هي أحبت.. أعطت الحبيب كل حياتها.. فالحب ليس عليه بكثير,حبيبها ليس ككل حبيب.. هو الحب كله.. هو الحياة وما بعد الحياة.. هو البداية والمنتهي.. لو اجتمعت كل معاني الحب ما وفته قدره, وما كانت سوي قطرة في محيط حبه.. لو كانت كل أنهار وبحار الحب مدادا, وأوراق الكون قرطاسا.. ما استطاعت أن تصف معشوقها..ولنفدت قبل أن تخط حرفا في كتاب غرامه الأزلي, الذي وسع كل معاني الحب والهيام. اسم حبيبها, هو المعني الأول, وكلمة الوجود التي نطقت بها قبل أن تتعلم حروف الكلام.. أحبته, جري حبه في عروقها مجري الدم,كان إليها أقرب من حبل الوريد, تنفست عبير اسمه.. وتحلت بجميل صفاته.. لم تعرف محبوبا سواه.. كبرت وكبر حبه في قلبها.. وملك عليها كل كيانها. التفت حولها قلوب شباب البصرة تخطب ودها, أسيرة جمالها.. ولكن هيهات.. هيهات.. كيف وقلبها عامر بحب لا يدانيه أي حب.. كل حب ما عاداه باطل.. ضوء حبه أعطي لعينيها نورا يغزو القلوب.. ويذيب الصخر وجدا وهياما.. غرقت في بحار حب لا يصل إلي أغوارها حتي من ورث الغوص وخبر صيد اللؤلؤ والمرجان.. أعيت مياه غرامها أصحاب السندباد وأرباب البحار. كانت بين إخوتها رابعة.. أضاءت القلب منها والجوانح كلمات أب مبارك, يرددها أناء الليل وأطراف النهار.. سجدت للحبيب المحبوب شكرا.. صلاة حب ومناجاة هيام, تجمعها والحبيب خمس مرات كل يوم وليلة.. هي في عرف المحبين خمسون. رحل المعلم الهادي وخلفه الأم الحنون.. بكت رابعة دمع وتجمعت حولها الشجون.. وحيدة لا تملك إلا حبها..أضناها الشوق والحنين..وما آلمها الأنين.. هي بحبه أغني الأغنياء.. مع أخوتها عانت البلاء.. والعباد منهن يؤثرون البعاد.. فلا يد بالخير إليهن امتدت.. ولا بالشر عنهن كفت. عند سيد غليظ القلب صخر الوجدان عملت, أذاقها العذاب صنوفا وألوانا.. صبرت بالحب والوصال قويت.. استمدت من المحبوب قوة.. هان بجوارها كل حرمان.. وكلما أطبقت حولها حلقات العذاب ضيقا, هرعت إلي حبيبها تناجيه:ياحبيبي.. يا أغلي حبيب.. قلبي متيم بك ونور عيني يحلم أن يتكحل بنور عينيك..لو كان الأمر بيدي ما سلوتك لحظة.. ما غمضت عن محياك طرفة عين.. أه يا حبيبي.. لا تتركني لغيرك يحرمني منك.. قربني إليك.. أنا لك ومنك. مناجاتها أذابت صخر القلب القاسي.. رق.. سال ماء رقراقا..يسألها عدم الفراق.. أنت يا رابعة الخير حرة..سيدة الفؤاد والدار أنت.. بحياء المحبين ردت:دار حبيبي أوسع وأرحب.. مالي في دارك رجاء أو طلب. إلي الكون الفسيح خرجت.. تعلن حبها للريح والأشجار والمطر.. تغرد الطيور ويغني الوجود علي أنغام صلاتها نشيد الحب للواحد الأحد..تكبيرات وتسابيح الحب تتوالي, تعلو وتسمو وترتفع,تنافس أذان وقرآن الفجر,وتهجد المجدين الساعين للوصول إلي حضرة الحبيب المحبوب. صارت رابعة علي العشق الإلهي علما, وللمحبين وطنا, إليه يحج العشاق, ولقبلتها يسعي كل مشتاق.. يتوافدون من كل فج عميق..يتذوقون الرحيق.. صلواتهم دائمة لا تنقطع, لقاء دائم تحفه الملائكة وتباركه السماء.. وهي في وسط الفناء.. أميرة العشق ناصعة البهاء. كانت رابعة في حبها نسيجا وحده.. لم تطمع في جنة ولم تخش نارا.. إنما كان الحب للحبيب اعترافا بفضله, وأملا في قربه.. زادها الحب نحولا.. ووصولا وشفافية.. تخففت من أشغال الحياة.. أغلقت أبواب الحواس..تركت الناس.. أعطت نفسها لله.. باعت كل شيء في سبيل حبه.. وربح البيع.. وحظيت المحبوبة بحب الحبيب.. تركت ما أخذته من الدنيا للدنيا..زفتها الملائكة شهيدة للحب الإلهي وعروس وأميرة للمتصوفة السالكين الواصلين الصاعدين أعلي درجات الحب.