موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    هل كتبت انتخابات الشيوخ نهاية الأحزاب ذات المرجعية الدينية؟ صبرة القاسمي يجيب    تنسيق الجامعات 2025، خطوات التقدم للالتحاق ببرامج الساعات المعتمدة بآداب القاهرة    بعد حريق محطة سلوا، عودة الكهرباء إلى أكثر من نصف مساكن إدفو في أسوان (صور)    بعد قمة ألاسكا، ترامب يتحدث عن العقوبات الجديدة على روسيا ولافروف يتوقع رفعها    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة، أبرزها السوبر الألماني والزمالك ضد المقاولون    في نسخته الأولى، إطلاق دوري القهاوي للطاولة والدومينو بالإسكندرية (صور)    أكثر من 5 آلاف طالب بسوهاج يؤدون اليوم امتحانات الدور الثاني ل"الثانوية العامة"    أمطار ورمال مثارة قادمة من السودان، تحذير عاجل من الأرصاد لأهالي أسوان    بفستان قصير، إليسا تتعرض لموقف محرج خلال حفلها بالساحل الشمالي (فيديو)    فريق "واما" يشعل حفل "رأس الحكمة" بحضور نجوم الفن ويحتفل بعيد ميلاد تامر حسني (صور)    الصحة تخصص خطا ساخنا لمعرفة أماكن توفير تطعيم السعار    ترامب وبوتين يعقدان مؤتمرًا صحفيًا قصيرًا دون الإجابة على أسئلة الصحفيين    "رقم مميز للأهلي".. 4 حقائق من اليوم الثاني للجولة الثانية بالدوري المصري    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    الاحتلال يُواصل الإبادة والتجويع فى غزة لليوم ال 680    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    وزير الدفاع الروسي: المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا    عيار 21 يسجل مفاجأة.. انخفاض كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم السبت بالصاغة    حيل ذكية لتخفيف الغثيان في الشهور الأولى من الحمل    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    شاهد| محمد صلاح يدخل في نوبة بكاء عقب نهاية لقاء بورنموث    محمد شريف: تعلمنا من أخطائنا.. والهدف المبكر ساعدنا ضد فاركو    عاجل - استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 16 أغسطس 2025    النيابة العامة تُقرر إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    السيطرة على حريق بمحطة كهرباء الحصايا بأسوان    «مؤشرات إيجابية» بعد نهاية محادثات «الصيغة الضيقة» بين ترامب وبوتين    مصرع طفل غرقا في حمام سباحة ببني سويف    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    قرار عاجل من النيابة بشأن صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    الكاتب عمر طاهر يروي كواليس لقائه مع الروائي الراحل صنع الله إبراهيم    جريئة ومُبهجة.. بالصور أجمل إطلالات النجمات في المصيف    حلا شيحة بالحجاب في أحدث ظهور وجميلة عوض تعلق: "ما شاء الله"    صلاح يسجل..