نأتي بهذا المقال لنهاية المجموعة الأولي في تأصيل الأخلاق التي إستعرضنا فيها بتصرف وعلي مدي خمس مقالات نصائح حكماء الفراعنة الأجداد بعد قراءتها بمنظور معاصر , لندرك أن جوهر الأخلاق ثابت برسوخ القيم الإنسانية مهما تغيرت الأزمان, واليوم نطوف معا في بعض هذه المباديء التي مثلت ولا تزال دستور حياة, لندرك أن تراجع القيم هو أول مسمار في نعش انهيار أي مجتمع عبر التاريخ, كما أن متفرقات اليوم تمثل محاولة لإلقاء الضوء علي بعض العموميات في منظومة القيم بعدما ركزنا من قبل علي التخصيص في الأمور الشخصية والرسمية, ولعل أول ما يستلفت النظر النصيحة القائلة: لا تبث الرعب بين الناس وإلا عاقبك الإله, وحرمت من الخبز( أي النعمة), ولا تسمح لإنتشار الخوف بين الناس.. وإعمل علي أن يعيشوا في سلام.. فمشيئة الله هي الأولي بالوجود.. وسبحان الله, فكأن الحكيم بنا اليوم وقد ألهب الإرهاب القميء ظهورنا وعكر حياتنا, سواء كان لأسباب( التأدين) والدين منها براء, أم كان غير منظور بما يعرف بالإرهاب الفكري والنفسي, إنها معالم تركتها لنا حضارة إهتمت بالإنسان فرفعها الإنسان حيث الخلود الأبدي. ومن ذلك أيضا نقرأ عن فضيلة التواضع:.. لا تكن متعجرفا مغترا بعلمك, وخاطب الجاهل بالأسلوب نفسه مع العارف, فالإنسان لا يبلغ منتهي العلم في أي فن أو حرفة.. والكلمة السديدة قد تكون خفية أكثر من الجوهرة, وقد تجدها لدي من هم دونك.. ولا تباهي بنقد قمت به... واقصد في مشيتك بين الرؤساء حتي لا تكون مكروها, ولا تنبس بكلمة حال إختلافهم لتحظي بالرضامنهم.. ولا ترفع صوتك في بيت الإله,بل إجعل صلاتك ودعاءك خفيا.. كي ينصت لك الإله وتظل لديه مقبولا. وهكذا نلمس قيمة خطاب الناس بما يقربنا منهم, وبالفعل فالود كما قيل شيء هين; وجه طلق وكلام لين. ولقد كان للصداقة الحقة وقيمتها مكان لدي المصري القديم, إذ ينصح ابنه بالقول: أسعد قلوب أصدقائك كي يثني الإله عليك, ولو قصرت في حقهم ستوصم بالأنانية.. وأعلم أن أول من سيرحب بما يمكن أن يأتيك من فرص طيبة هم أصدقاؤك.. وإذا ما صادفتك المشكلات الخاصة أو القلاقل الأسرية فيمكنك اللجوء إلي الأصدقاء.. وإذا ما أردت إختبار طباع صديق جديد.. إقترب منه وحادثه وإلتزم الصمت إذا أثارت أفعاله إستياءك وإبق علي وده.. ولا تصرفه أو تجافيه.. فلربما لم يحن زمنه بعد.. إنه تلخيص مبدع لقيمة الصداقة, بعكس الشائع بيننا الآن عندما إبتذلت الصداقة بوصف أية علاقة مهما بلغت سطحيتها. مما أشاع جوا من النفاق إنعكس بالسلب علي مفهوم الكلمة التي لا يزال يستمسك أولاد البلد بالوصف الخاص بهم والمعبر علي بساطته صاحب صاحبه. أما عن العلاقة بالإله فتظل ذروة سنام الحكمة, إذ يقول الحكيم: قدم القربان للإله وتجنب غضبته واسهر لأجل مرضاته.. فهو نور السماء المتجلي في شتي الصور علي الأرض.. واحتفل بعيده وكرر ذلك في موعده, فإن الإله ليغضب إذا أعرض عنه الناس.. وسجل اسمك بقربانك.. كي يعظمه الإله وتصبح مرضيا عنك. ولعل الوصية ببناء المقبرة( بيت الأبدية) تمثل بعدا آخر لهذه العلاقة في أمة الخلود, وهي عادات في الحياة والموت ظلت في وجداننا حتي بعدما أصبحت أكثر شكلا وأقل مضمونا.. ( إشراقات السعدي130): متي يدركم إن انتهت صلاحيتهم أن حياتنا لم تعد تحتمل مزيدا من العطن.