عبد الرحمن بن جلال الدين السيوطي من العلماء العاملين الصادقين, وكنيته أبو الفضل ونسبه يتصل بالشيخ همام الدين الهمام الذي جمع في حياته الدينية بين مشيخة علماء الظاهر وإقامة أهل الباطن ونسبه يتصل إلي ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي. ولد العلامة السيوطي في بيت عرف بالعلم والأدب وسمو المكانة وعلو المنزلة, وكان أبوه من أعلام فقهاء الشافعية ومن شيوخهم المقدمين. وقد ولي في مستهل حياته منصب القضاء في أسيوط وأعمالها ثم انتقل إلي مصر والقاهرة حث أسند إليه منصب الإفتاء علي مذهب الإمام الشافعي. ولد السيوطي عام838 ه, وقد عاش جلال الدين السيوطي في عصر صراع السلاطين المماليك علي السلطة وعاصر في عمره ثلاثة عشر سلطانا وخمسة خلفاء, خلال عمره الذي لم يتعد62 سنة, والسر في كثرة السلاطين العددية, هي كثرة انقضاض أمراء الممالك البرجية علي السلاطين وخلعهم إياهم مع قتل السلطان حينا وسجنة حينا آخر. وقد ذكر ابن إياس في بدائع الزهور في وقائع الزهور أن بعض السلاطين قد قتل ولم يمض علي توليته السلطة شهران, وأن بعضهم لم يقم أكثر من ثلاثة أشهر. وهذا يدل علي أن الحياة السياسية في عهد السيوطي كانت تتسم بالضعف والاضطراب, وقد أصاب الناس ضيق في العيش بارتفاع في الأسعار, غير أنه لم تحدث مجاعات عامة وإنما كان هناك فقط فقر وإقلال. ويقول المؤرخون لحياة السيوطي إنه شهد مع أبيه مجلس شهاب الدين أحمد بن علي الشهير بابن حجر العسقلاني وهو لا يزال ابن عامين أو ثلاثة. وهذا ليس غريبا أو عجيبا إذا ما قيس علي السيوطي, ذلك أن حياته العلمية والفكرية تزخر في مجملها بمختلف ألوان العبقريات وتشتمل في شتي جوانبها علي كثير من فوارق العادات. وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر, وكان قد وصل في حفظ القرآن الكريم حتي سورة التحريم, وكفله بعد أبيه العامة كمال الدين بن همام الحنفي, صاحب فتح القدير وحفظ القرآن وهو دون الثمانية. وأظهر السيوطي في عهد الطلب والتلمذة نباهة ونجابة وفرط ذكاء كبير وسرعة بديهة وقوة حافظة, وعرف بشدة الحرص علي استظهار مختلف العلوم الدينية واللغوية وسماع الحديث من أشهر الرجال وأعلم النساء في مختلف الأمصار وشتي الأقطار. وعمل بالتدريس فكان خير مؤدبي عصره, وأفضل مدرس مصره, إذ اشتهر بالبراعة في الشرح والروعة في الإملاء, ومن ثم فقد شدت إليه الرحال وأمه الطلاب من كل مكان.. ولما تولي شئون الإفتاء والقضاء كان شجاعا في الحق فلم يجامل أميرا ولا وزيرا.. وكان يحرص كل الحرص علي إقامة الحدود الشرعية وتنفيذ أحكام الدين وإن أغضب ذلك الأمراء أو السلاطين. وعندما دخل السيوطي مرحلة التأليف, فقد ألف كتبا كثيرة, وقيل إن مصنفاته بلغت أربعمائة وستين مصنفا, وقال عن نفسه: رزقني الله تعالي التبحر في سبعة علوم هي: التفسير والفقه والحديث والنحو والمعاني والبيان والبديع علي طريقة أهل الفلسفات. ولما بلغ سن الأربعين أخذ في التجرد والعبادة والانقطاع إلي الله, والإعراض علي الدنيا وأهلها, حتي كأنه لم يعرف أحدا منهم, وشرح في تحرير مؤلفاته, وترك الإفتاء والتدريس, وله كتاب في الدفاع عن ابن عربي سماه تنبيه الغبي في تبرئة ابن العربي. ومؤلفاته في دار الكتب بالقاهرة تعدت المائة كتاب ومؤلف ورسالة, وأما المخطوطات فهي الجانب الأكبر من كتبه وهي موزعة بين مكتبات العالم. وأما جهود السيوطي الحديث فهي عظيمة ولا يمكن حصرها, فهو لم يقتصر علي الحديث ومصره وجمعه وتبيان أسانيده, ومعرفة طريقه بل جاوز ذلك إلي علم مصطلح الحديث والجرح والتعديل ومعرفة أحوال الرواة وأخبار الرجال. وكان للعلامة جلال الدين السيوطي موقفا من المذاهب الفقهية والاتجاهات وأنه كان يقتضي في تصوفه طريقة السطوحيين أي أنه كان أحد أتباع السيد أحمد البدوي رضي الله عنه. وألف السيوطي في التصوف وعلم الباطن وفي الشريعة وعلم الظاهر كتبا قيمة, ومما ألفه في التصوف كتابه المعروف باسم تأييد الحقيقة العلمية وتشييد الطريقة الشاذلية.. وكان السيوطي فقيها صوفيا جمع بين الشريعة والحقيقة علما وعملا وتأليفا وتصنيفا.