قسمات الزمن تحفر سنوات من الشقاء علي وجهها وندبات من أسي تضفي ظلالا داكنة تحت عينيها ونظرة خاشعة تتطلع بها إلي السماء مع أذان الفجر تكلم ربها صمتا بليغا.. إلهي أنت تعلم ما بي ولا يشعر بي أحد.. أفترش وشقيقتي العراء يدثرنا برد الشتاء تسترنا صفحة السماء بزرقتها دفئا وتعففا....! تتحامل علي قدميها المتهالكتين من غلظة النوم علي الرصيف وتدلف إلي مصلي النساء تتوضأ وتبدأ نهارها بالصلاة والدعاء أن يفك الله كربها.. أيام طويلة مضت بها وشقيقتها في العراء منذ أن طردتهما زوجة شقيقهما من منزله.....! بداية مأساة جميلة كانت عندما طلقها زوجها منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما ولم يمض علي زواجها منه بضع سنوات.. لم يتحمل وهنها والمرض المفاجيء الذي أطفأ وهج جمالها وأعجز شبابها بعد عدة محاولات للحمل فشلت وفشلت معها الكلي لتدخل جميلة في نفق مظلم طويل تلهث فيه علي المستشفيات تتجرع آلام الغسيل الكلوي.. تكتم آلامها صبرا وخوفا من مجهول يتربص بها كانت تقرأه في عيني زوجها الذي ضاق بها ذرعا واختنق من نفقات علاجها الباهظة وانعدام الأمل في أن تنجب له جميلة الولد الذي يحلم به ويرجوه من الدنيا. و صدق حدث جميلة في زوجها الذي ألقي عليها يمين الطلاق ضيقا وذرعا وعادت بأذيال الخيبة إلي بيت أمها التي كانت تعيش مع ابنها وزوجته وابنتها الصغري في شقة واحدة.. وتكوم اللحم كومة واحدة تطحنه الأيام حتي ماتت الأم وبقيت جميلة وشقيقتها الصغري في رفقة أخيها وزوجته.. سنوات تمضي وآلام المرض كما هي إلا من بقايا صحة تتعكز عليها للعمل هنا وهناك ومن بيت لبيت وشارع لشارع تسترزق ما يسد أودها من لقيمات جافة مرة وتدبر نفقات جلسات الغسيل الأسبوعية كي تتمكن من أن تواصل الحياة. و لكن القدر كان يخفي لجميلة مأساة أكثر مرارة تشقي فيها بلا مأوي فقد ضاقت بها زوجة شقيقها وطردها وأختها الصغيرة إلي الشارع وخرجت الشقيقتان إلي العراء لا قريب ولا صديق يأويهما.. لم تجدا غير الرصيف تفترشانه ليلا تلتحفان السماء والنهار يقضيانه بحثا عن لقمة العيش تدور بهما الدنيا وتطحنهما الأيام حتي زاد المرض علي جميلة وأعياها عن الحركة فقررت أن تأتي إلي الأهرام المسائي تطرق من خلالنا أبواب الرحمة لعل واحدا من أصحاب القلوب الرحيمة يرأف بحالها وشقيقتها ويقدم لهما يدا حانية تساعدهما في الحياة التي استوحشت بهما إلي حد القسوة ويسترهما في عراء الشتاء وصقيعه. تناشد جميلة أنور بيومي52 سنة الدكتور مصطفي مدبولي, وزير الإسكان أن يتسع صدره لمأساتها ويوفر لها مسكنا يسترها وشقيقتها الصغري وتقول: كنت أعيش عزيزة في كنف أمي وأبي بشارع كامل محمد عبدالله أمام نادي الأميرية ومات والدي وكبر شقيقي وتزوج معنا في البيت المكون من حجرة تحت بئر السلم عشنا فيها أنا وأختي الصغري وأخي وزوجته حتي طردنا إلي الشارع وأضافت جميلة إنها مريضة بفشل كلوي ولديها صمامان مسدودان في القلب وفيروس س أصاب الكبد وتشعر أن الأجل يقترب منها وتأمل في الستر في خريف عمرها وتتمني اليوم الذي يأتي فيه شاب ويتزوج من أختها الصغيرة حتي تطمئن عليها قبل أن تفارق الحياة.