تخيل نفسك مكان الفنان احمد زكي في فيلم معالي الوزير عندما جسد قصة الوزير الفاسد عندما سجل في إقرار ذمته المالية أنه يملك5 ملايين جنيه, وحينما سأله البعض لماذا تدعي ذلك وأنت لاتملك شيئا؟ قال: بعد خروجي من الحكومة ان خرجت طبعا سأقدم براءة ذمة مالية من وظيفتي, وسأثبت لهم أني دخلت وبرصيدي5 ملايين جنيه واليوم لا أملك سوي4 ملايين. أي انه أنفق علي الحكومة من جيبه, وبذلك يحمي نفسه من المساءلة. ربما يكون هذا السيناريو الذي كتبه لشخصية معالي الوزير الكاتب وحيد حامد مافعله بعض الوزراء وكبار المسئولين المتهمين بالكسب غير المشروع,لكن يبقي السؤال حول ما إذا كان إقرار الذمة المالية دليل براءة أم اتهام؟ يقول اللواء فاروق المقرحي رئيس مباحث الأموال العامة الأسبق إن إقرارات الذمة المالية بها كثير من الألاعيب والتحايل لمحاولة إثبات مشروعية ثراء هو في الأصل غير مشروع, مثل أن يبالغ المقر في إقرار ذمته المالية بوجود ثروة كبيرة نتيجة ميراث أو مضاربة في البورصة أو أراضي ارتفعت أسعارها, وربما يكون ليس لديه مايدعي ملكيته, وهو مايفعله كثيرون الآن للهروب من المساءلة, وكثير ممن يتولون وظائف كبيرة وينوون السرقة والكسب غير المشروع. مشيرا الي أن التحريات حول الكسب غير المشروع حول أي موظف أو مسئول لاتتم إلا بوجود تضخم ملحوظ في ثروته. يقول المستشار احمد الشلقاني رئيس جهاز الكسب غير المشروع السابق إن القانون يوجب علي المسئولين تقديم إقرارات الذمة رغم أنها كثيرا ما لاتكون صادقة, والإقرار اعتراف من مقدمها بثروته فهو حجة عليه وليس له, فما يكتشف من زيادة لم تكن معلومة يكون كسبه غير مشروع مالم يثبت مشروعيته. وأضاف: يلتزم بتقديم إقرار الذمة المالية كل العاملين في جهات الدولة التنفيدية والتشريعية والقضائية والشركات والهيئات التي تسهم فيها الدولة واعضاء ورؤساء النقابات المهنية والعمالية والجمعيات ذات النفع العام والجمعيات التعاونية والقائمين علي شئون الأحزاب وكذلك العاملون في الشركات المتعاقدة مع الدولة للقيام بعمل لها. ويتضمن إقرار الذمة المالية جميع البيانات المالية المملوكة للشخص هو وزوجته وأولاده لأنه في كثير من الأحوال يلجأ الخاضع لكتابة كثير من ممتلكاته لهم ليخفيها عن المساءلة. وتقدم الإقرارات عقب تولي الشخص وظيفة عامة أو عضوية المجالس النيابية او المحلية وعقب مرور5 سنوات وكل خمس سنوات تالية, ثم يقدم الإقرار في نهاية وظيفته. لكن القانون يعفي من تقديم الإقرار من تقل درجته الوظيفية عما يعادل خريجي الجامعات مثل الفراشين والعمال وغيرهم. فحص الإقرارات ويوضح الشلقاني أن إقرارات الذمة المالية يتم تقديمها الي رئيس شئون العاملين في الجهة التي يعملون بها ولإرسالها إلي إدارة الكسب غير المشروع لفحصها بواسطة هيئات الفحص والتحقيق لمقارنة كل إقرار بما سبقه من إقرارات وإذا وجد شبهة كسب غير مشروع فإنه يملك اتخاذ جميع اجراءات التحقيق بداية من تكليف الجهات الرقابية بالتحري عن ثروة المشتبه فيه واستجوابه أو القبض عليه والتحفظ علي امواله وذلك علي ضوء مايتوافر لديه من أدلة. إلا أن الأهم من تقديم الإقرارات فحصها فحصا جيدا من جهة مستقلة تتبع إداريا لجهاز الكسب لأن القانون الحالي يجعل الجهات الرقابية المكلفة أساسا بالتحريات والبحث عن كل من استغل وظيفته أو منصبه وحصل علي كسب غير مشروع من ورائها لا يتبعون للجهاز وإنما يتبعون الجهات الإدارية التي يعملون بها كوزير الداخلية بالنسبة لمباحث الأموال العامة ورئيس مجلس الوزراء بالنسبة للرقابة الإدارية.. وبالتالي القائمون بالتحريات لايتخذون أي إجراءات فيها إلا بعد الحصول علي الضوء الأخضر من رؤسائهم وليس لرئيس جهاز الكسب غير المشروع أو هيئات الفحص والتحقيق أي سلطات تسمح بمساءلتهم عن التقاعس عن تقديم الإقرار. فضلا عن إمكان مخالفة مايأتي بهذه التحريات من مجاملات للمتحري عنه تبعا لسلطانهم ونفوذهم, ويفسر ذلك أن كثيرا من قضايا الفساد والكسب غير المشروع الخاصة بكبار العاملين في الدولة لم تر النور إلا بعد ثورة25 يناير أما قبل ذلك فلم تكن ترد أيه تحريات عن هؤلاء الكبار للجهاز حتي لو طلب الجهاز إجراء تلك التحريات. استقلالية الجهاز وطالب الشلقاني بضرورة أن يستقل الجهاز وألا يتبع الرقابة الإدارية أو الداخلية ولا وزير العدل باعتباره أحد الأجهزة القضائية يتمتع باستقلالية القضاء وحصانته مشيرا إلي وجود إهمال إداري من شئون العاملين في جهات الدولة في إرسال إقرارات الذمة المالية لجهاز الكسب غير المشروع. وقال: إن القانون يعاقب رؤساء شئون العاملين الذين لا يقدمون إقرارات الذمة المالية وكشوف العاملين لديهم في مواعيدها بالغرامة بما لا يقل عن20 حنيها ولا يزيد علي500 جنيه كما يعاقب من يقدم معلومات غير صحيحة في الإقرارات بالغرامة100 جنيه إلي ألف جنيه أو بالحبس من اسبوع حتي3 سنوات. وأضاف: القانون يعاقب علي الزيادة التي حدثت باستغلال المنصب أو الوظيفة أما ما يأتي من زيادة في ثروة الشخص نتيجة نشاط مشروع له مثل الإعارة للخارج أو النشاط الزراعي والتجاري والأعمال الحرفية, لكن يتعين عليه أن يثبت مصدرها. وطالب الشلقاني بضرورة تعديل قانون الكسب غير المشروع ليكون الهدف من القانون اقتلاع جذور الفساد والإثراء غير المشروع وضرورة أن يكون القائمون علي التحريات عن جرائم الكسب غير المشروع تابعين للجهاز مباشرة حتي يتمكن من متابعتهم وإلزامهم بأداء دورهم وصولا للحقيقة بشأن ثروات الخاضعين لقانون الكسب غير المشروع من مسئولين ووزراء. ثروة غير مشروعة يقول رجائي عطية المحامي بالنقض أن المتهم بالكسب غير المشروع عليه أن يثبت براءته من واقع إقرارات الذمة المالية بأن مالديه عن طريق مشروع مشيرا الي أن اقرارات الذمة الماليةمستندات سرية لا يجوز أن تكون موضوعات لبلاغات اتهام بالكسب غير المشروع, فقط يمكن لجهات التحقيق من خلالها تحريك الدعوي لافتا إلي أن ما يحدث في مصر الآن من اتهامات بالكسب غير المشروع مهزلة بسبب كثرة البلاغات وعدم جدية الكثير منها وربما يكون كيديا وقد تطال الاتهامات رجال أعمال ووزراء ومسئولين شرفاء. وطالب بمحاكمة أصحاب البلاغات التي يثبت عدم صحتها بتهمة البلاغ الكاذب, وعلي وسائل الاعلام نشر براءة المتهمين. وأضاف المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض أن مسئولية الكشف عن الموظفين الذين تكسبوا من وظائفهم تبدأ من جهاز الرقابة الإدارية المنوط به فحص تلك الاقرارات. مطالبا بضرورة وجو جهاز رقابة ضبطية قضائية وجهاز أمن نشط وقاضي تحقيق لا يخضع لضغوط وأن يكون المواطن من حقه تحريك الشكوي والتحقيق فيها وللأسف ما يتم الآن هو إلغاء قاضي التحقيق وأصبح من سلطة النيابة العامة وهي تتبع السلطة التنفيذية تتعرض لضغوطها وتفسد بفسادها. ويشير الدكتور سيد طه بدوي رئيس قسم المالية العامة والتشريع بكلية الحقوق جامعة القاهرة إلي أن فحص إقرارات الذمة المالية كل خمس سنوات يعد قصورا شديدا ويفتح الباب علي مصراعيه للمسئولين بالكسب غير المشروع فمن الطبيعي أن يحدث تراكم ثروات لدي أي موظف كل خمس سنوات وتصبح مبررا لكسبه وثرواته مما يصعب معها اتهامه, كما أن هناك إهمالا من البداية في فحص تلك الإقرارات من قبل الموظفين المختصين خاصة إقرارات الذمة المالية لكبار المسئولين. أضاف: إن إقرار الذمة المالية يشمل أكثر من5 ملايين موظف يخضعون لقانون جهاز الكسب غير المشروع وأنه خلال فترة ما بعد الثورة تم انتداب ما يقرب من188 مستشارا من رؤساء الاستئناف لفحص ما يقرب من مليون ملف ذمة مالية,, كما ان إقرارات الذمة تساهم في تيسير متابعة ثروات الخاضعين للقانون بشكل دوري, والكشف عن تضخم ثرواتهم وثروات أزواجهم وأولادهم القصر.