أنا رجل في منتصف الثلاثينات تزوجت من ثماني سنوات من إحدي قريباتي التي تبادلت معها قصة حب جميلة وسارت حياتنا هادئة لا ينغصها سوي تساؤلات بعض المقربين عن عدم إنجابنا, وكنا نسكتهم بأننا قررنا التأجيل رغم أن الحقيقة كانت هي أننا نتحرق شوقا إلي طفل يؤكد ارتباطنا ويمنحنا مشاعر الأبوة والأمومة, وبعد مرور عامين علي زواجنا. بدأنا رحلة البحث عن سبب عدم الإنجاب, وبعد مرور عام آخر كانت النتيجة قد اتضحت تماما وهي أن زوجتي عاجزة تماما عن الإنجاب, ومازلت أذكر ذلك اليوم البعيد الذي انهارت فيه زوجتي باكية بين ذراعي ترجوني طلاقها حتي لا تحرمني من الأبوة, وأذكر كيف طمأنتها إلي أنني لا أرغب في شيء في هذه الحياة إلا معها, وكيف عاهدتها علي أنني لن أتخلي عنها مهما كانت الظروف.. وكنت صادقا يا سيدتي في عهدي, فقد كنت أحب زوجتي ولا أري لي حياة بعيدا عنها, ورغم اشتياقي للأبوة إلا أنني لم أتخيل نفسي مع امرأة أخري, واطمأنت لي زوجتي وتفانت في إسعادي وكأنها تحاول تعويضي عما لم تستطع منحي إياه, وهدأت حياتنا بعد أن كف الجميع عن التساؤل وكأنهم يأسوا من تحقق الحلم, وانشغلت أنا بعملي وبزوجتي التي لا تدخر وسعا لإسعادي ومرت سنوات أخري. المشكلة يا سيدتي أنني في العامين الأخيرين ضبطت نفسي أكثر من مرة أرقب أطفال أقربائي وأصدقائي يمرحون ويكبرون من حولي وأسأل نفسي: هل كنت جادا عندما وعدت زوجتي بعدم التخلي عنها في يوم ما ؟ وهل كنت مدركا لحجم خسارتي ومستعدا لها ؟ وبدأت أشعر بالرعب من إجاباتي لنفسي حين اكتشفت أنني لم يعد لدي مانع في التخلي عن زوجتي مقابل أن أصبح أبا!!!. سيدتي: إنني مازلت أحب زوجتي, لكنني أشعر أن هذا الحب لم يعد كافيا لتعويضي عن حلم الأبوة الذي أصبح يلح علي طول الوقت حتي لاحظت هي وجومي وسرحاني لكن لا يخطر علي بالها سببه الحقيقي... فهل أتخلي عنها مقابل فرصة الأبوة ؟ أم سأكون نذلا وخائنا للعهد وظالما ؟ إنني حقا أريد مشورتك في هذا الأمر الذي لا أستطيع مشاركته مع المقربين الذين أعلم إجابتهم لمصلحتي سلفا.. فبماذا تشيرين علي؟. عزيزي الباحث عن الأبوة أهم سؤال تسأله لنفسك هو: هل ما زلت أحب زوجتي أم أني مستعد للمضي في حياتي دونها؟ هل حياتي ستكون أفضل بعد الانفصال؟ أستشعر بعض الندم من التزامك بالمضي في علاقتك معها بشروطها( ألا ترتبط بأخري لتحقيق الأبوة) وأنك لم تعد تطيق ذلك, كلماتك تقول إنك ما زلت تحبها لكن تدفق تلك المشاعر تغير تحت ضغط احتياجات أخري كالأبوة وعدم الرضي بما تمنحه هي رغم كل محاولاتها لسد العجز. دعني أتأمل معك مشوارك معها الذي بدأ بزواج عائلي ثم اكتشافك للعقبة بعد سنتين من الصفو والهناء, ثم اهتزاز مشاعر الاستقرار والسكينة ثم رغبتك فيما لا تستطيع الحصول عليه من زوجتك, فهل أنت تحبها هي أم تحب حياتك معها أي ما تمنحك إياه من حب ورعاية وخدمة وتفان لتعوض عجزا لا ذنب لها فيه؟ وقد قبلت وتنعمت في دفء تلك المشاعر والعطاء غير المشروط لكن من الواضح أن رغبتك في الحصول علي ما لا تملك هي لتعزيز موقفك المجتمعي والإحساس بأن لك ما لغيرك( أن عندك أطفالا زيك زي أصحابك, وهي رغبة مشروعة ومن حقك أن تنجب بل من حقك أن تستمر في علاقتك مع زوجتك بما يسمح لك بالرضي ويحقق لك التوازن النفسي والمجتمعي ودون الرضوخ لشروط لم تعد تطيقها ولكن. أليس لها نفس الحقوق؟ فهي أيضا لا ترغب في أن تنتمي للمجتمع نفسه كزوجة أولي عاقر مع زوجة أخري تمنحك الذرية, ومعها كل الحق في هذا الخوف الفطري ولكن فعليا لك القرار فيما ترغب وأنت في ريعان شبابك وأوج عنفوانك لتصبح أبا إذا ما تأتي لك ذلك. والسؤال: إلي متي ستنتظر مواجهة زوجتك التي بدأت ملاحظة وجومك, بحقيقة مشاعرك وتحولها لعدم الرضي بحالكم بلا إنجاب؟ لماذا لا تعطي لها الفرصة لمراجعة موقفها من هذا الشرط فربما فاجأتك بحلول عملية أو واقعية تعفيك من هذا الصراع بحثا عن قرار لا ترغب أن تكون فيه ظالما ولا مظلوما ؟ ثم تسألني هل أتخلي عنها مقابل فرصة الأبوة ؟ ألا يوجد خيار آخر؟ ثم تسأل عن كونك نذلا وخائنا للعهد وظالما؟ ربما تكون كذلك فيما يخص عهدك مع زوجتك, لكن ماذا عن نذالتك تجاه نفسك والقبيلة ؟ أظن أنه لا مناص من مواجهة زوجتك بالمشكلة وبرغبتك في إيجاد حلول ترتضانها بما يكفل حقوقك المعنوية والنفسية والبيولوجية والاجتماعية, ولها بالمثل, ولا أنصحك بالانفراد بالقرار ومواجهتها بالنتائج لأن ذلك قد يزيد الطين بلة إلا إذا اتخذت قرارك بالمضي بسفينتك نحو ما ترغب ضاربا عرض الحائط بقارب زوجتك, وفقك الله للعدل والإنصاف لك ولها.