«أكسيوس»: الديمقراطيون يبدون استعدادهم لإنهاء الإغلاق الحكومي    قوات الاحتلال الإسرائيلى تهدد العمال فى الضفة بعدم التوجه إلى القدس    نتنياهو يفرض عقوبات صارمة على وزراء حكومته بسبب الغياب والتأخر المتكرر    عاجل نقل الفنان محمد صبحي للعناية المركزة.. التفاصيل هنا    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    وزير الزراعة عن الحمى القلاعية: نسب النفوق منخفضة جدا.. وندرس تعويضات المزارعين المتضررين    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 10 نوفمبر 2025    وزير المالية: نسعى لتنفيذ صفقة حكوميه للتخارج قبل نهاية العام    غارات جوية أمريكية تستهدف تنظيم القاعدة في اليمن    رعب في بروكسل بعد رصد طائرات مسيرة تحلق فوق أكبر محطة نووية    سيلتا فيجو ضد برشلونة.. ليفاندوفسكي: علينا التحسن بعد التوقف الدولي    أمواج تسونامى تضرب شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    برشلونة يحقق فوزًا مثيرًا على سيلتا فيجو برباعية    طارق قنديل: الدوري لن يخرج من الأهلي.. وتوروب يسير بخطى ثابتة    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    "مصر تتسلم 3.5 مليار دولار".. وزير المالية يكشف تفاصيل صفقة "علم الروم"    عمرو أديب عن نهائي السوبر بين الأهلي والزمالك: «معلق المباراة جابلي هسهس»    مفتى الجمهورية يشارك فى مناقشة رسالة ماجستير بجامعة المنصورة.. صور    متى ستحصل مصر على الشريحتين الخامسة والسادسة من قرض صندوق النقد؟ وزير المالية يجيب    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    هدوء ما قبل العاصفة.. بيان مهم بشأن تقلبات الطقس: استعدوا ل الأمطار والرياح    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    البابا تواضروس ومحافظ الجيزة يفتتحان عددًا من المشروعات الخدمية والاجتماعية ب6 أكتوبر    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية بالمرحلة الأولى (رابط)    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    الصحة ل ستوديو إكسترا: 384 مشروعا لتطوير القطاع الصحي حتى عام 2030    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    عمرو أديب عن العلاقات المصرية السعودية: «أنا عايز حد يقولي إيه المشكلة؟!»    حضور فني ضخم في عزاء والد محمد رمضان بمسجد الشرطة بالشيخ زايد.. صور    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025    انقطاع التيار الكهربائي عن 19 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ    نجل عبد الناصر يرد على ياسر جلال بعد تصريح إنزال قوات صاعقة جزائرية بميدان التحرير    السجن المشدد 10 سنوات للمتهم بحيازة أقراص ترامادول وحشيش في الزيتون    فوائد زيادة العضلات بالجسم بعد الأربعين    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    بث مباشر.. صدام النجوم المصريين: مانشستر سيتي يواجه ليفربول في قمة الدوري الإنجليزي    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبدالمعطي حجازي: لم أندم علي شيء مثلما ندمت علي قصيدتي في هجاء العقاد
نشر في القاهرة يوم 29 - 06 - 2010

في االعام الماضي احتفل الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي بمرور خمسين عاماً علي صدور ديوانه الأول "مدينة بلا قلب" الذي أصدرته دار الآداب البيروتية عام 1959 م. خمسون عاماً إذن مرت علي صدور هذا الديوان جرت خلالها في نهر الإبداع العربي مياه كثيرة وتحولات كبري وعصفت بالبيت العربي الكبير أحداث جسام ما بين مد وجذر وانتصار وانكسار. وبلا ريب كان للشاعر حظه ونصيبه من هذه التحولات والأحداث. واليوم وبعد مرور نصف قرن علي انطلاق مسيرة حجازي الإبداعية ثمة تساؤلات وإشكاليات تطرح نفسها بقوة ولعل أبرز هذه الإشكاليات انقطاع الشاعر الكبير وتوقفه عن الكتابة والنشر عقدين من الزمن وهي مناسبة لا تقل أهمية وخطورة عن المناسبة الأولي وحري بالشاعر أن يتأملها ويستثمرها لصالحه لاسيما بعدما صرح أنه بصدد إصدار ديوان جديد وسط لهفة وترقب قرائه ومحبيه لاستقبال الوليد الجديد الذي استغرق إحدي وعشرين سنة من الحمل والمخاض. بقي أخيراً أن أقول إن هذا الحوار كان من المفترض أن يجري وينشر العام الماضي ليواكب احتفال الشاعر بهاتين المناسبتين، ولقد ظلت أسئلة الحوار بحوزة الشاعر عاماً كاملاً دون أن تسمح ظروفه وأعباؤه بالإجابة عنها.
في ديوانكم الثاني " أوراس " قصيدة عمودية في هجاء - أو لنقل في الرد علي - العقاد الذي كان من أبرز من رفضوا وهاجموا القصيدة الحديثة إبان ظهورها في الأربعينيات والخمسينيات .ولقد قيل كلام كثير حول موقف العقاد الصارم من القصيدة الحديثة واعتبارها نثراً صريحاً لا شعر فيه . ثم كان موقفه المتشدد بمنع اشتراك شعراء هذه المدرسة الشبان في مهرجان الشعر العربي بدمشق وتهديده بالانسحاب من لجنة الشعر التي كان يرأسها بالمجلس الأعلي للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية احتجاجاً علي اشتراكهم مما حدا بهؤلاء الشعراء أن يكتب كل واحد منهم قصيدة عمودية ليتسني له الاشتراك في المهرجان كما روي صلاح عبد الصبور وعبد المنعم عواد يوسف في سيرتهما الذاتية .
والعقاد - بعد مواقفه ضيقة الأفق هذه - قامة أدبية مديدة وشامخة في أدبنا العربي وإن كان قد قصَّر في صناعة الشعر فلعله ضرب في حقل النقد بسهم وافر، ودراسته النقدية عن ابن الرومي نموذج مشرف يؤكد هذا الرأي ويؤيده .
حدثت هذه الواقعة الشهيرة أواخر عام 1961 م لكن بدايتها الحقيقية كانت عام 56 إبان العدوان الثلاثي علي مصر .في ذلك العام طرح المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية - المجلس الأعلي للثقافة الآن - مسابقة شعرية بين الشعراء الشبان حول المقاومة الوطنية الباسلة في التصدي لهذا العدوان فتقدم إلي المجلس طائفة من الشعراء بقصائد ما بين الشكل العمودي المعروف والشكل التفعيلي الذي كان قد بدأ يظهر ويعلن عن نفسه بقوة ووضوح .وقد تقدم المجلس بهذه القصائد كلها إلي لجنة الشعر لتنتقي منها ما يستحق الجوائز التي رصدت لهذا الغرض، وكان قد تحمس بعض أعضاء اللجنة لعدة قصائد - منها واحدة من نظمي أنا وكانت تفعيلية - كالأستاذ علي أحمد باكثير إلا أن العقاد - الذي كان مقرر لجنة الشعر بالمجلس وقتها - استبعد كل القصائد التفعيلية من المسابقة ؛ بل وأحالها إلي لجنة النثر فهي نثر في زعمه وليست شعراً .وهنا اشتعلت معركتنا معه والتي ظلت قائمة حتي رحيله عام 1964 م .وبلغت المعركة ذروتها في سبتمبر عام 1961 م حين دعانا المجلس - صلاح عبد الصبور وأنا - للمشاركة في مهرجان الشعر العربي بدمشق .كان أمين عام المجلس وقتها يوسف السباعي وكان قد دعانا في العام السابق 1960 م لحضور هذا المهرجان ومرت التجربة بسلام ربما لأننا ألقينا يومها قصائد عمودية فلا ضرر ولا ضرار .فلما مرت هذه التجربة بسلام تكررت الدعوة في العام التالي لحضور هذا المهرجان وبالفعل سافرنا دون أن نعد بالالتزام بعمود الشعر العربي فأبرق العقاد إلي يوسف السباعي في دمشق - ويبدو أننا سافرنا دون علمه - مهدداً بالانسحاب من لجنة الشعر في المجلس إذا ما سمح لنا بإلقاء قصائدنا من الشعر الجديد فإما أن نشارك بقصائد عمودية أو نعود بلا مشاركة في المهرجان وإلا فسيستقيل من اللجنة .أسقط في يد يوسف السباعي ووجد نفسه في موقف حرج فالعقاد هو العقاد إذا قال فعل وإذا حضر أغني وإذا غاب افتقد ولم يكن بد من الرضوخ فرضخنا جميعاً .ولك أن تتخيل صدمتنا وخيبة أملنا أن نسافر دولة أخري ولا نلقي قصائدنا وكان يمكننا بالطبع أن نشارك بقصائد عمودية وما كان أيسر ذلك لكن لم يكن هذا هو الحل .عدت من دمشق ثائراً ساخطاً الحنق يقودني والغضب يعميني لأنظم قصيدة في هجاء العقاد ومع أنني كنت قد جربت الهجاء قبل ذلك في قصائد الشعر الجديد وكان سلساً مطواعاً كما فعلت في قصيدتي " دفاع عن الكلمة " مثلاً إلا أنني كنت حريصاً ومصراً علي أن تكون قصيدتي هذه عمودية وقد كانت ولا أدري كيف جاءت القصيدة علي هذا النحو من العنف والضراوة والشراسة. وكان يمكن أن تنتهي المعركة عند هذا الحد - وليتني اكتفيت - لاسيما وأنني أخرجت غضبي وحنقي في القصيدة النارية لولا أنني سلمتها للزميل الأستاذ أحمد بهجت الذي كان وقتها مشرفاً علي الصفحة الأدبية بالأهرام طالباً نشرها ونشرت فعلاً لتحدث ضجة كبري وزلزالاً رهيباً في مصر وخارجها وهنا بدأت أثوب لرشدي وكأني كنت نائماً وصحوت وتمثل لعيني العقاد وهو يقرأ القصيدة ويتلقي طعنة من كل بيت فيها فرثيت له وداهمني أسف شديد وخجل قاتل وإذ بي أكتشف - ويا للعجب ! - أن المسألة من تستدعي كل هذه الثورة وكل هذا الغضب فكان يمكن مثلاً أن أقدم للعقاد مذكرة احتجاج علي موقفه المتعنت معنا في دمشق وينتهي الأمر لكنها حماقة الصبا وطيش الشباب .قرأ العقاد القصيدة فاستشاط غضباً وثار ثورة عارمة وكان مضطراً أن يذود عن حياضه ففوجئت به يرد علي في حديث أدلي به لجريدة المساء قال فيه - وله الحق -: " بل هم الذين يعيشون ضيوفاً في عصر العقاد " .رداً علي قولي في القصيدة " تعيش في عصرنا ضيفاً وتشتمنا ". وقد اعتذرت للعقاد بعدما خمدت براكين غضبه ولكن ذهب العقاد وذهب الاعتذار وبقيت القصيدة بسهامها وسيوفها لاسيما أن خصوم العقاد - وما أكثرهم - استغلوها في التشهير به والتشفي فيه وكان موقفي يزداد حرجاً وسوءاً فأهتف من أعماق فؤادي " ليتني ما كتبت هذه القصيدة ". ولعلي لم أندم علي شئ في حياتي مثلما ندمت علي نظم هذه القصيدة التي أعتز بها في الواقع فهي ابنتي علي أي حال وإن كنت أستنكر غلظتها وفظاظتها .والعقاد قامة أدبية مديدة وشامخة في أدبنا العربي كما قلت أنت في سؤالك ولا يضيره أبداً أن أهجوه أنا أو غيري فلا يضير البحر أمسي وأصبح زاخراً أن يلقي فيه بحجر .
