أهمية التعليم لا تحتاج لتأكيد منا, فهي حقيقة وواقع, فالأمم التي اهتمت بالنظم التعليمية, هي التي تقدمت ونهضت, وارتفع فيها مستوي دخل الفرد, وبالتالي مستوي معيشتهم, فالتعليم هو ركيزة الأمم في سباق الحضارة. وما صنع المصريون القدماء التاريخ إلا من خلال ثورة علمية, جعلتهم يبنون الأهرامات ويبتكرون فن التحنيط, ويتقدمون في علوم الفلك والرياضيات والطب, بالعلم لا تزال الحضارة الفرعونية من أهم حضارات التاريخ وأرقاها,وبدون العلم لم تكن الأهرامات إحدي عجائب الدنيا السبع, ويوم تغيب العلم عن ديارنا هبطنا إلي قاع التاريخ. وما أقوله عن تدهور التعليم ينطبق علي التعليم الأساسي والتعليم الجامعي, فحال جامعاتنا لا يسر عدوا ولا حبيبا.. التعليم المصري في كل مراحله تحول إلي تجارة وسبوبة لجمع الأموال, ولم يعد ضرورة أو استراتيجية للتقدم والنمو والنهضة.. تجار الخيش عندنا يمتلكون مدارس وجامعات, تحول التعليم الذي هو رسالة سامية إلي مجرد وسيلة لغسل الأموال. نعم في وسط هؤلاء هناك من هم يريدون بالفعل بناء صروح تعليمية حقيقية, ويهدفون إلي بناء أجيال صالحة متعلمة, تعشق العلم وتؤمن بأهميته في استعادة ريادتنا, وصنع تقدمنا, ولحاقنا بركاب التمدن, ولكن هؤلاء يعدون علي أصابع اليد الواحدة, وسط ركام الفساد التعليمي الذي تعاني منه مدارسنا وجامعاتنا, التي أصبحت في ذيل القائمة, بعد أن كانت منارات علم مشهود لها. وعندما نؤكد فساد وتخلف وانهيار المنظومة التعليمية لا نلقي بكل اللوم علي أصحاب المدارس والجامعات الخاصة, وإنما معظم المسئولية تقع علي عاتق الحكومات المصرية المتعاقبة, وفي القلب منها وزارات ووزراء التعليم والتعليم العالي, الذين حولوا أولادنا وبناتنا علي مدي60 سنة إلي فئران تجارب, فالسياسة التعليمة هذه السنوات إلا قليلا, لم تشهد استقرارا, أو تسير علي استراتيجية واحدة, وإنما تبدلت وتغيرت الأهداف والمخرجات, تبعا لتغير من تولوا حقيبة التعليم. وقد أدي تغيير السياسات وقصور الأساليب إلي ما وصلنا إليه,هذا يناقض ذاك, كل يعمل في واد,حتي ساءت أحوال عناصر العملية التعليمية, تدنت مستويات المناهج, وتدخلت فيها الأهواء, بل شوهت حقائق التاريخ,وهانت فيها أقدار المعلمين وانخفض مستوي تأهيلهم لأقدس مهنة في التاريخ, ولم يعد المعلم رسولا, بل اصبح هو الآخر تاجرا كما أصحاب المدارس التي تهاوت هي الأخري,فلم تعد سوي جدران بلا روح تعليمي قيمي. لهذا لم يعد غريبا أن تنتشر مدارس المشاغبين, وتنتقل عدواها من الشاشة والمسرح إلي الواقع التعليمي, زادت الدروس الخصوصية زيادة رهيبة, بل أصبحت سمة من سمات نظامنا التعليمي العام والخاص, من لا يأخذ درسا, لا يحصل علما, والمدرس الذي لا يعطي دروسا خصوصية يحتاج إلي إعانة اجتماعية, فقد اختفي نموذج المعلم الأب أو التربوي,وحل محله المدرس العداد الذي يقضي يومه بين مراكز الدروس الخصوصية, كاسرا عداده مثل سائق التاكسي,وفاقت شهرتهم شهرة الأطباء وأصحاب رءوس الأموال وكبار الفنانين. يبدأ حجز مواعيدهم بمجرد انتهاء امتحانات الثانوية العامة, ولابد علي أولياء الأمور أن يدفعوا مقدمات الحجز حتي يضمنوا لأولادهم وبناتهم مكانا في الدرس الخصوصي, حتي أصبحت المدارس خاوية علي عروشها, هجرها الطلاب الذين يلهثون بين درس وآخر, وكم سمعنا من تصريحات لوزراء التعليم يعلنون فيها حروبهم علي جنرالات الدروس الخصوصية, ولكنها لم تعدو أن تكون كلام جرايد.. قبل أن تحاربوا الإرهاب حاربوا مافيا التعليم.. أعيدوا للتعليم هيبته.. فهو البداية الصحيحة لمجتمع بلا إرهاب.