لم يعد لدينا مناسبة واحدة لا يتم التشكيك فيها وفي مظاهر الاحتفال بها, حتي العيدين( الفطر/ الأضحي) لم يسلما من الطعن في طقوسنا وأسلوب احتفالاتنا خلالهما. أي ضحكة أو ابتسامة أو احتفالية لا تمر من دون تحريم وتجريم من قبل فتاوي التيار السلفي, حتي صارت حياتنا سواد في سوادا, لم يعد في أعماق الغالبية أي فرصة لراحة أو التقاط أنفاس تمكن من مواجهة صعاب الحياة اليومية بصلابة, وكأنهم يتفننون في سلب كل ما يمكن أن يمنحنا القوة والقدرة علي الاحتمال, ليغدو البعض ضعيفا هشا فيقع في براثنهم بسهولة ويسر. أما الكآبة والتعاسة والدموع في الأعين واليأس فلا فتوي فيهم, وتراهم هذه الجماعات حلالا في حلال, هكذا كتب الله علينا لعنة الأزمات الاقتصادية والتراجع الفكري والسلفيين في آن واحد. هذا نص ما نشرته أكثر من وسيلة إعلامية( تزامنا مع إعلان المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف, إقامة احتفالات بمناسبة المولد النبوي الشريف, ونصب الطرق الصوفية سرادق كبري بمحيط مسجد الحسين ابتهاجا بهذه المناسبة, تصدر فتاوي شيوخ التيار السلفي بتحريم الاحتفالات بهذه المناسبة, معتبرينهذه الاحتفالات بدعة يأثم فاعلها, ليس هذا فحسب بل يصل الأمر إلي تشبيه بعضهم حلوي المولد النبوي بالأصنام وآلهة قريش التي كانت منتشرة أيام الجاهلية). حينما يبلغ حد السذاجة أن نتصور عروسة المولد بزهوتها والفرحة التي تمنحها لكل صغيرة أنها تشبه اللات والعزة مثلا, فهذا يعني أننا علي شفا من الجنون والتخلف والاستهانة بعقول البشر, وماذا عن الحصان؟ هل يشبه خيول الجاهلية أم الخيول التي فتح بها المسلمون العالم؟ لو كانت عقولهم فارغة وسطحية, فالأولي أن يحتفظوا بما تتفتق عنه من أفكار لأنفسهم, بدلا من بعثرتها علينا واصابتنا بالغثيان. وبالمناسبة قد ذكر أحد من يطلق عليه دعاتهم, وما أكثرهم, أن من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. بناء عليه ارتياد سيادته لوسائل المواصلات بدعة, وسفره بالطائرة بدعة, وذهابه للأطباء بدعة, ورؤيته للتليفزيون بدعة وعليه أن يلتزم بذلك, ويعتزل العالم بكل ما فيه من بدع, ويريحنا من فكره وتفكيره وفتاويه التي يبثها عبر وسائل الاعلام التي هي مستحدثة وبالتالي بدعة. ومن هذيان لهذيان ومن جهل لأجهل فنجدهم يقولون: الاحتفال بالمولد مسألة والحلاوة مسألة, فالأولي حرام, والثانية حلال طالما لا ترتبط بطقوس دينية لذا قلت الأفضل شراؤها في غير أيام الموالد. كلمة احتفال أو بهجة أو سعادة هم مصدر تعاسة لهؤلاء السلفيين, سبحان الله أكل الحلوي ودخول الفرحة إلي البيوت ورسم البسمة علي وجوه الصغار في المواسم حرام, ولكن أكلها يوما بعدها أو قبلها حلال. هل يعقل أن تكون مشكلة بعض الناس مع الحلوي؟ العيب ليس عيبهم وحدهم, بل أيضا عيب وسائل الاعلام التي تصفهم بالدعاة السلفيين. والحقيقة لا نعلم إلي ماذا يدعون؟ لو كان إلي الدين وتعاليمه, فنحن لدينا الأزهر وعلماؤه ولسنا في حاجة إليهم, أم أنهم يدعون إلي السلفية؟ لو كان الأمر كذلك لماذا نحارب الإرهاب إذن, ما دمنا نترك من يظلمون الحياة من حولنا ويغلقون العقول ويحرمون أفراح القلوب يفتون ويدلون بدلوهم في مناحي حياتنا؟ حرموا علينا كل طقوسنا واحتفالاتنا, فماذا تبقي كي لا تكره الأجيال الجديدة نفسها؟ أزمات اقتصادية وفشل في الصحة والتعليم وبطالة تتفاقم وآمال تتسرب من بين أيدي الشباب, وحياتهم منذ الصغر محرم عليهم فيها أي بهجة, فماذا ننتظر منهم سوي الانفجار إما عبر المخدرات أو التطرف الديني؟