رغم افتتانكم بذلك السيد العريق الذي ورثناه عن الإغريق ورغم متابعتكم لجميع اتجاهاته وتياراته إلا أنكم لم تحاولوا الاقتراب منه كتابة حتي الآن .من ناحية أخري يري المدقق في تجربتكم الشعرية حضوراً مكثفاً لكل مقومات البناء المسرحي كالحوار والحبكة الفنية المتقنة والتسلسل الدرامي وغيرها كقصيدة " طريق السيدة، مذبحة القلعة، قصة الأميرة والفتي الذي يكلم المساء " وغيرها. فأين أنتم من المسرح الشعري وأين المسرح الشعري منكم ؟ هل أشبعكم الشعر وأرضي طموحاتكم الفنية فأغناكم عن أي فن آخر ؟
أطرح عليكم هذا السؤال مشيراً في الوقت نفسه إلي أنكم بصدد إنجاز مسرحية شعرية منذ نيف وثلاثين عاماً .
لا أتصور أبداً أن الشاعر يمكن أن يغتني بالشعر عن أي فن آخر وقل لي: هل اكتفي شوقي بالشعر؟ ألم يكتب شعراً ومسرحاً وقصصاً وكتباً نثرية ؟ هل اكتفي صلاح عبدالصبور أو عبد الرحمن الشرقاوي أو علي أحمد باكثير وغيرهم بالشعر ؟
الشعر لا يغنيك أبداً عن أي فن آخر ؛ بل ربما يفتح لك أبواباً جديدة وطرقاً أخري .لكن أنا فعلاً مقصر في كتابة المسرحية الشعرية رغم عشقي لها .ولعل لسفري الدائم دوراً في هذا التقصير. والواقع أنني عشت حياة مشتتة قوامها الحركة الدائمة والسفر المستمر فعشت موزع القلب مشتت الفكر لا أكاد أملك أمر نفسي وهذا يتنافي ويتعارض كلية مع طبيعة المسرح الشعري ومع طبيعة الإبداع عموماً والتي تحتاج بالضرورة لتفرغ كامل ومعايشة تامة ومن هنا جاء التقصير. علي أن أكثر ما كان يعزيني ويعوضني عن تقصيري هذا أنني كنت أجد بعض زملائي يملئون فراغ انقطاعي ويجبرون تقصيري كصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي ونجيب سرور وغيرهم .وإن كان هذا لا يمنع من الاعتراف بأني كنت ومازلت مقصراً وبأني كنت أستطيع - علي الأقل - أن أجرب. علي كل حال أنا لدي عدة مسرحيات شعرية - وليس مسرحية واحدة كما أشرت أنت في سؤالك - لكني لم أسر في واحدة منها لنهاية الشوط أرجو و أتمني أن يسعفني الوقت والجهد والهمة لكي أنجز ولو واحدة منها أؤدي بها ما علي من ديون لهذا الفن العريق .
