الاتحاد الأوروبي الذي نعرفه اليوم عمره25 عاما; ففي فبراير عام1992 قرر12 عضوا في المجموعة الأوروبية الانتقال الي مرحلة أخري من العلاقات بينهم, وهي العلاقات الاقتصادية التي بدأت منذ عام1957 مع إنشاء السوق الأوروبية المشتركة, للدخول في اندماج سياسي وتجاري وقانوني وعسكري ومالي أعمق كثيرا. وهكذا تم توقيع اتفاقية الاتحاد الأوروبي في مدينة ماستريخت بهولندا, لتعرف فيما بعد باتفاقية ماستريخت. ولكن بعد25 عاما, أين نحن من الاتفاقية الأصلية أو روح الاتفاقية؟. لقد مرت العلاقات الأوروبية بأكثر من مرحلة في الفترة ما بين عام1957 حتي1992 فتوسعت من6 الي12 عضوا, وتحولت من وحدة اقتصادية فحسب الي المجموعة الأوروبية لتضم علاقات أوسع سياسيا وقضائيا. وأخيرا وبناء علي رغبة العديد من الدول الأعضاء للانتقال الي علاقات أعمق, تم إقرار الاتفاقية الجديدة في عام1992 لخلق اتحاد أوروبي أقوي من خلال توحيد العملة الأوروبية وإلغاء الحدود بين الدول الأعضاء لتحرير انتقال البشر والمنتجات, ووضع سياسة خارجية وأمنية موحدة, وسياسة داخلية وقضائية موحدة, وتعاون عسكري أكبر. علي مدي25 عاما تغير شكل الاتحاد الأوروبي كثيرا. فقد اعترضت بعض الدول علي الاندماج الكامل بينهم, مثل بريطانيا, التي رأت أن هناك مجالات تدخل ضمن السيادة الوطنية ولا يحق اتخاذ قرارات بشأنها علي مستوي الاتحاد, فامتنعت عن الانضمام الي العملة الموحدة وكذلك امتنعت عن فتح حدودها لتحرير الانتقال بين القارة الأم والجزر البريطانية. وعلي مدي تلك السنوات توسع الاتحاد ليضم دول أوروبا الشرقية التي تخلصت من النظام الاشتراكي الذي كان يربطها بالاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية لتضم28 دولة. ولكن الروابط اختلفت ما بين كل دولة والاتحاد, فهناك دول رفضت الانضمام الي العملة الموحدة أو فتح الحدود, وهناك تفاوتات كثيرة في المستوي الاقتصادي بين دول الكتلة الشرقية والدول الغربية الأصلية, كما أن هناك بعض الدول التي انضمت الي العملة بدون الانضمام الي الكيان الأوروبي نفسه مثل سويسرا. لم تتمكن بعض الدول من الاستمرار بنفس المعايير التي وضعتها الاتفاقية خاصة بعد الأزمة الاقتصادية والكساد الكبير الذي ضرب القارة العجوز في بداية الألفية والذي استمر من عام2007 الي عام2009, ثم التباطؤ الاقتصادي الذي لحق بها مع الأزمة العقارية الأمريكية. ومر الاتحاد الأوروبي في ظروف اقتصادية صعبة تطلبت اتخاذ إجراءات حاسمة, مما أدي الي تعميق الانقسامات بين الدول وانعكس ذلك علي المشروع السياسي أيضا. فكانت أسبانيا ثم اليونان من الدول التي عانت اقتصاديا كثيرا, ووصل الوضع في اليونان الي أن باتت علي وشك إعلان إفلاسها وهددت بالفصل من الاتحاد إن لم تتخذ إجراءات تقشفية حاسمة. من جهة أخري بدأت الروابط بين الدول تتفكك خاصة بعد أن اختار الناخب البريطاني في استفتاء عام الانفصال عن الاتحاد, وهو ما عرف باسم بريكست, وهو ما قد يفتح الطريق أمام دول أخري للانسحاب منه أيضا. فأين نحن الآن من الاتفاقية التي وقعت عام1992 وتحمل الكثير من الأمل في العمل معا وتنشر فكرة العولمة وفتح الحدود وانتهاء نظرية القومية والانغلاق علي الذات؟ لقد دارت الدوائر وسوف تغلق علي النفس المشهد الذي بدأت عنده: القومية والانغلاق. إننا اليوم نشهد علي ارتفاع صوت اليمين المتطرف في الكثير من الدول الأوروبية, فبعد استفتاء بريطانيا نجح دونالد ترامب في الولاياتالمتحدة, وتصاعدت شعبية الحزب اليميني المتطرف في فرنسا, وشهدت ألمانيا تزايد المشاعر القومية وضد الهجرة بين مواطنيها. فتري الي متي يمكن للاتحاد الاوروبي كفكرة أن تستمر؟