لم ير في الكتابة الأدبية متسعا من الخيال وحسب ولكنه انتقل إلي واقع نعيشه بخيال مؤلف لينقل لنا بما يحمله من أساليب أدبية رائعة وطريقة للسرد يتفرد بها بين أبناء جيله, عدد من الكتب البحثية والنقدية والروايات التي يتطرق بخياله من خلالها إلي عوالم جديدة لم يتطرق لها العديد من الكتاب. فكان لأستاذ اللغة وتحليل الخطاب بأكاديمية الفنون الدكتور حمدي النورج عوالمه الخاصة التي نقلها للقاريء بروايات الزواية كف حبيبي وروح القمر وسكان جزيرة القرش والنوبي التائهة قضية شعب وثلاثة عشر كتابا نقديا في علم اللغة والسرد وأخري. وفي حواره معنا أكد أن روايته الأخيرة التي يغوص بها في عوالم النوبيين وحياتهم من وقت أنتقالهم إلي كوم أمبو للحياة علي ضفاف النيل ومدي قدرتهم علي التلاحم مع المصريين بشكل بسيط وسهل أن التاريخ المصري مازال به أماكن لم يتطرق لها الكتاب بعد وهو ما يعد تقصيرا واضحا في حق تاريخنا بشكل عام, كما تطرق أيضا إلي الرواية وعلاقتها بالفن مؤكدا أن الفرق كبير ما بين الكتابة الروائية والسيناريو وأن الروائي لا يجب أن يكتب وهو يضع عينيه علي السينما لأنه سيفشل. بداية حدثنا عن رواية النوبي السائح.. قضية شعب ؟ أتناول في أحداث الرواية التكوين الاجتماعي المصري وكيف يتأثر السكان ببعض وأتحدث عن قدرة المصري علي استيعاب أخيه المصري أيا كان تكوينه ودينه وجغرافيته وأتناول القضية النوبية باعتبارهم أقلية وكيف ذابوا في النسيج المصري, وأتحدث عن بعض النوبيين الذين فقدوا فكرة الاستقرار داخل الوطن وهاجروا إلي أوروبا وبعضهم بدأ يشكل ضغطا وبالنهاية انتصر لفكرة المواطنة والوطن ولفكرة حقوق الأقلية من أجل المصلحة العامة. تناولت المرأة بعناية في كتاباتك عن الأقليات كيف تراها ونحن في عام المرأة؟ المرأة رقم واحد في المعادلة, هي التي تربي وتنشيء جيلا كاملا علي فكرة المواطنة, فالمرأة المصرية إن كانت متعلمة أو لم تكن حتي قد حصلت علي قدر من التعليم فهي قادرة علي إنشاء جيل كامل من العظماء, ولدينا أمثلة كثيرة فمعظم المفكرين أمثال طة حسين والعقاد وغيرهم الكثير كانت أمهاتهم تجهل القراءة والكتابة ولكن بالفطرة تقدم لأبنائها ما يساعدهم علي التفوق, المرأة هي مصر, وتمثال مصر الشهير لم يكن حالة من الخيال ولكن مستوح من الواقع. غالبا يكتب عن النوبة أبناؤها وأنت أول من كتب عنهم لماذا ؟ كل من كتب عنهم كان يهتم بتراث الواقع النوبي القديم ولكن هذه الرواية تبدأ من ركوب أول أسرة نوبية علي الصندل بالنيل ووصولها إلي كوم أمبو ومن اسرة صغيرة أصبحوا مدينة كاملة. هذا النوع من الأدب يحتاج لبحث وتحر وتدقيق في كتاباته وقليل من الأدباء هم الذين يكتبونه لماذا اتجهت له؟ التجربة الإبداعية الروائية لدي بدأت برواية بسيطة عن الريف المصري ولكن تقديم الجديد والمفيد أكثر تكون رغبة أي كاتب خاصة وأن أغلب الروايات الموجود يميل إلي التسطيح والروايات الذاتية وهذا نوع له كتابه وقراؤه ايضا ولكن بالنهاية العمل الذي يبقي هو العمل التاريخي الجيد الذي يستطيع أن يخدم القراء بمعلومات دقيقة ولدينا أمثلة حاضرة وكثيرة مثل الزيني بركات لجمال الغيطاني, وأعمال نجيب محفوظ محمد جبريل, هناك الكثير من الأماكن المضيئة في تاريخنا المصري لم تفتح حتي الآن. ما هي هذه الأماكن؟ ما قبل الحملة الفرنسية وتجلياتها في القرن ال15 وال16 وال17 كلها أماكن لم تفتح حتي الآن وما وصل لنا بسيط جدا, صحيح الفترة الفرعونية زارها رواد كثيرون جدا ولكن أين الفترة القليوبية والمملوكية والطولانية وما قبل الدولة المملوكية عموما, كانت دولة عظيمة أثرت علي وجود الإسلام لعدد من القرون, هذه الأماكن تحتاج إلي جهد تاريخي وبحثي لنستطيع تقديم التاريخ مرة أخري. من من الكتاب تطرق؟ لدينا الكاتب محمد المنسي قنديل الذي تطرق لهذا النوع من الرويات فكتب رواية كتيبة سوداء عن الجيش المصري في أسرة محمد علي أيضا كتب فتحي إمبابي كتاب أسطورة الأثني عشر, لدينا رواد لهذه الكتابات..ولكن قليلون, لكنها بالنهاية تبقي حية ومرجعا روائيا وتاريخيا مهم. وماذا عن آخر كتاب الذي جاء بعنوان تحليل الخطاب تجلي النوع والإشكاليات؟ لكثرة الكتاب أصبحنا نواجه أشكالا عديدة من الكتابات حتي في طرق البناء والعناصر الخمسة ساد هناك كسر لهذه العناصر. الكتاب يلقي الضوء علي هذا ويتعرض لنظريات تحليل الخطاب وكيف يكون للخطاب دورا فاعل في التحليل الروائي والشعري. نلاحظ وجود فجوة ما بين النقد والإبداع, لماذا برأيك هذه الفجوة؟ النقد يأتي بعد الإبداع ودور الناقد هو إثقال دور المبدع وتقديم رؤية نقدية منضبطة تقنع المبدع وتضيء له بعض جوانب الضعف ولكن القضية أن النقد في مصر نوعان الأول الشائع المنتشر علي صفحات الجرائد وهؤلاء حركتهم النقدية أسرع بكثير عن النقاد الأكاديميين الذين لم تتح لهم نفس الفرصة والمنشغلين اساسا بتدريس النقد كإطار تنظيري وليس تطبيقي, ويؤخذ علي نقاد الصحف أنهم يقدمون قراءات سريعة مبتعدة عن سلوك النظرية ويأخذ علي الأكاديميين أنهم يتقعرون ويكتبون ما لا يفهم ولا يتفقون علي مصطلحات ثابتة وإلي الآن هناك إشكالية كبري في تقديم خطاب نقدي منضبط يصلح لأن يكون منبطا لإثقال عطاء المبدعين لماذا يضيق المبدعون ذرعا بالنقد؟ لا أعرف لماذا يضيقون وكأن الناقد يسلط سيفه علي ما يكتبون, عليهم بالكتابة وعلي الناقد بالتأويل, فلكل صناعة مفاتيحها. ما رأيك في ابداعات الشباب وهل الفيس بوك يعد أحد الوسائل التي يمكن أن يعرف من خلالها الأديب؟ الفيس بوك أتاح لنا أن نكتب في أي وقت وبأي صورة, وعندما يكتب الشاب إبداعه علي الفيس بوك يكتبه بطريقة سريعة, إذ تلح عليه الفكرة فيتعجل ويكتبها وهي لم تنضج في ذهنه بعد وهذا هو الفرق بين الكتابة السريعة والكتابة المنضبطة, فالكاتب الحقيقي عندما تأتيه الفكرة ينتظر لتنضج في عقله ثم يبحث بعدها عن القالب الجيد الذي توضع فيه. وهذه الحالة تؤدي إلي عدم نضوج التجربة وضياعها وضياع الوقت. مؤخرا عادت الدراما مرة أخري إلي أحضان الأدب برأيك ما سبب ابتعادها وعودتها؟ لابد وأن نفرق بين فن السيناريو ككتابة احترافية تضع نصب أعينها علي الصورة وكيف يستطيع السينارست نقل الحالة النفسية الخاصة بشخصياته, أما الروية فهي نوع أدبي مستقر ومتريث وثابت, والفرق بين الاثنين قد يستطيع أديب ما كتابة سيناريو ويستعين فيها بآليات الرواية ولكن الرواية مع طولها لا تترك شيئا للصدفة تعزف علي حركة الزمن والمكان وسلوك الشخصيات, ولن يستطيع كاتب السيناريو أن يكتب سيناريو فيلم كما يكتبه عن رواية منضبطة لأن الرواية تقدم له العمل مشرحا تشريحا كاملا, وهو ما عليه إلا أن يصوغ ذلك في قالب حواري والتجارب كلها تثبت أن كل الأعمال الجادة التي ترجمت علي الشاشة كان مرجوعها إلي عمل أدبي. الآن يكتب الروائي وعيناه علي السينما باعتبار أنها البوابة السحرية للشهرة كيف تري هؤلاء الكتاب؟ لو نظروا للخلف كان الأدب هو البوابة السحرية للشهرة, نجيب محفوظ ويحيي حقي وتوفيق الحكيم والعقاد وطة حسين ومحمد جبريل صنع الله إبراهيم لم يحققوا شهرتهم إلا من خلال الأدب وعلي كتاب الرواية أن يهتموا فقط بما حباهم الله من موهبة, والاشتغال علي النوع أو الجنس الأدبي الذي يحسنونه. هل تكتب وعينك علي السينما؟ لا أستطيع أن أنكر رغبة أي كاتب في ان تحول رواياته إلي السينما, ولكن لو نظر إلي ذلك وهو يكتب فلن يستطيع أن يكتب بشكل صحيح, لأن كتابة السيناريو تختلف عن كتابة الرواية, ولو فعل ذلك سوف يضيق خياله وهو يكتب, معروف أن عماد الرواية هو الخيال, بينما السيناريو يميل إلي تشريح الواقح وشرح ظواهر اجتماعية, ومن يفكر بلغة السيناريو وهو يكتب الرواية لن يستطيع أن يكتب جيدا.