ليفربول يهزم بورنموث برباعية في افتتاحية الدوري الإنجليزي    ريبييرو: الفوز على فاركو خطوة مهمة لمواصلة انتصارات الأهلي في الدوري    ب«الجبنة القريش والبطاطس».. طريقة تحضير مخبوزات شهية وصحية (خطوة بخطوة)    القانون يحدد ضوابط العلاوة التشجيعية للموظفين.. إليك التفاصيل    تعرف على حالتين يحق فيهما إخلاء السكن القديم.. وفقًا للقانون    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات ومعاهد متاحة والحد الأدنى 2024    ليفربول يدين الهتافات العنصرية ضد مهاجم بورنموث    بعد تصديق الرئيس.. القانون يمد خدمة المعلمين المتقاعدين لمدة 3 سنوات    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    بعد ساعات.. غلق كلي ب كوبري الجلاء في الاتجاهين لمدة 3 ساعات    قرار هام من التريبة والتعليم حول تظلمات الدفعة الثانية ل 30 ألف معلم    بمشاركة محافظ المنيا ونائب وزير الصحة.. اجتماع موسع لبحث تطوير المنظومة الطبية    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    وزير الأوقاف يختتم زيارته لشمال سيناء بتكريم 23 شابا وفتاة من حفظة القرآن الكريم بقرية 6 أكتوبر بمركز رمانه (صور)    وكيل صحة المنوفية يوضح حقيقة سقوط أسانسير مستشفى بركة السبع    أخبار 24 ساعة.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة "دور ثانى" غدا    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 16 أغسطس 2025    تليفزيون اليوم السابع يستعرض أبرز ما يميز النسخة المطورة من تطبيق مصر قرآن كريم.. فيديو    بضمان محل إقامته.. إخلاء سبيل عبد الرحمن خالد مصمم فيديو المتحف المصري الكبير    خطيب الأزهر يحذر من فرقة المسلمين: الشريعة أتت لتجعل المؤمنين أمة واحدة في مبادئها وعقيدتها وعباداتها    خطيب المسجد الحرام: الحر من آيات الله والاعتراض عليه اعتراض على قضاء الله وقدره    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي:
التفرغ للإبداع ترف لا أملكه المناهج والنصوص التي تدرس لأبنائنا تصنع منهم إرهابيين وجهلاء

شاعرنا يقول: أستطيع أن ألح علي القصيدة وأستدرجها, وأستطيع أن أضع نفسي في المناخ الذي يستدعي الشعر, ولكن لا أجد حرجا لأن أقول أنني أعيش من مرتبي شهرا بشهر, ولا أستطيع أن أكف عن الكتابة, وليس لي ترف التفرغ للإبداع, وإلا فكيف أعيش وأنا عندي مسؤوليات تجاه نفسي وتجاه أولادي..؟؟
وشاعرنا أحمد عبدالمعطي حجازي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس من أول الخمسينيات وحتي بداية السبعينيات, يضع سيف الإدانة علي رقابنا لأننا نقتل مبدعينا, وهو يقول جيلنا عاش مكسورا, ومات مقهورا..!!
وليس سهلا علي شاعرنا أن أيقول مثل هذا, وهومن هو؟.. لكنها صرخة يطلقها, لعلنا نفيق يوما فننقذ موهبة أخري من الضياع في سبيل البحث عن لقمة أو رغيف.
كان أحمد عبدالمعطي حجازي هو صوت جيله الشعري بالتوازي مع صلاح عبدالصبور وأمل دنقل من بعد, وكان شعر حجازي مثل الصرخة القوية التي تحيل الجمود في الكائنات حياة, وكان بشجاعته يشعر بأنه المكلف بالنيابة عن أبناء جيله بالرد علي من يهدد وجودهم ويهدد تجربتهم بالإبادة, ولهذا تصدي للأستاذ العقاد يرد عليه سهامه, بل يهاجمه أحيانا في محاولة لصد مدفعيتة الثقيلة...
الشاعر حجازي قال بأنني أعتذرت بل ندمت, لكنها في النهاية كانت معركة أدبية عظيمة, معركة لم تخلف ضحايا, بقدر ما أنتجت لنا مزاجا ثقافيا, كان عنوانا لصراع الأجيال بما يتركه من حيوية كثيرا ما نفتقدها في أيامنا تلك.
وكان حوارنا معه يشبه المراجعة والمصارحة التي تعودناها معه, وكان خلالها جريئا مفجرا لكثير من القضايا التي لم يتسع لها المجال, لكنها في النهاية شهادة لشاعر آل علي نفسه ألا يقول إلا كل الصدق وكل الحق.
