رغم أن فرصة فوز مانويل ماكرون كبيرة في المرحلة الأخيرة لانتخابات الرئاسة الفرنسية بعد10 أيام, إلا أن المفاجآت واردة, ولا يمكن الوثوق تماما في تأييد عدد من قادة الأحزاب, أو في استطلاعات الرأي, فسبق أن فعلها الرئيس الأمريكي ترامب, وفاز علي هيلاري كلينتون, رغم تفوقها الكبير في إستطلاعات الرأي, وتأييد قيادات من حزب ترامب الجمهوري, ولهذا تقاتل مارين لوبان لتحقق المفاجأة. حصل ماكرون علي تأييد الحزب الإشتراكي, سواء من الرئيس أولاند أو من مرشح الحزب بنوا هامون, وكذلك أعلن فرنسوا فيون مرشح الحزب الجمهوري تأييد ماكرون, إلا أن الحزب نفي اتخاذ مثل هذا القرار, وسيجري بحث الموقف من ماكرون علي ضوء اتصالات وتفاهمات مع ماكرون حول تشكيل حكومته وبرنامجها, بينما كان موقف المرشح اليساري جان لوك ميلانشون كاشفا لنوع المنافسة, التي رأي أنها بين مرشح الرأسمالية النيوليبرالية البشعة واليمين الفاشي العنصري, وكلاهما سييء ولا يمكن الإصطفاف إلي جانب أي منهما, وترك أمر التصويت في حزب فرنسا غير الخاضعة إلي أعضاء وجمهور الحزب, دون التقيد بموقف رسمي. يتحدث ماكرون وكأنه فاز بالفعل بمنصب الرئيس, ويتحدث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية, مضفيا جدية علي وعوده بإشراك أحزاب أخري في تشكيل الحكومة, والتي يصعب أن تضم سوي الحزبين القدامي الإشتراكي والجمهوري إلي جانب حركته الجديدة المسماة إلي الأمام, والتي لا ترقي إلي كونها حزبا له نفوذ وتأثير وبرنامج وتوجهات واضحة, فقد جاء ماكرون طارحا مزيجا من أفكار الحزبين العتيقين المتهالكين, وحظي بتأييد المؤسسات الرأسمالية الكبري لكونه بديلا مناسبا عن الحزبين اللذين فقدا بريقهما أمام الجمهور الفرنسي, والذي يبدو أنه فقد الثقة بهما, فلا الحزب الإشتراكي متمسك باشتراكيته, ولا الحزب الجمهوري قادر علي تقديم تصور مقنع ينقذ الرأسمالية الفرنسية من أزماتها, لكن رغم أن ماكرون لا يبتعد كثيرا عن نفس النخبة الحاكمة, إلا أنه تعبير علي أن مراكز الرأسمالية الفرنسية مازالت قادرة علي الحشد والتأثير, وشنت حملات تخويف من اختيار ميلانشون, الذي يقدم رؤية جديدة ترفض سياسات الرأسمالية الفرنسية, وتضع تصورا لفرنسا جديدة, كما أن مارين لوبان تراهن علي مشاعر التعصب القومي, والتي يمكن أن تتسبب في مشاكل يصعب أن تواجهها فرنسا. ومع أن لوبان لم تعثر علي شركاء يمكن أن تكسبهم في المعركة الأخيرة, إلا أنها أعلنت التخلي عن رئاسة حزبها الجبهة الوطنية لتكون رئيسة لكل الفرنسيين, مغازلة جمهور باقي الأحزاب التي فشلت في المرحلة الأولي من الانتخابات, وتستخدم شعار أمل وأمن, ملوحة بمخاطر الإرهاب والمهاجرين غير الشرعيين, ووصفت اصطفاف الحزب الإشتركي مع الجمهوريين إلي جانب ماكرون بأنها جبهة متعفنة وبالية. أما عن موقف كل من ماكرون ولوبان من قضايا المنطقة, فإن ماكرون لا يبدو أنه سيغير من موقف فرنسا الملتحق بالتحالف الأمريكي في سوريا والعراق, بينما تطرح لوبان المواجهة الجدية للجماعات الإرهابية, والتعاون مع روسيا وإيران والحكومة السورية, ويمكن أن تكون رؤيتها أفضل قليلا من ماكرون فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية, لكنها تتخذ مواقف أشد عنفا ضد المهاجرين المسلمين والعرب في فرنسا وأوروبا. هكذا يبدو أن الشعب الفرنسي الذي رفض الوجوه التقليدية في الانتخابات التمهيدية والجولة الأولي للانتخابات مازال غير قادر علي إحداث تغيير حقيقي, وأن المؤسسات الرأسمالية المأزومة مازالت ممسكة بمراكز النفوذ والتأثير, وكبح أي تغير كبير قد يؤثر علي مصالحها, لهذا كان ماكرون هو خيارها الأفضل, بتغيير في الشكل دون المساس بمضمون السياسات, خاصة أن مارين لوبان لا تطرح حلولا حقيقية لأزمة الرأسمالية الفرنسية, وأنها مجرد صوت شعبوي غاضب يحلم بالعودة إلي الإمبراطورية الفرنسية الغابرة, بينما الواقع لا يؤهل الرأسمالية الفرنسية بالحفاظ علي مواقعها, ولهذا ستبقي تابعة للسياسات الأمريكية, وستشاطرها أزماتها وربما بعض مغانمها أو تلقي نفس المصير, بدلا من القفز في الفراغ.