في مارس1962 م تقدم رئيس أركان القوات الأمريكية المشتركة ليمنتزر بخطة عملية نورثوودز إلي وزير الدفاع مكنامارا لتقديمها إلي الرئيس كيندي إبان الأزمة مع كوبا, يتم بموجبها طبقا لسجل الأمن القومي الأمريكي التي أفرج عنها بالتقادم, تفجير عدة أماكن داخل أمريكا واستهداف مدنيين أمريكيين عزل وأهداف عسكرية خاصة في فلوريدا وواشنطن, وإغراق سفينة تقل لاجئي كوبا ومهاجمة طائرة مدنية وإغراق سفينة أمريكية في المياه الإقليمية الكوبية; واتهام حكومة كوبا بالقيام بها لتقديم ذريعة للرأي العام الأمريكي والعالمي لمهاجمة كوبا. كان موقف كيندي واضحا حيث رفض الخطة وبالمثل كان موقف مكنامارا. المهم أن الموقف انتهي بنقل ليمنتزر بعد ثلاثة أشهر إلي أوروبا كقائد للقوات الأمريكية. حين تغوص في تفاصيل تلك الواقعة يخيل إليك أنك أمام أحداث11 سبتمبر وهو أمر تتناقله العديد من المنظمات الأمريكية التي تتساءل عن حقيقة تفجير برجي التجارة بنيويورك. العجيب في الأمر أن الكثير ممن نظنهم نخبة استمروا في تصديق الاتهامات الأمريكية بخصوص أحداث11 سبتمبر دون دراسة واقع منطقتنا وواقع دول أمريكا اللاتينية والأيادي التي تتلاعب بالتغيير فيهما التي وجدت في اتهامنا ضالتهم ليصدقوا علي تطبيق عملية نورثوودز بعناصر أخري!. العجيب في الأمر أن هناك من محللي الغرب من يجاهر بحتمية التدخل في شئون الدول الأخري لخدمة مصالح دولهم. وما أحداث منطقتنا من هذا الواقع إلا مثال لما يصرح به هؤلاء المحللون والساسة شرقا وغربا. القضية ليست في نواياهم المعلنة التي تعج بها كتبهم ومنشوراتهم ونتاج أعمال معاهدهم الفكرية ولكنها تخصنا نحن العرب في تعاملنا مع ما تحت أيدينا فلسنا في حاجة لانتظار وقت الإفراج عن المستندات السرية للدول الغربية. ودعونا نستمع لرأي المستعرب الياباني نوبوأكي نوتوهارا في كتابه العرب وجهة نظر يابانية; عن أسلوب العرب في تعاملهم مع قضاياهم حيث يلمس التوتر العام الذي يكسي وجوه الناس الجامدة الصامتة في مدننا وتزكية لامبالاة الموظفين تجاه كل من متعامل معهم غافلين أبسط قواعد المعاملة الإنسانية لا الكريمة مما جعله يعتقد أن الحكومة ممثلة في هذا الموظف وغيره تسخر من المواطن لتنعكس عليه تلك البلادة في تعاملاته مع غيره وليشعر أنه أمام كائن آخر ليس ملكه وبالتالي تنفصم عري المودة بين المواطن والحكومة. ورغم وضوح هذه الحالة في الشارع إلا أن مفكري المجتمع لم يهتموا بإصلاح تلك العلاقة التي يمكن بإصلاحها دفع التنمية للأمام, فحالة الصمت الخانق الداخلي التي تسود المنطقة العربية بأكملها لا يمكنها أن تنتج تنمية حيث يغذيها غياب العدالة الاجتماعية التي تجعل كل شيء ممكنا( بالفساد) لينتقص من الأشياء قيمتها ويوهن العلاقة بين السلطة والمواطن وبين المواطن وشريكه في المواطنة فتوتر المواطن العربي يضع غشاوة علي عينيه تخرجه إلي اللامنطق وتجرده من إحساسه بذاته وبالممتلكات العامة والتي هي ملكه وملك كل شركاء الوطن, وتشل معها تفكير النخبة وأولها أساتذة الجامعة المفترض فيهم قيادة الرأي وحل المشاكل ودفع المجتمع للأمام, بصورة تدين تلك النخبة ولا تلتمس لها الأعذار حيث تزداد الحاجة لها وقت الأزمات أكثر منها حال رغادة الحياة ويسرها, فالوطن مسئوليتهم إن تقاعسوا عنها لم يعد لهم دور سوي أن يصبحوا أصحاب أهواء تنخر في عظامه لتتلذذ بالمأكل والمشرب والنوم! لن أمل الرهان علي دعوة أساتذة الجامعة ليتقدموا الصفوف فالمجتمع بدونهم في سبات, وعليهم قبل ذلك نفض رداء الفساد عن مجتمعهم الصغير الذي يلبسه بعضهم ويلوث به زملاءه ليشل به طاقة المخلصين منهم.