هل ما حدث في مصر خلال الستين عاما الماضية كان من نتائجه صيام بعض المفكرين عن الإبداع وامتناع بعضهم عن الكتابة لفترات طويلة..؟ حدث هذا مع نجيب محفوظ الذي انقطع عن الكتابة لأكثر من سبع سنوات بعد ثورة1952, وحدث معك كشاعر لم تنتج سوي القليل من الشعر منذ بدايات السبعينيات, ومن قبل حدث مع المفكر والكاتب الكبير أحمد رشدي صالح حيث ترك الكتابة والبحث واقتصر علي كونه صحفيا وفقط, وأما إحسان عبدالقدوس فقد هجر السياسة مفضلا عليها كتابة الروايات والقصص, وهناك أمثلة أخري كثيرة...؟
بالنسبة للكاتب الكبير نجيب محفوظ والأستاذ إحسان, هما وجدا نفسيهما في أزمة أخرجتهما من مناخ وأدخلتهما مناخا آخر, لم يجدا نفسيهما فيه, وأما أنا فكنت بطبعي مقلا في الشعر, فما بين الديوان والديوان الذي يليه مايقرب من الست أو السبع سنوات, وفي الفترة الأخيرة لم يكن توقفي عن قرض الشعر قرارا, فلم أجد نفسي مضطرا لكتابة النثر, لكن وجدت من واجبي أن أكتب, لأني أتعرض لأشياء ومواقف منذ أن بدأت الكتابة في الأهرام منذ أواخر الثمانينيات وإلي الآن وأنا أعالج نفس القضايا التي أكتب عنها اليوم, ولكن الشعر موجود علي طول المدي, خلاف الأجيال الجديدة من الشعراء الذين ظهروا ويحاولون أن يملأوا الساحة دون أن يجدوا حرارة وتشجيع كافيين, لأن المؤسسات الثقافية بشكل عام لا تعمل وفق واجبات أو برامج متفق عليها, لكنها تعمل وفق سياسات, فياتي الوزير ليغير ماكان قبله, ويأتي رئيس الهيئة ليزيح جماعة موجودة ليأتي بجماعة أخري, بالإضافة إلي تزييف القيم, وأضحت هناك اشياء مخترعة من قبل المفسدين, وساد بذلك الزيف والفساد, لأنه لا توجد منابر أخري تردها وتصحح مسارها.
لكن لو لم تكن الكتابة النثرية متاحة وموجودة بكفاية, أليس من الممكن أن تلح عليك القصيدة وتطالبك بكتابة تاريخ ميلادها؟
إذا كانت القصيدة تلح علي, فأنا أيضا أستطيع أن ألح علي القصيدة, وأستطيع أن أستدرج القصيدة, وأستطيع أن أضع نفسي في المناخ الذي يستدعي الشعر, لكن كيف يمكن أن تفلت من واجباتك التي لم تعد قادرا علي الإفلات منها, ولا أجد حرجا لأن أقول أنني أعيش من مرتبي شهرا بشهر, وأنا لا أستطيع أن أكف عن الكتابة والتفرغ للإبداع, وإلا فكيف أعيش وأنا عندي مسؤوليات تجاه نفسي وتجاه أولادي.. أيضا المسؤولية تجاه القارئ, لأنني أعتقد أنني أعالج موضوعات ليست رائجة, وأتبني أفكارا أيضا غير رائجة, وليس هذا فقط أفكارا رائجة, بل أفكارا صادمة تحتاج في معالجتها لقدر من الشجاعة.. وهذا هو حالي!!.
وبنبرة يملؤها الأسي قال: كان أمامي طريقا مفتوحا بتاريخي وقلمي أن أستخدم كل هذا من أجل المال, وأن أكتب ليس ما يجب علي أن أكتبه, ولكن أكتب لكي أرضي الممول, وهذا لم أرفضه فقط, بل لم ألتفت إليه, وهناك كثيرون صنعوا ذلك وتحولوا تحولات مخجلة, وأما الطريق الآخر خلال العشرين عاما الماضية التي أنتجت فيها القليل من الشعر, كان من الممكن أن أقدم أعمالا, لا أستطيع الحكم عليها طالما أن لم تقدم, إنما أظن أن القليل الذي قدمته خلال العشرين عاما يوحي بما كان يمكنني أن أقدمه لو أني تفرغت للإبداع.
مثقفونا الكبار الذين عاشوا في المرحلة الليبرالية ونتج عنهم هذا النتاج الكبير, وكانوا هم أباء لجيل الخمسينيات والستينيات والسبعينيات, وكان نتاجهم هذا الزخم الذي أوصل الأدب العربي لنوبل.. أين نحن منهم الآن؟
نحن بعيدون كثيراعن هؤلاء, لأننا بعيدون عن هذا المناخ الذي كان يسمح بالخصب والتطورات والتجديدات, وكان يرحب بهذه المعارك التي كان ينتج عنها خيرا كثيرا للمصريين, المسألة بإختصار هي الحريات التي كان يتمتع بها المثقفون حينئذ, مع أنها لم تكن كاملة بين عشرينيات القرن الماضي بعد ثورة1919 إلي خمسينيات القرن الماضي هي التي أنتجت هؤلاء, نجيب محفوظ ولد1911, طه حسن والعقاد1889 وأيضا المازني, وشوقي كان بينه وبين هذا الجيل حوالي عشرين عاما تقريبا,فهو من مواليد1868, والبارودي ولد في أواخر أربعينيات من القرن التاسع عشر, هذه الحركة وهذا النشاط, والانفتاح علي أوربا, ومامعني الانفتاح علي أوربا؟ يعني الانفتاح علي الديمقراطية وعلي فكرة حقوق الإنسان وعلي فكرة العلم والعقلانية والفن, نحن لم يكن لدينا مسرح, ومنذ أن دخلنا في الإسلام لم نكن نقترب من التصوير والنحت, وفي الأدب لم يكن لدينا القصة والرواية, ومن خلال الإنفتاح علي أوربا أصبحت لدينا كل هذه الفنون والمكتسبات, تلك هي اليقظة, وللأسف الشديد مصر خلال المرحلة الأخيرة أصيبت بعدة إصابات, ضغطت علينا وحرمتنا من هذه المساحة الموجودة في قيم التقدم كالديمقراطية, بالإضافة إلي الإصابة الموجعة في1967, ومع كل هذا فإن أخطر ما حدث هو فساد التعليم, فالتعليم كان موجودا بوجود نخبة مصرية مثقفة تفتح الطريق أمام قيم التقدم, طه حسين يرفع شعار التعليم كالماء والهواء,وأنا لاأعرف منذ1952 وحتي الآن أن وقف وزير تعليم أمام البرلمان يحاسبه عما يحدث وحدث في المدارس, الآن المناهج والنصوص التي تدرس للتلاميذ ممكن أن تصنع منهم إرهابيين, فضلا عن أنها تصنع منهم جهلاء, فهم يتعلمون اللغة ولايتعلمون اللغة, ويتعلمون التاريخ فلايتعلمون التاريخ..ويتعلمون الرياضيات فلايتعلمون شئ, وليس مطلوب منهم سوي حفظ بعض المعلومات التي يجيبون عليها ليحصلوا علي شهادة, ليست أكثر من أنها شهادة بجهلهم, ثم يذهبون للجامعة فيجدون أساتذة ليسوا أفضل من مدرسيهم في المدارس, وتنشأ عنهم أجيال لا يتعلمون ولا يعلمون, فكيف يمكن من هذا المستوي وإعلام من هذا المستوي أن تخلق أمة ذات مستقبل؟, وكيف يمكن تديين كل شئ, وتجريم ماعدا مايقوله المتاجرين بالدين, في ظل هذا المناخ, كيف يمكن أن ينشأ جيل من المبدعين؟.
كثرت المراجعات الفكرية بين المثقفين.. هل المراجعات ردة عن موقف ما رأه المثقف خطأ وأراد تصحيحه, أم أنه موقف ثقافي يتنقل مع المثقف تبعا لتطوره الفكري؟
كل المثقفين في العالم يراجعون أنفسهم, وهؤلاء الذين رأيناهم بدأوا يساريين ثم خرجوا من اليسار وانتقدوه وانتقدوا أنفسهم, وغيرهم من الجماعات الآخري, وكل التيارات في أوربا وكذلك الولايات المتحدة شهدت عصورا متوالية, كان كل عصر فيها له شعاراته, ثم خرجت من هذا العصر إلي شعارات أخري, أنظر إلي ماحدث في ألمانيا خلال القرن الماضي,وماحدث في فرنسا في المرحلة التي تلت الحرب الثانية, الحزب الشيوعي واليسار كانت لهما قوة لم تعد لهما الآن, والحزب اليساري الذي كان يحصل علي30% من أصوات الناخبين لم يعد يحصل الآن سوي علي7% أوأقل من ذلك, فالظروف اختلفت, ولذلك فالمراجعات طبيعية, ولأن التجارب تصل بالمجتمع وبالمثقفين إلي نتائج يضطرون فيها إلي مراجعة أنفسهم.
وماذا عن المراجعات في مصر؟
للمراجعات في مصر طابع خاص, لأن مصر في نهضتها الحديثة لم تبدأ كما بدأت البلاد الأخري, النهضة بدأت من السلطة قبل أن تبدأ من المثقفين, والسلطة هي التي فتحت المجال لثقافة النهضة, محمد علي هو الذي أرسل الطهطاوي وغيره ليطلعوا علي ثقافة النهضة, وقبل أن يطالب المصريون ببرلمان, الخديوي إسماعيل أنشأ البرلمان, صحيح لم يكن برلمانا حقيقيا, وقصد به أن يبدو أمام العالم ديمقراطيا, خاصة الفرنسيين الذين صنعوا ثورة عظيمة غيرت تاريخ فرنسا والعالم وثبتت الديمقراطية في فرنسا, والخديوي اسماعيل أراد أن يبدو ديمقراطياا أمام العالم بسبب ثقافته, لكن مصالحه لم تكن تتفق مع هذه الديمقراطية, ولكن المثقفين المصريين استطاعوا أن يحولوا الديمقراطية المسرحية إلي ديمقراطية حقيقية, وهذا ماحدث في أواخر السبعينيات عندما طالب النواب المصريين أن تكون الحكومة هي المسؤولة أمام البرلمان, وهذا ما أدي إلي ثورة المصريين بقيادة عرابي, وما أقوله أن نشأة الثقافة المصرية الحديثة جعلت المثقفين دائما في موقف الدفاع عن أنفسهم, وهذا هو الموقف الذي نعيشه حتي الآن, فحين يعبر مفكر مثل إسلام بحيري عن رأي في الفقه الإسلامي يحاكم ويحكم عليه بالسجن, إذن فيه ضغوط من الخارج, وأيضا فيه مراجعات من الداخل, وهذا يؤدي لدور ليس هو الذي قصده المثقف, نحن نري علي سبيل المثال العقاد شن حربا عنيفة ضد أحمد شوقي, ثم عاد في مؤتمر الاحتفال بمرور30 عاما علي رحيل شوقي وأنصف شوقي إلي حدما, وهكذا...
ونحن نقبل المراجعات ونطالب بها, ولكن لايجب أن تكون هناك ضغوط, ولايصح أن تكون المراجعة في المباحث, ولكن هذا ماحدث, الشيوعيون المصريون كانوا يراجعون أنفسهم في مكاتب ضباط المباحث, ويعلنون انسحابهم من الحركة الشيوعية, يجب أن نكافح من أجل حرية التعبير والتفكير, نكافح أيضا من أجل المراجعة, لأنه ليس كل كلام حتي ولو بدا أنه ثوري ليس صحيحا دائما, ولاشك أن اليساريين أخطأوا ليس بسبب الضغوط الأمنية, بل لوجود تأثيرات مختلفة من قوي داخلية وخارجية من ضمنها, ماكان يحدث في المعسكر الشرقي وماينتج عنه من ديكتاتورية متوحشة أتبعها الزعماء الشيوعيين في بلاد المعسكر الشرقي, حتي مات الملايين بالإضطهاد والإعتقال في سيبيريا وغيرها, من أجل كل هذا لابد من المراجعة.
وهل كان هناك مراجعات للشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي؟
لقد كانت لي مراجعاتي في المواقف والمعرفة, مراجعات كثيرة بدء من موقفي من السلطة ومرورا بالثقافة العربية, وكانت تجربة السفر إلي فرنسا فرصة للمراجعة, فرصة لأن أتمكن ليس فقط من الثقافة الفرنسية, بل ومن الثقافة العربية أيضا, فقد كانت ثقافتي العربية قبل السفر مثل جزر متناثرة, أعرف بعض الشئ عن الشعر العربي القديم, وبعض الشئ عن الشعر الحديث, ومعرفتي بالفلسفة العربية معرفة ضعيفة وعلاقتي بالتاريخ جزئية.
كتبت لعبدالناصر في أوج جبروته في الستينات قصيدتك الشاعر والبطل تقول مترددا خائفا:
ماذا أقول..؟
أخاف أن يكون حبي لك خوفا
عالقا بي من قرون غابرات
فمر رئيس الجند أن يخفض سيفه الصقيل
لأن هذا الشعريأبي أن يمر تحت ظله الطويل
والسؤال: ألم تخش من العسس والحرس وزوار الليل؟
كتبت هذه القصيدة سنة1965, عندما قرر الرئيس عبدالناصر ترشيح نفسه لفترة رئاسة جديدة, وطلب الدكتور لويس عوض مني ومن الشاعر عبدالوهاب البياتي وكان مقيما في مصر حينئذ, ومن صلاح عبدالصبور أن نكتب حول هذا الموضوع,وكتبنا نحن الثلاثة, وقلت هذه القصيدة.
