تتشابه تفاصيل حياة يوسف تادرس مع عموم المصريين. عبر مراحل العمر, أحلام وأمنيات تؤمن أنك قادر علي تحقيقها. واقع مرير ينتف كل يوم ريشة من جناحي أملك وعزيمتك. لا تعبأ ولا تهتم, تخاطب نفسك مؤكدا, لدي ريش كثير. تتنوع أحلامك بين مسكن, وحب, وعمل, ومال. لا تدرك بعضها, وتحصل قدرا يسيرا من بعضها. الحب الأول. حلمك ببنت الجيران أو بنت أي حد. حسك بالرجولة وحسها بالأنوثة. إضافتك لتفاصيل تجعل مستقبلك أكثر إبهارا. حلمك بالسفر معها إلي بلاد لا يعرف لسانها اللغة العربية, أو في أضيق الأحوال العمل في بلاد تتوضأ بالنفط. الجري خلف الدروس ونسيان دور المدرسة. العودة ذات مساء ماطر وصدمة الزغاريد تنطلق من شرفات منزلها بينما تركب مع خطيبها السيارة الفارهة. نظرتك لملابس أنيقة خلف الزجاج, ولسيارة تتوهج ألقا خلف الزجاج. وقوفك محاصرا بين ضيق ذات اليد وحلم مراوغ يأبي الاستئناس. لماذا يختبئ كل ما تتمني خلف الزجاج. سباقاتك اليومية مع الموظفين والعمال والطلبة خلف سيارات الأجرة. وقوفك محشورا مدحورا في أتوبيس نسي سائقه وركابه الزمن, وصار موعد وصوله حسب التساهيل, في شوارع لا تعرف النظام. تنقب عن طريق مرصوف تحفه الأشجار والزهور, وحيرتك أمام شوارع لا يتوقف فيها الرصف والحفر فتعتقد أن الرصف تمهيد للحفر. شارع مشوه, يذكرك بشوارع حلب إثر قصفها الملح بالطائرات, ومواطنون اعتادت عيونهم ونفوسهم أكوام القمامة. ترسم وجوها, أشجارا, أنهارا. تجري أصابعك بالقلم الفحم علي الورق الأبيض ببراعة. تتسرب ملامح وروح الأشكال المرسومة إلي الورق. تسمع بعض كلمات الإعجاب. تعرض ما رسمت علي الأصدقاء, تتمني كلمة طيبة. يمطون شفاههم. يضيقون عيونهم. يحركون رؤوسهم يمينا ويسارا. تستنتج رأيهم. تخسف بك كلماتهم إلي سابع أرض. تقرر أن تكف عن الرسم. تمزق لوحاتك وتكسر أقلامك. تشعر أنك أخف وزنا. تمضغ الحسرة وتظن أنك صرت ملاكا نورانيا. تبحث عن حقك فيصدمك الخلاف علي الوظائف والميراث. العشم في أن حقك لن يضيع. إيثار الصمت مع أولاد الأصول وتحاشي الدخول في نزاع. إظهار الرضا بما فرضوه من قسمة. تنتظر من يضع يده علي كتفك ويقول لك, طول عمرك عاقل, لكنهم يمضون وعيونهم تتحاشي عيناك, فتعرف أنك طول عمرك غافل. بحثك عن السند في زياراتك لأولياء الله, الحسين, السيدة زينب, السيد البدوي, أو حتي مار مينا, أو البابا كيرلس. حاجتك للرعاية. أن تضع نفسك في حضن أحد منهم. تستشعر معه الأمان, تهرع إليه في الضيق, تبثه همومك, تستأمنه علي أسرارك. وسط كل هذا, تواجه الواقع بإمكاناتك البسيطة المحدودة, ثقتك في قدرتك علي الفوز في النهاية, قد تخسر بعض الجولات الأولي, فتعزي نفسك. ما زال يقينك صلبا لا يلين. لكنك يوما بعد يوم, وأمام قهر الواقع, تتراجع شيئا فشيئا. تجد نفسك في مكان غير المكان. وزمان غير الزمان. ولغة غير اللغة. تعيش الحلم صحوا ونوما, توقظك أصوات وضحكات خشنة, فتلوذ بوحدتك. تبدو غريبا حتي علي نفسك. تزعجك أقل الأصوات, تستشعر أنك تحولت إلي كائن من بللور رقيق, يكسره الماء الساخن والبارد, ولا يتحمل أن يمسه أحد. يوسف تادرس هو رمز لهؤلاء المهمشين الذين يتمنون ولا يصلون, يطلبون ولا يسمعون. وجعهم واحد حتي وإن اختلفوا. يعيشون في صمت, ويرحلون بلا صوت. حكايات يوسف تادرس دونها عادل عصمت في رواية حملت ذات الاسم واستحق عنها جائزة نجيب محفوظ2016 والتي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة.