الكترونية علي المرافق والمؤسسات العامة لأغراض أمنية أو عسكرية, أو لاستخدامات أيدلوجية كما يظهر في تشكيل الجيوش والكتائب الإلكترونية التابعة لبعض الجهات أو الافراد, أو لاستخدامات إرهابية.. الخ في هذا الإطار من المهم أن نشير إلي العدد الأخير من مجلة رؤي مصرية التي تصدر عن مركز الاهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية, والذي تناول برؤية شاملة تستحق القراءة, شبكات التواصل الاجتماعي بين اشكاليات الدور وآليات المواجهة. وشارك فيه عدد كبير من الاساتذة وكبار المتخصصين, وأفرد موضوعات مستقلة للعديد من الظواهر المرتبطة بشبكات التواصل الاجتماعي وإفرازاتها وادوراها المتعددة.