ولكن هناك واقعة خاصة بقصيدتك مرثية للعمر الجميل التي كتبتها في الذكري الأولي لتأبين عبدالناصر؟
هذه القصيدة كتبتها سنة1971 في الذكري الأولي لوفاة عبدالناصر, وكان لها قصة, عندما طلب مني يوسف السباعي ومن شعراء آخرين من داخل مصر وخارجها مثل الجواهري ونزار قباني وغيرهم تأبين عبدالناصر, وعندما تقدمت لإلقاء القصيدة منعوني, مع أنهم هم الذين طلبوا مني وأتوا بي للحفل, وكان وقتها الصراع علي أشده بين السادات ومجموعة ما أطلق عليهم بعد ذلك مراكز القوي, وكنت أنا محسوبا علي رجال عبدالناصر.
كانت بينك وبين الأستاذ عباس العقاد علاقة شائكة, عندما هاجم الشعر الحر, هاجمته وكتبت فيه قصيدة هجاء بالشعر العمودي, ثم اقتبست منه مطلع قصيدة.. ما طبيعة هذه العلاقة؟ هل كان عداءا, أم اعتذارا, أم كان حبا؟
الأستاذ العقاد رفض حركة التجديد التي قمنا بها في الخمسينيات في مصر, وكان لها بدايات سابقة في مصر والعراق ولبنان, وحركة التجديد التي قمنا بها لم تتنكر لأي شرط من شروط قواعد الشعر وكتابة القصيدة, لم تتنكر للوزن, لم تتنكر للقوافي, لم تتنكر كذلك لما يجب في لغة الشعر من إيثار الصورة علي التقرير, والشعر لغة تصوير, يعتمد علي الفنون البلاغية المعروفة والاستعارة وبصورة عامة مايسمي المجاز, والمجازهو نقل الألفاظ من معانيها في المعجمم إلي معاني أخري تكتسبها من علاقة جديدة تكتسبها بين المفردات بعضها وبعض.
فالقصيدة التي كتبناها في الخمسينيات وأسسنا بها حركة استطاعت أن تنمو وتستمر وتعم الأجيال العربية كلها, ووجد جمهور المثقفين مايرضاه ومايريده من الشعر, وأيضا استطاعت هذه الحركة أن تمكن الشعرمن أن يحيا من جديد في مرحلة جديدة, بعد أن تقوقع في لغة عزلته عن الجماهير, وعن اللغة المستعملة في الحياة, وعزلته أيضا عن لغة الصحافة والكتابة والكتابة القصصية, والقصيدة استطاعت أن تتحاور وتتفاعل بلغتها الجديدة, ولهذا استطاعت أن تنجح..
لكن الأستاذ العقاد مع ذلك اتخذ موقفا سلبيا من القصيدة الجديدة وحاربها بعنف, ومن هنا نشأت معركة كبيرة بيننا وبينه, ورددت عليه هو والشعراء المحافظين بالقصيدة المعروفة, لأنهم كانوا يتهموننا بالعجز عن نظم الشعر العمودي, وأردت أن أقوله ليس عجزا, بل نستطيع...
ولقد اعتذرت له فيما بعد عن هذه القصيدة,وكنت أتمني لو لم أقلها, لكن في النهاية رحل العقاد وذهب الإعتذار وبقيت القصيدة المؤلمة, وبعدذلك أتخذت مطلع قصيدته الكروان مطلعا لقصيدتي.
لكن كنت في حالة تحد واضح للأستاذ العقاد وكل من وقف في نفس موقفه؟
في الفن لابد من التحدي والاختلاف, لكن بدون عنف, لكن الأستاذ عاملنا بعنف, وكنت أدافع عن حركة كاملة, ولم يكن في خاطري الدفاع عن نفسي وشخصي.
أما موقفي الحالي من قصيدة النثر بكل بساطة, ينبع من أن الشعر لابد أن يكون له شروط والموسيقي ضرورية للشعر والمحافظة علي الوزن هي محافظة علي الشعر, وأنه لايمكن أن نخرج من اللغة اليومية إلي اللغة الشعرية إلا بأدوات, ومن هذه الأدوات الوزن والقافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.