صراع الانتهاك والتسلط يعيشه العقل العربي الآن بين محاولة الحفاظ علي إرثه الثقافي واتباع الموروثات لتقاليده وجذوره الأصيلة; الذي فطر عليها وتربي عبر العديد من الحقب والقرون; وبين الفكر المادي والرأسمالي الغربي الجديد وما سمي بمفهوم حوكمة العولمة; تلك التي تعمل في خلايا مجتمعاتنا العربية; منذ فترة طويلة علي كيفية تلاشي الحدود, وتفكيك العقل وتشتيته وتشككه, لإعادة هيكلته وتشكيله من جديد حسب رؤيتها وإستراتيجيتها للمستقبل; بأن تكون هي المحور في اللغة والثقافة; بداية من اللاجغرافيا للحدود وإدماج الحضارات بعالم قروي واحد; ومن ثم يدور في فلكها المجموع.. فيكون نتاجها اللاشخصية واللامنتمي واللاهوية; وبالتالي اللاخصوصية في الهويات الثقافية. لقد وقعنا في الآونة الأخيرة وبشكل سافر داخل منظومة فكرية عقيمة بفعل عالم تكنولوجيا ما بعد الحداثة واستخدامها لعالم الميديا بشتي أنواعها فاستخدمت في صور لبعض من إعلام مأجور علي أعرافنا وقيمنا ووطننا..من هذا المنطلق كانت استراتيجية الحرب الباردة في القرن الحادي والعشرين لمحو ملامح ما تبقي من آثار لحضارات الشرق الأوسط القديم; بما سمي بهرطقة الربيع العربي وكيفية التغيير باستخدام شباب الفيسبوك والإعلام الذي لعب دورا مهما في إقامة الثورات العربية وإدارتها عن بعد باستخدام أياد خفية ومعلنة لخفافيش الظلام التي سيطرت علي عقول شريحة كبيرة من المجتمع وبخاصة جيل الشباب تنفيذا لمخططات مدروسة لتفتيت الشرق الأوسط إلي دويليات صغيرة لسهولة السيطرة عليه بالطاعة العمياء لتنفيذ الأوامر; وعلي من يخالف ذلك إقامة الحد عليه ونصب حلبة المحاكمة له; وإلا فعليه الخروج عن الدائرة ليس فقط لكونه عالما قائما بذاته وإنما لكونه له عقل يفكر ولا يمتثل لوضع الغمامة ليساق كالأنعام; هذا الفكر الذي تطابق بما يدور علي خشبة المسرح القومي الآن وفكرة العرض المسرحي..الذي هو بعنوان المحاكمة إعداد وإخراج طارق الدويري; المأخوذ عن مسرحية ميراث الريح تأليف( جيورام لورانس وروبرت إي لي). والتي تحكي قصة محاكمة مدرس قرأ علي تلاميذه نصا خارج المقرر المدرسي والذي يعد بمثابة نصوص من الكتب المقدسة وهو ما أثار حفيظة الأولياء الذين لا يريدون أن نفكر فيما نقرأه; وبالتالي فلا تغيير ولا إبداع غير الطاعة لهذه النصوص وما يؤوله الأسياد الذين طالبوا بالقصاص لاختراق هذه المنظومة الفكرية بفكر آخر دون إقامة حوار مشترك يعمل علي تحديث هذه النصوص; الأمر الذي جعلهم يقدمون هذا المعلم للسجن ويطالبون بإقامة الحد عليه. من ثم كانت بداية الحدث المسرحي لعرض المحاكمة برؤية جديدة معاصرة تناقش ما نحن فيه من وضع راهن بلينا به عندما تركنا المنابر والجوامع لأناس يتسترون وراء نصوصنا المقدسة ولا يسمحون بغير الطاعة; ومن ثم فاخلع عقلك وفكر بعقلي. اسجن فكرك ولا تدعه في محك الإبداع فأنت عبد المأمور..قطيع وراء قطيع..أما أن تكون حرا فهذا يخالف لنصوصنا المقدسة; هذا المنهج الفكري العقيم الذي يتنافي مع حرية الإبداع المستنير; والذي طبق من خلال إخوان الشيطان الذين استخدموا الدين ستارا; لطلب الطاعة العمياء وكأنهم وسطاء للإله; فإذا غضبوا عليك, أغضبت الإله; فتكون الطامة وإقامة الحد بسفك الدماء..وهو ما يتلاءم مع الفكر العولمي وفلسفة محو الآخر والتمحور حول الأنا والطاعة المتمثلة بتلاشي الحدود لمحو كونك شخصية قائمة بذاتها امتدادا وعمقا. لذا فانني أقول تحية للفكر الجريء الذي يحرك المياه الراكدة دون خلل أو انتقاص أو ذلل..وإلا أصبح الفكر فكرا ساكنا وجامدا فيفسد العقل والروح ومن ثم يكون السقوط الذي يجعل مثله كمثل ميراث الريح للأجيال القادمة..يصبح وكأنه كالنار تأكل نارا. [email protected]