مع مطلع هذا العام تزينت أرفف المكتبات بالعديد من المجموعات القصصية الصادرة عن دور نشر مختلفة،فى مشهد لم يرد منذ سنوات سواء من حيث جودة الإنتاج الأدبى المعروض من هذا اللون الفنى أو من حيث الكم المتنوع، وهو الأمر الذى يمكن به اختبار شعار «زمن الرواية» الذى بشّر باكتساح فن الرواية مقابل سائر ألوان الأدب الأخرى بما فى ذلك القصة القصيرة التى رفع رايتها أخيرا كُتاب حققت الرواية شهرتهم، وارتبطت أسماؤهم بما عرف بفن الكتابة الجديدة. تجربة هذا الجيل لم تكن هى فقط عنوان ارتفاع أسهم القصة القصيرة، ففى نهاية العام الماضى استقبل القراء بحفاوة «لم أعرف أن الطواويس تطير» وهى عنوان المجموعة القصصية الأخيرة للحائز على جائزة البوكر العربية بهاء طاهر ،وهى المجموعة التى عاد بها طاهر إلى القصة القصيرة بعد 11 عاما على صدور آخر مجموعته «بالأمس حلمت بك»، وفيها يتأمل طاهر ثمن الغربة وشبح الوحدة،وتضمنت هذه المجموعة ست قصص هى: «إنت اسمك إيه»، و«سكان القصر»، و«لم أعرف أن الطواويس تطير»، و«قطط لا تصلح»، و«كلاب مستوردة»، و«الجارة»، ثم قامت دار «الشروق» بالتزامن مع احتفاله بعيد ميلاده الخامس والسبعين بإعادة طبع أعماله القصصية الأربعة الأولى التى كتبها فى فترة مبكرة وهى «الخطوبة» (1972)، و«بالأمس حلمت بك» (1984)، و«أنا الملك جئت» (1985) و«ذهبت إلى شلال» (1998) وصدرت جميعها بأغلفة جديدة ورسوم داخلية للفنان وليد طاهر. لست مندهشًا كانت المتتالية القصصية للكاتب الكبير إبراهيم أصلان «حجرتان وصالة- متتالية منزلية»- دار الشروق- محط ترقب جمهوره، وبها قدم أصلان 28 قصة قصيرة، من بينها «الحارس»، و«الرجل الذى كسر الطبق»، و«صديق قديم»، و«بعد المغرب تقريبا»، و«آخر النهار»، و«عدس أصفر»، وغاص من خلالها الكاتب الكبير بأسلوب فريد فى عالم المواقف اليومية التى تبدو عادية داخل أى بيت، لكن لغته الناعمة الساخرة كانت تجعل القارئ يشعر أنه يقابلها لأول مرة، فى حديثه ل«الشروق» قال أصلان إنه لم يعتقد يوما أن لكتابة القصة القصيرة مواسم معينة، فلا يمكن التعامل معها بوصفها «محاصيل زراعية»، وإنه ليس مندهشا من انتعاش هذا الفن فى الفترة الأخيرة من خلال زيادة إنتاجها، لأنه دائما ما كان يتصور أن القصة هى الفن الأنسب لهذا العصر المتسارع، ومع ذلك فقد حدث العكس وأصبحت الرواية هى الأكثر شيوعا، وقال «لم أجد تفسيرا لذلك». عاد أصلان إلى فترة الستينيات التى قال إن القصة القصيرة تصدرت المشهد الأدبى بها آنذاك، واستطاعت عبر كُتابها الموهوبين أن تعبر بحساسية عن زمن بأكمله، وبعد ذلك انحدر المستوى للدرجة التى باتت فيها الصحف تقدم نماذج رديئة من القصة القصيرة الأمر الذى أدى للعزوف عن قراءتها خاصة أن أى فن ينمو بنمو قرائه، ولفت إلى أنه ليس كل روائى قادرا على كتابة القصة القصيرة، وأشاد فى هذا الصدد بالمجموعة القصصية لطارق إمام الأخيرة. خير من ألف ميعاد اللافت أن الأسماء التى قدمت القصة القصيرة هذا العام تعتبر من الأسماء التى سطعت بارتباطها بفن الرواية، التى قدمتهم إلى الوسط الأدبى رغم أن أغلبهم بدءوا مشروعهم الأدبى بكتابة القصة القصيرة، منهم طارق إمام الذى كان ينتظر الوسط الأدبى روايته الرابعة وفاجأ الجميع بمجموعة قصصية أطلق عليها «حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها» دار نهضة مصر ، وتضم هذه المجموعة 17 قصة قصيرة، وقال لنا: «ما يحدث فى الفترة الأخيرة من صدور أكثر من مجموعة قصصية بالتزامن جاء وليد المصادفة، فلا يوجد حافز استثنائى يدفع الكتاب لنشر مجموعات قصصية كظهور جائزة جديدة للقصة مثلا..