ثلاثة مجلدات تشمل كنوزا من( القصص الشعبي).. هذا أوجز تلخيص لعمل جديد عكف عليه طويلا الروائي خيري عبدالجواد, ولكنه رحل قبل ثلاث سنوات دون أن يراه. والقصص الشعبي يمثل تصور الجماعة الشعبية للتاريخ وأبطاله , وبصدور هذا العمل تكتمل دائرة إبداع خيري الذي وقع في غواية الأدب الشعبي وقدم عدة روايات ومجموعات قصصية بأسلوب يتمثل طريقة الحكي الشفاهي الذي بلغ قمته في( الف ليلة وليلة). و(القصص الشعبي) وهو مختارات خيري عبدالجواد في ثلاثة مجلدات تحت عناوين( القصص الأنبيائي) وهو خاص بالأنبياء وصحابة النبي محمد صلي الله عليه وسلم و(القصص الصوفي) ويشمل جانبا من حياة الإمام الحسين وحكاية ابنه زين العابدين مع الحجاج بن يوسف وقصص السيد أحمد البدوي وابراهيم الدسوقي ورابعة العدوية والحسين بن منصور الحلاج و( مغازي الإمام علي رضي الله عنه) ويشمل بطولاته وزهده ووصاياه وصدر العمل الموسوعي عن( منشورات الجمل) ببغداد وبيروت في1573 صفحة. واستعرض خيري في مقدمة الجزء الأول كيف جمع هذه المختارات من مكتبات كانت منتشرة في منطقة القاهرة الفاطمية بالقرب من أضرحة بعض الأولياء حيث كانت تطبع هذه النصوص في ملازم صغيرة وهي كتيبات مزينة برسوم شعبية ولكن تلك المكتبات اختفت ومعها كثير من تلك النصوص كما أن احدا لم يهتم بإعادة طباعتها أيضا لم يهتم الباحثون بجمع هذه النصوص وترتيبها ودراستها باعتبارها ركيكة لا ترقي لمستوي الدرس. وأضاف أن لهذا الإبداع العفوي سحرا خاصا فهو فضلا عن جمالياته الفنية يلخص فلسفة الجماعة الشعبية في الحياة من خلال نصوص كانت شفوية لفترات تاريخية طويلة وساعد علي انتشارها كثرة أعداد أضرحة الأولياء في المدن والقري المصرية وما يرتبط بها من أعياد شعبية قبل أن توثق النصوص وتطبع وإن ظلت تتطور علي ألسنة الرواة ولكن بعض المثقفين واجهوا هذا الإبداع بكثير من التجاهل والترفع. ورجح أن كثيرا من هذه النصوص كتب في العصر الفاطمي في مصر وتركز علي مآثر آل البيت من خلال احفاده الذين لجأوا إليها من ظلم الأمويين حتي إن مقتل الحسين كان مصدرا لروايات شعبية تروي إحداها أن رأسه جاء إلي مصر طائرا واستقر في مقامه الحالي في مسجده الشهير بالقاهرة وتروي قصة أخري أنه بعد استشهاده انتقم من قاتليه وأخذ بالثأر. ويتفاوت المستوي الفني من حكاية لأخري ففي الجزء الثاني جاءت قصة رابعة العدوية في13 صفحة عبارة عن أبيات من شعر العامية المصرية موجهة إلي جمهور من المستمعين إلي راو شعبي يبدأ حكايته قائلا.. ياحاضرين اسمعوا مني كلام غالي علي بنية شريفة وبمقام غالي. ثم يستعرض الراوي بطلة القصة منذ ولادتها في مدينة البصرة مرورا بموت والدها وتعرض الأسرة التي تضم أمها وأخواتها الثلاث لضائقة مالية جعلتها هامت علي وجهها بدري قابلها راجل م الظالمين إلي نهاية قصتها المعروفة والتي تنتهي بالشطر الثاني من البيت الأخير ماتت وكانت م الصالحين. ونعكس هذه القصص كيفية انتقام الجماعة الشعبية بالسخرية بنزع القداسة عن الموتي المغضوب عليهم كما في( قصة نور العين في مشهد الحسين) فبعد وفاة معاوية بن ابي سفيان أتي المعزون إلي ابنه يزيد ثم إنه خلع ثياب الأحزان ولبس ثياب الفرح والسرور وقعد علي كرسي مملكته وأدار كاسات الخمور. وفي مقدمة عنوانها( منهج هذا الكتاب) في المجلدات الثلاثة قال خيري إن يكن لي فضل في هذا الكتاب فهو في محاولة تجميع هذه النصوص وترتيبها في سياقاتها وإعدادها للنشر وذلك لإحساسي بأهميتها كمادة غنية للكتاب والباحثين علي السواء ولإحساسي بأن جزءا مهما وعبقريا من تراث هذه الأمة يوشك علي الضياع أملت أن أسهم في حفظه من عوادي الزمن.