علي عكس المستهدف, أسهمت عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف إلي المزيد من التقارب الروسي التركي, وابتعاد تركيا خطوة جديدة عن التنظيمات الإرهابية, وهو ما عكسه البيان الصادر عن اجتماع وزراء خارجية ودفاع كل من روسياوتركيا وإيران في موسكو الثلاثاء, والذي وضع محاربة الإرهاب في سوريا علي رأس أولويات الدول الثلاث, وإدراج جبهة النصرة في قائمة المنظمات الإرهابية, وهو ما كانت تتجنبه تركيا, التي كفت عن المطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد, الذي تعزز موقعه بعد الانتصار الكبير في حلب. اجتماع موسكو الثلاثي يعد نقطة تحول مهمة في مسار الصراع في المنطقة, خاصة في سوريا, وشهد أول لقاء بين أهم الدول المؤثرة علي الساحة السورية ليضع خارطة طريق لحلها, والاجتماع غابت عنه الولاياتالمتحدة, التي تراجع تأثيرها كثيرا علي مجريات الأمور, خاصة مع تأزم علاقتها مع تركيا, التي تعد أهم وأوسع بوابات التدخل الأمريكي, وجاءت الأزمة بعد إعلان واشنطن أنها سوف تدعم أكراد سوريا بأسلحة متطورة, وهو ما رأته تركيا خطوة معادية, تشجع الأكراد علي الإستقلال, وتهدد وحدة تركيا, ليستمر الاندفاع التركي باتجاه روسيا, التي عقدت معها عدة اتفاقيات اقتصادية ضخمة, أهمها خط أنابيب السيل التركي, الذي يزود جنوب أوروبا بالغاز الروسي عبر الأراضي التركية, وثانيها إنشاء محطات نووية لانتاج الكهرباء. ويشكل حادث اغتيال السفير الروسي قوة دفع إضافية للعلاقات بين البلدين, والتي رأت كل من موسكووأنقرة أن علاقاتهما المتنامية هي المستهدفة, وتوعدا باتخاذ إجراءات عقابية مشتركة ضد الجهة المتورطة فيها, وتشكيل فريق أمتي مشترك للتحقيق في الحادث. وكانت تركيا قد تعرضت لعمليتين إرهابيتين قبل أيام من الحادث, استهدفتا الشرطة التركية, وتبدو عليهما بصمات الجماعات الإسلامية المتطرفة, التي تستخدم عادة الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة, وإن كانت حكومة أردوغان مازلت تلقي بالاتهام علي فتح الله كولن المقيم في أمريكا, لكنها لا يمكن أن تغمض أعينها عن الخطر القادم من التنظيمات الإرهابية في سوريا, والتي تلقي باللوم علي تركيا ودول التحالف الأمريكي بأنها تخلت عنها في معركة حلب, وهو ما يشير إلي احتمال وقوع المزيد من العمليات الانتقامية لهذه التنظيمات في تركيا وأوروبا والدول العربية التي اعتقدت أنها ستواصل دعمها؟ يشعر الرئيس التركي أردوغان أن إجادة اللعب علي كل الحبال لن تسعفه طويلا, فهو يواجه تحديات كبيرة, فأوروبا أدارت له ظهرها, والاقتصاد التركي يتراجع بسرعة, والعمليات الإرهابية تتسارع وتيرتها, والخيارات تضيق أمامه, وإن كان ينتظر اتضاح موقف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ليحسم توجهات تركيا, خاصة أن ترامب أكثر تشددا تجاه الإرهاب, وأكثر انفتاحا علي روسيا من أوباما, وهو ما قد يتيح أن يظل علي مسافات متقاربة بين روسياوأمريكا, لكنه لا يستطيع الإبقاء علي علاقته مع الجماعات الإرهابية في سوريا, السرية منها والمعلنة, فقد حانت ساعة الخيارات التي لا مفر منها, ولهذا يتوجب علي حكومة أردوغان أن تحكم السيطرة علي الجماعات المتطرفة في سورياوالعراق, وسيمتد الموقف التركي إلي كل من جماعة الإخوان وكل من قطر والسعودية, حيث لا يمكنه الجمع بين التحالفين, أو علي الأقل سيضيق هامش المناورة أمام أردوغان, ولن يتمكن من إرضاء حلفائه القدامي, خاصة فيما يتعلق بتمرير الأسلحة والمقاتلين إلي سوريا, مما يزيد من اختلال موازين القوي لصالح التحالف الروسي الإيراني السوري, الذي بات قريبا من تحقيق انتصار شامل في العراقوسوريا, ويصبح اللاعب الأكثر تأثيرا علي مجريات الأحداث.