لكن المصادفة أحيانا تكون «خير من ألف ميعاد» كما يقول المثل..فقد عادت القصة القصيرة للظهور بقوة وبدأت تحصل من جديد على مساحات إعلامية لائقة مرة أخرى.. وهو ما يثبت أنه لا يوجد انحياز مجانى للرواية على حساب القصة القصيرة كما يردد الكثيرون، لكن كل جنس أدبى يحصل على مكانته إذا وجدت نماذج جيدة منه تفرض نفسها ووجودها، وهو بصراحة ما افتقدناه خلال السنوات الماضية فيما عدا نماذج قليلة». وأضاف إمام أنه لا تحكمه فى النشر فكرة الجنس الأدبى، فعندما نشر ثلاث روايات متتالية(شريعة القطة، وهدوء القتلة، والأرملة تكتب الخطابات سرا) لم يكن يبحث عن شهرة كتابة الروايات، بقدر ما كان منهمكا فى التأسيس لمشروعه الروائى بعدما أسس بشكل ما مشروعه القصصى بمجموعتين مبكرتين (طيور جديدة لم يفسدها الهواء 1995، وشارع آخر لكائن 1997) فضلا عن أنه كان يحصل على قدر من الإشباع ككاتب قصة بنصوصه التى ينشرها على الدوام بالدوريات وكان يشعر طوال الوقت أن الوقت المناسب لم يحن لنشرها فى كتاب. أما الطاهر الشرقاوى ،الذى خطا أولى خطواته الأدبية بتقديم ثلاث مجموعات قصصية أولها «البنت التى تمشط شعرها»2001، ،فقد ارتبط اسمه بشكل أكبر بروايته «فانيليا» 2008، التى خلط فيها بين الواقع والخيال من خلال رحلة بنت صغيرة القدمين تسير حافية فى الطرق العامة حتى تشعر بالسعادة والحرية. قدم الطاهر هذا العام مجموعة قصصية عنوانها «عجائز قاعدون على الدكك» نهضة مصر وهى ترسم ملامح عالم خاص أبطاله كبار السن والعجزة بصنوفهم، وحسب حديث الطاهر ل «الشروق» فقد كتب هذه المجموعة على فترات زمنية متعددة سبقت «فانيليا» وتلتها، ما جعله فى حالة عمل من أجل جمع قصص لها حالة متجانسة، وعلَّق على اشتراك زملائه الروائيين فى تقديم «شحنة» من المجموعات القصصية هذا العام، معتبرا أن الأمر لا يمكن اعتباره اتفاقا ضمنيا بين هذا الجيل من أجل تقديم القصة القصيرة بالتناوب مع الرواية، وقال «لا يوجد اتفاق على هذا، ولكن معظم جيلنا بدأ بكتابة القصة القصيرة ثم قدم الرواية ونجح بها ،وما حدث أننا عدنا إلى القصة من جديد». إعادة اختراع الحياة «مجرد مصادفة» هكذا وصف الكاتب محمد الفخرانى، صاحب المجموعة القصصية الجديدة « قبل أن يعرف البحر اسمه» ميريت ارتفاع معدل الإنتاج القصصى مع مطلع هذا العام، وقال إن الرهان الأكبر لديه كان على الكتابة الجيدة والجديدة بغض النظر عن القالب الذى ستقدم من خلاله، وأضاف أن ما حمسه لتقديم مجموعته القصصية أخيرا هو فكرتها التى وجدها مختلفة وتدور فى فلك إعادة اختراع العالم والحياة، وقال إنه على الرغم من إعمال الخيال فى كتابة مجموعته إلا أنه كان يسعى إلى عدم الجنوح إلى كتابة «الفانتازيا»، ويُذكر أن الكاتب محمد الفخرانى أيضا ممن حققوا نجاحا ملحوظا فى الرواية، وذلك بروايته «فاصل للدهشة» 2009، إلا أن محطاته مع القصة القصيرة أيضا كانت موفقة خاصة بعد حصوله على جائزة دبى الثقافية فى فرع القصة القصيرة عن مجموعته «حياة»، وسبق أن قدّم كذلك مجموعة أخرى بعنوان «بنت ليل» عام 2002. يضم الإنتاج القصصى مزيدا من العناوين منها «كفيف فى ثلاثة أيام» لباسم شرف، و«بالضبط كان يشبه الصورة» لهدرا جرجس وغيرها.