الصبر في البأساء, أي الصبر في الحرب وعند لقاء العدو والتحام الصفوف, فالصبر ثم شرط للنصر, والفرار كبيرة, وقد أثني الله تعالي علي الصابرين في ساعة القتال فقال في آية البر:(( والصابرين في البأساء)) أي الفقر(( والضراء)) أي المرض, وحين البأس,(( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)) ويوجبه علي عباده بقوله:(( ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون, وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا, إن الله مع الصابرين)). وعندما تضطرب أمور المعركة, وينفرط عقدها تكون الحاجة إلي الصبر أعظم وأشد كما حدث في أحد حين انكشف المسلمون وشاع أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قتل, انجفل فريق من المسلمين منهزمين, وصبر آخرون فنزل من القرآن إشادة بمن صبروا, وإنكار علي أولئك:(( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)) ثم لا يعذرهم في فرارهم وانهزامهم(( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل, أفإين مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم, ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا, وسيجزي الله الشاكرين)) إلي أن قال:(( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين)). وقد حدثنا عن الثلة المؤمنة مع طالوت عندما انتصرت لما اعتصمت بالصبر, وقد اختبر طالوت من معه بقوله:(( إن الله مبتليكم بنهر..))(( فصبر ثلة مؤمنة علي ترك الشرب من النهر إلا غرفة باليد))(( فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه, قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده, قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله, كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين, ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا: ربنا أفرغ علينا صبرا, وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين)), لقد سألوا الله حين اللقاء صبرا وأوعبوا, فقالوا(( أفرغ)), إذ هم بحاجة إلي صبر كثير, وكانت النتيجة(( فهزموهم بإذن الله, وقتل داود جالوت..)). الصبر في العلاقات الإنسانية: لا تستقيم الحياة مع الناس إلا بالصبر بدءا بأقرب من يعاشرك وهي الزوجة وانتهاء بأبعد الناس عنك, وقد قال الله تعالي مبينا ما ينبغي أن يتحلي به الزوج من صبر في مواجهة مشاكل الزوجية:(( وعاشروهن بالمعروف, فإن كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)), أي فاصبروا فعاقبة الصبر حميدة, ويوصي الله عباده بالصبر علي ما يلاقونه من الناس من ضر, وألا يقابلوا السيئة بمثلها فيقول:(( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة, ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم, وما يلقاها إلا الذين صبروا, وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)). ومما ينظم في هذا العقد صبر التلميذ علي التعلم والمعلم, وهذا ما حدثنا عنه في القرآن عندما ذهب موسي إلي الخضر ليعلمه مما علمه الله, قال له الخضر إما لأن الله أخبره بالحقيقة أو تهييجا علي الصبر- قال:(( إنك لن تستطيع معي صبرا, وكيف تصبر علي مالم تحط به خبرا)), فتعهد موسي بالصبر- قال:(( ستجدني إن شاء الله صابرا)) والحديث موصول.