دلالة الصمت
أود أن أتوقف معكم أخيراً حول الإشكالية التي مابرحت تثير حولكم موجة من الجدل والنقاش وهي انقطاعكم عن الكتابة والنشر عقدين من الزمن فمنذ نشر ديوانكم الأخير " أشجار الأسمنت " عام 1989 م توقفتم تماماً عن النشر وتركتم فراغاً هائلاً في الساحة الأدبية في مصر بانسحابكم غير المبرر عنها .وأحب أن أشير في هذا الصدد أيضاً إلي انقطاع يوسف إدريس عن الكتابة والنشر قريباً من هذه المدة الأمر الذي حدا بعبد الرحمن أبوعوف أن يفسر ويسبر غور هذه الظاهرة الإدريسية في بحثه القيم " دلالة الصمت "، وإن كان لصمت إدريس دلالة ما تقصاها عبد الرحمن أبوعوف في كتابه هذا فأحب أن أتقصي بدوري مغزي ودلالة صمتكم هذا:
هل هو مرحلة من التريث يلجأ إليها المبدع بالضرورة لمراجعة الذات والحكم علي الأداء ؛ لاسيما وقد قدمتم مراجعة أمينة لموقفكم من عبد الناصر مثلاً ؟
هل هو صيحة استنكار مكتومة احتجاجاً علي التدني الفاضح في مستوي القصيدة العربية لاسيما المصرية؟
هل هو إقرار منكم بعدم جدوي الشعر وفقدانه مصداقيته بعدما عجز أن يحتوي أزمة الإنسان العربي المعاصر الذي ينوء كاهله بآليات القمع والقهر والتعسف ؟
أستطيع أن أستبعد هذه التفسيرات الثلاثة برغم وجاهتها ومعقوليتها لأن يقدم أحدها تفسيراً لتوقفي عن الكتابة والنشر هذا الذي تسميه أنت صمتاً وهو ليس صمتاً في الحقيقة لا عن الكتابة ولا عن النشر ؛ أنا كنت ومازلت أكتب قصائد متفرقات ونشر بعضها في الأهرام ومجلة إبداع .أقول أستبعد هذه الأسباب التي ذكرتها لأنني مؤمن جداً بجدوي الشعر وفاعليته ومصداقيته، ثم المراجعة لاتبرر الصمت أنا أستطيع أن أراجع بأن أكتب شعراً آخر مغايراً لا بأن أكف عن الكتابة .
أنا أظن وأتصور أن السبب الحقيقي وراء توقفي أو صمتي هو انصرافي لكتابة الأشكال النثرية التي لا تحتاج لتفرغ طويل، والحقيقة أنني لم أكتب بهذا الانتظام قط .لقد غادرت مصر إلي فرنسا عام 74 وما بين عامي 56 - 74 كنت أعمل محرراً في دار روز اليوسف ما بين روزاليوسف وصباح الخير فكنت أكتب الخبر الصحفي والتحقيق والمقال وينتهي دوري عندئذ فكان يتوفر لدي الوقت الكافي كي أقرأ وأكتب بلا عوائق فلما عدت من فرنسا للعمل في الأهرام بدأت مشكلتي مع الكتابة والنشر .وأنا عدت من فرنسا عام 1987 بعدما عرض علي الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام وقتها العمل في الأهرام .في ذلك العام كان قد رحل توفيق الحكيم عن دنيانا ورحل بعده حسين فوزي وعبد الرحمن الشرقاوي ثم وصلنا عام 1990 ليرحل لويس عوض ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس ولطفي الخولي فبات الأهرام خاوياً ولعل هذا ما أملي علي إبراهيم نافع أن يستكتبني وكتبت وكنت أكتب مقالاً يستغرق صفحة كاملة كتلك التي كان يكتبها زكي نجيب محمود أو عبد الرحمن الشرقاوي أو لويس عوض إلي أن حل إلي جانبي في ركن من الصفحة غالي شكري ثم أضافوا نعمات فؤاد فتقلص مقالي كثيراً لكني كنت في بداية عهدي بالأهرام أكتب مقالاً يستغرق صفحة كاملة. وأنت عندما تتصدي للكتابة لجريدة جادة ورصينة كالأهرام لابد وأن تكتب مقالاً جاداً ورصيناً يتفق وعراقة هذه المطبوعة فانخرطت بكليتي في هذه التجربة لاسيما وأن هاجساً كان يملؤني وقتها مؤداه أنني لابد أن أحتشد في مقالي ليكون علي نفس مستوي مقال عبد الرحمن الشرقاوي أو لويس عوض فلا يشعر القارئ الذي كان يقرأهم أنني دونهم .المهم أن هذه التجربة ابتلعت كل وقتي فما أكاد أفرغ من مقال حتي أشرع في آخر أكثر سخونة وإلحاحاً لأن هناك مئات الأسئلة والمشكلات والقضايا التي يجب أن تتناولها وتعرض لها وتبدي فيها رأياً .ومما زاد الطين بلة تشرفي برئاسة تحرير مجلة " إبداع " التي كانت تصدرها الهيئة العامة للكتاب قبل توقفها عن الصدور ولعلها كانت وحدها كفيلة بالتهام وقتي وشغل فراغي .والذين يعملون بالصحافة لاشك يقدرون متاعب وآلام هذه المهنة الشاقة برغم بريقها والتي لا تقبل منافساً ولا شريكاً فحالت بيني وبين الشعر الذي لا يرضي هو أيضاً منافساً ولا شريكاً .في البداية لم أكن أكترث لهذا كنت أظنها عارضاً وقتياً لا يلبث أن يزول أو علي الأقل أستطيع أن أوازن بين الصحافة والشعر ولكن راحت السنوات تمضي والأعوام تمر حتي مرت إحدي وعشرين سنة علي صدور آخر ديوان لي وأنا عموماً لم أكن مكترثاً ولا متلهفاً علي نشر ديوان في يوم من الأيام فقد كان يمر ست أو سبع سنوات بين كل ديوان والذي يليه. علي كل حال هذا قدري وأنا راض به وقانع .خسرت أنا لاشك وخسر الشعر- ربما - لكني راض مطمئن .وأري كأني لم أنقطع فهذه السنوات العشرون لم تذهب هباءً في كتابة بضعة مقالات وحفنة سطور لقد أنجزت فيها عشر قصائد وبضعة أبحاث ودراسات أدبية ونقدية فضلاً عن أن الوقت الذي يمر دون نظم لا يمر دون قراءة الشعر والتفكير فيه ومعايشته بكل مفرداته .علي كل حال أنا لدي الآن ديوان جديد أعده للنشر بعنوان " طلل الوقت " يضم قصائد " أيام أمي - طلل الوقت - الكروان ( إلي العقاد ) - شفق علي سور المدينة ( إلي فرج فودة ) - نحت - الساعة الخامسة مساءً ( إلي نجيب محفوظ عقب محاولة اغتياله عام 1994 م ) - خارج الوقت - قصيدة عمودية إلي أمين نخلة في ذكراه العشرين وقصيدة أخري لطه حسين " وغيرها. أعكف حالياً علي وضع اللمسات الأخيرة في بعض هذه القصائد حتي يكتمل الديوان ثم أدفع به إلي المطبعة فوراً ليصدر هذا العام إن شاء الله ولكن اعطني وقتاً .اعطني وقتاً أعطك قصيدة .. أنا أستطيع أن أستدعي الشعر في أي وقت أشاء فما علي إلا أن أجلس إلي مكتبي وأن يكون لدي وقت كافٍ وعندئذ لابد أن أكتب قصيدة .
وتأتيك القصيدة !
وتأتيني القصيدة وهناك ألف موحٍ لكن من أين لي بالوقت الذي يسعفني .إنك لو سألتني اليوم عن أعز أمنياتي لقلت لك علي الفور: أن أحصل علي إجازة لأزور قريتي وأمكث فيها ولو شهراً واحداً كي أكتب سيرتي الذاتية .
أنت كتبت سيرتك الذاتية بالفعل " الشعر رفيقي " ؟
لا .الشعر رفيقي ليست سيرة ذاتية بالمعني المعروف ؛ هي الخطوط العريضة والملامح العامة لسيرتي الذاتية فقط .
أخيراً: أود أن أقول إن " أشجار الأسمنت " هو أفضل دواوين أحمد عبد المعطي حجازي .
إن كان هذا هو رأيك فلا شك أنه صحيح علي الأقل من وجهة نظرك، ولعلي أتفق معك في رأيك هذا فأنا راض تماماً عن هذا الديوان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.