وتغمض عينيك وتتخيل ان الأرجوحة تصعد بك إلي عنان السماء وتفتحها فلا تجدها تعدو أكثر من بضعة امتار تفصلك عن الأرض تأخذك وترتفع بك بعض الوقت عن أرض موحلة وربما تحقق لك المتعة والاثارة.. ولكنها بعد وقت قصير تتوقف لتنزل منها مخلفة لك بعض الدوار و زغللة بالرؤية واحيانا حالة عدم اتزان, ويبدو أن ثورات مصر العديدة والمتعددة لا تختلف كثيرا عن هذه الارجوحات فارتفاعها دوما محدد بأعمدة مثبتة في هيكل لا يمكنها الفكاك منه وهي تأخذ دورتها وفقا لقوة دفعها ثم تهدأ تدريجيا حتي تتوقف وتهبط منها لتعاود السير علي قدميك وأنت تنظر حولك وتتساءل هل حقيقة ان الاميرة انجي تزوجت من علي ابن الجنايني واختلط ماء الذهب بطين الأرض وانبتت شجرة المساواة أم كان هذا أحد شطحات المرجيحة الثورية في ارتفاعها الشاهق حتي لاندري كم من السنوات مضت ونحن نتخيل كيف احتضنت هذه الثورة الانجي البيضاء سمار علي ابن الفلاح واصبح ضابطا في جيش مصر, ولكن سرعان ماتمر تلك السنوات حتي تهبط بك ارجوحة الاميرة انجي وعلي متنها وجه آخر لخيرية سليلة العائلة المرموقة ماديا واجتماعيا في محاولة جادة للتجمل واستشراف روح انجي, وأنها صاحبة فكر تقدمي وتقرر الارتباط بإبراهيم ابن التربي والهبوط إلي قاع المجتمع الذي تتعثر في درجاته التي تآكلت من الإهمال والجهل فتقرر الانفصال عن إبراهيم الذي يكذب ويصدق نفسه انه يمكن ان يصبح فارسا وهو يركب الحمار. جميعا نكذب و نتجمل بكل المساحيق التي يمكن أن تحول بيننا وبين وجهنا الاصلي حتي نجد صعوبة في التعرف علي أنفسنا أوعلي الآخرين ورغم مرور عشرات السنين فما اشبه الليلة بالبارحة يتكرر علي ابن الجنايني وإبراهيم ابن التربي مع الأولي ابنة البواب ويتصدر المواقع الاجتماعية السؤال بدون جواب هل يمكن لابنة البواب أن تعمل في سلك القضاء ؟ هل تستجيب لدعوات منح الجامعات الخاصة والعياذ بالله وتترك مقعدها في المدرج المصري الحلال ؟ ونظل ندور في هذا الفراغ وهذه الرسائل التي في ظاهرها رحمة وباطنها العذاب فهذا الاحتفاء بأوائل الثانوية العامة يحمل نوعا من المغالاة ويعلن دون مواربة ان اصحاب المرحلة الاولي هم ابطال مصر ويتضاءل الي جانبهم ويهمش باقي الناجحين الذين لا يستحقون الالتفات والاهتمام لان أحدا منهم لن يصبح طبيبا أو مهندسا!! الواقع أنه كل عام يزداد عدد الجامعات الخاصة لتستوعب الآلاف الذين لم يجدوا في مدينتنا الفاضلة مكانا فيها إلا لأصحاب الشهادات أما أرباب المعاهد الفنية والمهنية التي لا يري فيها الإعلام ولا المجتمع مايستحق الاشادة به او التنويه عنه فهو متعلم فرز ثالث لا يحمل شهادة وجاهة اجتماعية حتي لو ظل طوال عمره يجلس بها علي المقاهي ينتظر فرج الله. ونكذب ونتجمل أمام الكاميرات ونعلن كامل احترامنا لكل التعليم الفني ولكل الفئات فكيف وأين تاهت أهم أهداف ثورة32 يوليو الثورة المفصلية في تاريخ مصر بعد بلوغها خمس وستين عاما كانت كافية وكفيلة بأن نجني ثمار أشجارها التي زرعها جمال عبد الناصر ولم تجد من يرويها لنهضة صناعية وزراعية بعمال وفلاحين وخلق طبقة متوسطة تحفظ للمجتمع توازنه لن نفقد الامل في غد افضل ولناظره قريب, احتفالنا بالثورة ليس حفل تأبين ولو كانت مبادئ32 يوليو علي مازالت علي قيد الحياة فلقد نادتها ثورة يناير لتعود بعد سنوات التيه.