يتوجه الناخبون الفرنسيون إلي صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل, لتحديد اثنين من المرشحين الأربعة الرئيسيين لخوض الجولة الأخيرة من الانتخابات الفرنسية, التي توصف بأنها ستغير وجه فرنسا, في ظل تراجع مرشحي الحزبين الرئيسيين الإشتراكي والجمهوري, لصالح وجوه جديدة وبرامج مختلفة, حتي إن جريدة لوموند وصفتها بالأزمة السياسية غير المسبوقة منذ عام1952, وتخاض لأول مرة من دون القوتين الكبار. وشهدت أجواء الإنتخابات تقلبات حادة ومفاجآت عديدة, أطاحت بالوجوه التقليدية, ومازالت استطلاعات الرأي تحمل كل يوم أرقاما مغايرة, وتهبط بوجوه وتصعد بأخري, حتي بات المشهد ضبابيا, وإن كانت معظم التوقعات تشير إلي وجود كبار أربعة تتقارب حظوظهم, وفي مقدمتهم مارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية, وممثلة اليمين المتطرف, والتي أزعجت فرنسا وأوروبا والولاياتالمتحدة بآرائها الحادة, فهي تعادي العولمة والإتحاد الأوروبي وحلف الناتو, وتقول إن الوقت قد حان لهزيمة العولمة, واختفاء الإتحاد الأوروبي, فلم يعد العالم بحاجة إلي الغطرسة, لكنها تبشر بأوروبا جديدة, أوروبا الشعب, التي تراعي الأمم والشعوب وليس مصالح السوق. وموقف لوبان واضح تجاه القلق من المهاجرين, وموقفها أكثر صرامة تجاه الجماعات الإسلامية المتطرفة, التي تراها خطرا علي فرنسا, كما أنها من أشد منتقدي الرئيس الأمريكي ترامب, وحذرته من التورط في حرب علي سوريا, وذكرته بما حدث في العراق من دمار وخراب وهزيمة, وانتقدت توجيه الضربة الصاروخية التي وجهها إلي القاعدة الجوية في سوريا. وتعتمد مارين لوبان علي خطاب شعبوي يدور حول استعادة فرنسا لمكانتها, وعدم السير خلف الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي, والسمات الخاصة لفرنسا المهددة بالهجرة. وجاء صعود مانويل ماكرون المفاجئ ليربك المشهد السياسي في فرنسا, الذي لم يكن يحظي ترشحه كمستقل بكثير من الإهتمام, لكنه تقدم بسرعة ملفتة, ويوصف بأنه نموذج جديد لرجل السياسة, لا يصنف نفسه علي أي من الإتجاهات, وقليل الكلام أمام الكاميرات, له سجل أكاديمي متميز, وعمل بوظائف عليا, ومستشار إقتصادي للرئيس الراحل فرانسوا ميتران, ثم غادر إدارات الدولة ليعمل في مجال البنوك, ويعود مستشارا للرئيس هولاند, ثم وزيرا للاقتصاد, ليستقيل ويؤسس حركة إلي الأمام, ويقدم نفسه علي أساس مستقل, واستغل ذلك في طرح أفكار تلقي قبولا لدي الرأي العام, دون التقيد بحزب أو أيديولوجيا معينة, واستفاد من تراجع مرشح اليمين التقليدي فرانسوا فيون, ليتقدم صفوف المرشحين في الجولة الأولي, وإن كان خصومه يرونه انتهازيا, يحاول أن يقدم خليطا مرضيا لكل الأطراف, وبالفعل يحظي ماكرون بتأييد قادة الحزب الاشتراكي, الذين تخلوا عن مرشح الحزب, لتضاؤل فرص نجاحه, ويراهنو علي نجاح ماكرون, بوصفه نصف هزيمة ونصف انتصار, بدل الهزيمة الكاملة. أما المفاجأة المدوية فكانت الصعود السريع لليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون عن حزب فرنسا غير الخاضعة أو فرنسا الأبية, ويناطح كل من مارين لوبان وماكرون علي المركزين الأولين, ببرنامجه الصادم والمختلف, الذي استطاع أن يثير اهتمام وإعجاب قطاع كبير من الفرنسيين, ويركز حملته حول الاهتمام بالتعليم والصحة, باعتبارهما عنوان حملته الانتخابية ذات الطابع الإنساني, وإقرار حد أدني للأجور1700 يورو, ووضع حد أقصي, وخفض سن التقاعد إلي60 عاما, وعقود عمل محددة المدة, ووعد بوضع نظام حكم برلماني, وإنهاء النظام الرئاسي, ويرفض الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو ومع التحالف مع تجمع دول البريكس. ويخشي رجال الأعمال من صعود كل من مارين لوبان وميلانشون إلي الجولة الأخيرة من الإنتخابات, لأن كلا منهما يرفض الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والتحالف مع الولاياتالمتحدة, رغم أن لوبان تعبرعن اليمين المتطرف وميلانشون عن اليسار المتطرف, ويأملون في نجاح ماكرون. وقد تراجعت حظوظ كل من فرانسوا فيون, والذي أطاح في الإنتخابات الأولية بكل من آلان جوبيه ونيكولاي ساركوزي, لكن فضيحة حصول زوجته علي أموال نظير وظيفة وهمية قضي علي حظوظه العالية, لكنه مازال يكافح من أجل الطفو من جديد. أما المرشح اليساري بنوا هامون فلم يعترض طريقه تراجع شعبية الحزب الاشتركي فقط, بل تخلي قيادات الحزب عنه, ووصف هامون الحزب بأنه تخلي عن المبادئ, ويتوجه وفقا لاتجاهات الريح, وطالب بمعاقبة الساسة المتلونين, وأنه يراهن علي من يتمسكون بالمبادئ.