إذا كنت من محبي كتابات الدكتور جلال أمين, فنحن نتحدث عن أبيه ومصدر معرفته الأول, وإذا كنت مهتما برجال القانون في مصر, فاليوم تمرذكري قاض كان للنزاهة عنوانا, وإذا كنت من الراصدين لتاريخ جامعة القاهرة في عصرها الذهبي, فإننا الآن امام عميد كلية اشلآداب, الذي رشحه طه حسين شخصيا للتدريس فيها دون حصوله علي الدكتوراه, وإذا كان كل ما يعنيك هو الإنجاز الفكري والثقافي فتعال ندلك علي مؤسس الرسالة والثقافة والمشرف علي لجنة التأليف والنشر والترجمة, باختصار فإن هذا المقال تحية للموسوعة أحمد أمين. وأحمد أمين هو اسمه منفردا, أما أبوه فهو الأزهري الشيخ إبراهيم الطباخ, وأمين مواليد أكتوبر1886, ومفتاح شخصيته تجده عند عميد الأدب العربي الذي قال عنه: انه يريد تغيير العالم ولأن هؤلاء الساعين للتغيير يتميزون بعدم التكيف الاجتماعي فقد كان أمين خجولا عديم الأصدقاء, أو يكاد وفي كل مرة كان يسهم في تغيير التاريخ, كان يقبل عليها بحماس, حتي يصطدم بالواقع, فينصرف إلي مشروع أكبر يقبل عليه بحماس وهكذا. التحق بمدرسة القضاء الشرعي1907, هنا علينا ان نفتح قوسا لنشير إلي أن هذه المدرسة انشأها محمد عبده ابو الفكر المصري الحديث, ولذا فإنها كانت مدرسة لا تقتصر علي تعليم القانون, وإنما كانت منفتحة علي جميع الدراسات الإنسانية في وقتها. عمل أمين قاضيا في الواحات( قبل ان تصبح الوادي الجديد) وتركها بعد4 سنوات, ليعمل بالجامعة, ثم يصل إلي درجة العميد1939, ويتركها بعد عامين قائلا: أنا أكبر من عميد وأقل من استاذ, وهي جملة بديعة تجعل العلم فوق المناصب, وفي1945 يؤسس لجنة التأليف والنشر والترجمة التي قدمت خلال تسع سنوات( حتي وفاته) عددا اسطوريا من عيون الكتب المترجمة وكتب التراث, ولم تكن هذه اللجنة هي أولي محاولاته لتأسيس جهة معنية بنشر الفكر والثقافة والإبداع في البلاد, ولكنها كانت الأهم والأنجح والأبقي. واللافت في مسيرة أمين( ويمتد إلي مسيرة ابنه جلال) هو علاقته المركبة بالغرب, فقد كان الراحل منجذبا إلي الثقافة الغربية, حريصا علي الاتصال بها في كل مستويات الاتصال, حاول تعلم الفرنسية وفشل, فتعلم الإنجليزية من خلال سيدة كان يعلمها العربية وتعلمه الانجليزية, غير أنها اصيبت بلوثة عقلية فتركت مصر إلي أوروبا, ليتعرف علي أسرة كاملة يلعب معها الدور نفسه, حتي أجاد الإنجليزية. ورغم اتصاله الشخصي المتعمق بالثقافة الغربية, فإنه يقاوم ان تحتل هذه الثقافة عقولنا كمصريين فلكي يتصل الشرق بالغرب, يجب أن يبقي الشرق شرقا, والغرب غربا. في أواخر حياة أحمد أمين مؤلف فجر الإسلام وضحي الإسلام وظهر الإسلام وحياتي وفيض الخاطر وغيرها تعرض أمين للعديد من الأمراض, لكنه ظل يكتب حتي آخر يوم في حياته30 مايو1945 وربنا يرحم الجميع.