لم تكن مريم متمردة علي واقع ليس لها يد فيه فقد جاءت إلي الدنيا وفق أقدار كتبت عليها أن تتجرع مرارة الفقر المدقع و لكن بصيصا من أمل أضاء لها الطريق الذي تحتم عليها أن تمشي فيه باقتدار تمثل في رجل كان مثالا للأب الواعي قدر المسئولية التي ألقيت علي عاتقه فهو رغم ضيق الحال والرزق الشحيح و كثرة العيال يعمل ليل نهار حارسا لبوابة أحد العقارات و يسعي لتلبية طلب هذا أو ذاك وفي آخر النهار يسد أود أولاده من طعام و يلبي لهم احتياجاتهم من مصروفات الدراسة, كان يعرف أن تعليم الأولاد هو طوق النجاة لهم من لجة الفقر وحتي لا يلقوا مصيره من الفاقة ومن بين أولاده مريم التي كانت واعدة منذ نعومة أظافرها, وقف خلفها سندا وداعما رغم قلة حيلته يوفر لها المناخ المتيسر من الهدوء والسكينة كي تستذكر دروسها, يعيشون في حجرة واحدة ولكنها أشبه بالقصر البراح بالأمل يملأ صدورهم أن يأتي غد أفضل! وبفطرتها كانت مريم تعي ظروف والدها جيدا تجتهد و تعمل عقلها المتقد وتحقق في دراستها التفوق المستحيل في كل مراحلها الدراسية حتي وصلت إلي مرحلة هي الفصل في حياتها كان عليها أن تحفر في الصخر بأظافرها الناعمة المثابرة حتي تتجاوز عقبة الثانوية العامة, خاضت المعركة بكل قوة وتحولت الحجرة التي تعيش فيها إلي ما يشبه الثكنة العسكرية, توقف الزمن عن كل شيء إلا منها الجميع مسخر لخدمتها الأب والأم والأشقاء كلهم يعقدون الأمل عليها فهي رهانهم الوحيد مع الدنيا وجاءت اللحظة الحاسمة تتوج شقاء السنين وتقشع ظلمة الفقر والكبد بإعلان نتيجة الثانوية العامة, القلوب توقف النبض فيها وجلا وترقبا, بقي من الزمن يوم يستبين فيه الطريق إلا أن تليفونا من وزارة التربية والتعليم حسم الموقف, لقد نجحت مريم و احتلت الصدارة علي نتيجة الثانوية العامة كلها علي مستوي الجمهورية. وقع الخبر عليهم وكأنه الحلم الذي طال انتظاره خيالا وأملا وبات حقيقة واقعة, الدنيا تبدلت وأشرق نهار جديد وبعد أن كانت مريم فتاة مجهولة لا يدر بها أحد باتت تلاحقها الصحف و الفضائيات ولم لا وهي الأولي في الكفاح والأمل والنجاح. قالت مريم لكل الفضائيات و مندوبي الصحف إنها تعيش في غرفة واحدة مع أسرتها كأنها قصر, ووالدي بواب وأفتخر به وسط زملائي وأسرتي شجعتني, بابا وماما كانوا بيعملوا عليا ورديات رغم أن والدها ووالدتها غير متعلمين, لكن تفكيرهما متحضر وقالت نحن فلاحو في الأصل وأفتخر ولم ألجأ لدروس خصوصية كنت أذاكر في محل مغلق حتي الساعات الأولي من الصباح يوميا. لم تخجل مريم من أصلها وفقر أسرتها افتخرت بهم و بهذا الأب الذي هو أساس نجاحها لتكون مريم هي النموذج المثالي للشباب الذي تحتاجه بلادنا في تحقيق خطوات جادة في تقدمها.