تمر السنوات وتزدهر العلوم وتتبوأ أماكن جديدة ويشار إليها بالبنان وتبقي المهن الممزوجة بإخلاص الوارث والحكمة جيلا بعد جيل شاهدة ومشاركة في نجاح العلوم الحديثة إن لم تنافسها في بعض الأحيان لما لها من تأثير ملموس علي صحة وراحة أهالينا وناسنا بالقري والنجوع والمدن ومنها.. المجبراتي.. وهي المهنة التي قد لا يعرفها الكثير في وقتنا الحاضر بينما كانت تحظي بسمعة كبيرة وثقة واحترام أجدادنا الذين يقصدونه لعلاجهم في حالة تعرضهم لخلع العظام أو الجزع حيث يقوم بمهارة فائقة اكتسبها ممن سبقوه في إرجاع العظم لمكانه وتثبيته بعود من الخشب ورد الجزع ويكتفي بالقليل من المال نظير عمله. وفي قرية نجع حمد بمركز طهطا بمحافظة سوهاج يوجد بيت ريفي بسيط شهير يقصده الكبير والصغير ويسأل عنه القادمون من خارج المحافظة.. إنه بيت عم رمزي المجبراتي ذلك الرجل الذي تخطي العقد السادس من عمره وما زال محافظا علي مهنة المجبراتي التي ورثها عن أبيه وجده بل واستطاع أن يحبب أبنائه الأربعة فيها حتي لا تندثر كغيرها من المهن التي هجرها أصحابها كما ذاع صيته بين ربوع قري ومدينة طما وخصص يوم الأربعاء من كل أسبوع لعلاج الحالات الراغبة في عمل الجبيرة ورد الجزع وغيرها من الحالات. قال عم رمزي63 سنة: تركت الدراسة وأنا في الصف الثالث الابتدائي لكي أساعد أبي في عمله وأحببت مهنة المجبراتي كثيرا التي ورثها أبي عن جدي حيث كان محل تقدير واحترام الناس لأنه يخفف آلامهم ولا يكلفهم إلا القليل من المال ويكون فرحا طوال ساعاته بدعاء الناس له والأمهات والجدات لإتمام الشفاء علي يديه وكنت حريصا علي تعلم كافة أسرار مهنة المجبراتي حتي أتقنتها في سن مبكرة وأصبحت مجبراتي القرية عقب وفاة والدي. وقال إن المجبراتي لا يهدف إلي جني المال فسعادته تكمن في تخفيف المعاناة عن المرضي وأشار إلي أن أول أجر تقاضاه كان ثلاثة قروش وأنه يحرص علي علاج أهل القرية بالمجان- مسلمين وأقباط- حتي أطلقوا عليه لقب طبيب الفقراء وأنه ليس له قائمة أسعار محددة ويكتفي بما يمنحه له أهل المريض وهي في الغالب مبالغ رمزية. وعن نوعية الحالات التي يقوم بعلاجها يقول: أقوم بعمل الجبيرة وإرجاع العظم لمكانه وتثبيته بعود من الخشب ورد الجزع وهناك بعض الحالات تحتاج إلي تدخل طبي فأرفض القيام بها كحالات الكسور والفقرات حرصا علي سلامة المريض. وعن علاقاته بأطباء العظام يقول عم رمزي: هناك بعض الأطباء لا يعترفون بمهنتي ويتهمونني بأني غير متخصص بينما هناك بعض الأطباء ينصحون مرضاهم بالمجيء إلي للقيام بعمل الجبيرة لهم.. وأقول أن هذه نعم الله علي ويكفيني دعوات أهلنا وناسنا.. والحمد لله. وحرص عم رمزي علي تعليم أولاده الذكور مهنته المجبراتي حيث يقول لدي أربعة أبناء ذكور هم وحيد وميلاد ورامي وسمير ثلاثة منهم يعملون في نفس المهنة عقب حصولهم علي الدبلوم أما ابني الأصغر سمير فهو في الصف الأول الثانوي ويرغب في دخول كلية الطب ليكون طبيب عظام ويجمع بين مهارة المجبراتي وعلم الطبيب ولذلك أتوقع أن يكون طبيبا ناجحا. يقول يونس لطفي- أحد الأهالي اصطحبت ابني الصغير إلي مكان عم رمزي لعمل جبيرة له حيث يعاني من خلع في ركبته وهو رجل مشهود له بالكفاءة في مهنته ويغنينا عن الذهاب لطبيب العظام الذي يكلفنا الكثير من المال نظير عمل الأشعات والأدوية وغيرها بينما يقوم عم رمزي بنفس عمل الطبيب نظير مبلغ زهيد.