نحلم بالأفضل دومًا، نبتكر أساليب جديدة تمكنا من العيش في واقع نتمناه، وإن كان افتراضيًا، فمع انطلاق الألفية الثانية ابتعدنا عن الواقع الحسي، محبذين العيش خلف شاشات الحاسوبات؛ حيث العالم الافتراضي، ذلك العالم الذي وجد فيه الكثير -لاسيما الشباب- أنفسهم، وبدأوا تدريجيًا التعرف على عالم غير مأهول وحياة جديدة مالبثت كثيرا حتى احتلتها أزمات الواقع. بحسب الأبحاث الصادرة مؤخرًا عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن مواقع التواصل الاجتماعي، تمثل خطرًا على معتقدات الشباب وهويتهم، إذ أشارت هذه الأبحاث إلى خطورة انتشار صفحات إلكترونية، تدشن لأفكار تكفيرية وممارسات غير أخلاقية، والدولة بعيدة عن التصدي لهذه الأفكار بأخرى تنافيها، ومن هنا بدأ يظهر مفهوم «الإرهاب الإلكتروني». «نشاطًا أو هجومًا متعمدًا ذا دوافع سياسية، بغرض التأثير على القرارات الحكومية أو الرأي العام، باستخدام الفضاء الإلكتروني بوصفه عاملًا مساعدًا ووسيطًا في عملية تنفيذ العمل الإرهابي أو الحربي، من خلال هجمات مباشرة بالقوة المسلحة على مقدرات البنية التحتية للمعلومات، أو من خلال ما يُعَدُّ تأثيرًا معنويًا ونفسيًا عبر التحريض على بثِّ الكراهية الدينية وحرب الأفكار، أو أن يتم في صورة رقمية عن طريق استخدام آليات الأسلحة الإلكترونية الجديدة، في معارك تدور رحاها في الفضاء الإلكتروني، والتي قد يقتصر تأثيرها على بعدها الرقمي أو قد تتعدى لإصابة أهداف مادية تتعلق بالبنية التحتية الحيوية". هكذا عرف الدكتور عادل عبد الصادق، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومدير المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني، ما يسمى ب«الإرهاب الإلكتروني»، مشيرًا إلى من أن أهم إشكاليات التعامل مع الشبكات الاجتماعية، ما يتعلق بكيفية الموازنة بين الحق في حرية التعبير والرأي، عبر صورة المتعددة التي يكفلها القانون ومواثيق حقوق الإنسان الدولية، وبين ما يمثل استخدامها من تهديد لأمن الأفراد والمجتمع بشكل عام، ويضاف إلى ذلك إشكالية الفصل بين الاستخدام الإيجابي للشبكات الاجتماعية، وبين دورها السلبي، إلى جانب مدى إمكانية التمييز بين التصرف الاحتجاجي السلمي، وبين تحوله إلى عمل إجرامي يعاقب علية القانون، لكن في النهاية تبقى مسألة تنظيم الحريات العامة والخاصة، من سمات الدول المتقدمة في الحريات التي يجب الحفاظ عليها بشكل متوازي، مع الموازنة بين الحقوق والواجبات، وحرية الفرد وأمن المجتمع. على الصعيد العربي، رأى مؤلف كتاب «الإرهاب الإلكتروني»، أن درجة تعامل الحكومات العربية مع شبكات التواصل الاجتماعي، قد اختلفت وفق طبيعة النظام السياسي وطرق توظيف تلك الشبكات في الصراع السياسي ما بين نظام الحكم والمعارضة، قائلًا: النظم المحافظة لعبت دورًا كبيرًا في المشاركة السياسية وبخاصة في دول الخليج العربية، إذ تلعب الشبكات الاجتماعية دورًا في دعم حرية التعبير والقيم الديموقرطية، إلا أنها قد أثارت مخاوف تتعلق بدورها السلبي على العلاقة بين المجتمع والدولة، ودور شبكات التواصل الاجتماعي في تنامي التهديدات للأمن القومي، وهو الأمر الذي دفع الدولة المصرية إلى تبني عدة مسارات للتعامل مع تلك القضية على المستوى الثقافي والأمني والاقتصادي والتقني والتشريعي. فعلى المستوى السياسي اتجهت العديد من مؤسسات الدولة إلى إنشاء حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، أو الاهتمام بتعيين مستشاريين إعلامين ومتحدثين رسميين، في محاولة إلى الاقتراب من التكتل والحشد ومجالات التاثير، وتشجيع الشباب للانخراط في الحياة السياسية، ومن جهة أخرى قامت الدولة بتحديث سياساتها السيبرانية لتأخذ في اعتبارها البعد الإلكتروني في عملية صنع القرارت. وهنا يجدر بنا قول أن الجماعات المتطرفة استغلت مزايا الشبكات الاجتماعية، كعنصر حيوي لدعم وتحقيق أهدافها، وكمنفذ لوجستي داعم وحاضن للنشاط الإعلامي لها في مناطق مختلفة من العالم، ليشكل مجتمعًا افتراضيًا يتحول من مجموعة قليلة من الناس متوزعة جغرافيا لتشكل مجتمعا خاصًا بها، يساعدها على الالتحام والتواصل الدائم، الأمر الذي يوهم البعض بأن هذا المجتمع غير محدد الأبعاد الكمية، وهو ما كان له دور كبير في تضخيم الصورة الذهنية لقوة وحجم تلك المجموعات، وذلك من خلال دورها عبر ثلاثة مراحل هامة. يوضح «صادق» أن الأولى تتعلق بمرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة والنعرة والغيرة الدينية، بحجة الدفاع عن القيم المقدسة ويتم استخدام نصوص دينية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أما المرحلة الثانية، تتعلق بدور الشبكات الاجتماعية في نقل المعلومات والبيانات التي تعبر فقط عن وجهة النظر للجماعات الجهادية، وهو ما يؤثر في مرحلة لاحقة في تكوين وتشكيل الرأي لدى الشباب المستخدم، والتي تمهد له في اعتناق أفكارها المتطرفة، وتأتي المرحلة الثالثة والتي هي أخطر المراحل وتتعلق بالانتقال من مرحلة التأثير في الأفكار إلى المشاركة الفعلية والإيجابية من جانبهم في التغيير بالقوة والعنف وهو ما يظهر في التغيير السلوكي. رغم كل هذا تبقي أهمية دور الدولة، في العمل على مواجهة الأسباب الدافعة إلى لجوء الشباب للاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية، مثل العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر، وهي تربة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة والجريمة داخل المجتمع، لكن أيضًا على الرغم من أهمية المواجهة الأمنية للاستخدام السيء لشبكات التواصل الاجتماعي، إلا أنها لم تعد كافية بل تحتاج إلى استراتيجية شاملة يدخل بها كافة الأبعاد الأخرى، ذات المنحى الأخلاقي، العلمي، الاجتماعي، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي والقانوني.