محمد: زوجتي تعاني حروقا من الدرجة الأولي و تحتاج علاجا باهظا تسلل محمد ذو الثمانية أعوام إلي المطبخ يبحث عن كوب ماء بارد, كان يوم صيف قائظ الحرارة, ذهبت أمه إلي السوق لشراء بعض الخضراوات لتعد طعام الغداء للأب الغائب في عمله منذ الصباح, السوق قريب وفي العادة يذهب معها للتسوق, لكن هذه المرة أشفقت عليه من حرارة الجو فتركته مع أخته التوءم, وفي المطبخ أخذ الصغير يعبث بمفاتيح البوتاجاز فتسرب الغاز ليملأ غرفة المطبخ الصغيرة وينذر بكارثة وشيكة الوقوع. عادت الأم تحمل ما اشترته من السوق, وضعته علي طاولة صغيرة وتناولت كوب ماء وشربته دفعة واحدة, كانت هناك رائحة غاز خفيفة وكان الشفاط المثبت في شباك المطبخ يدور بسرعة طاردا الغاز إلي المنور فلم تتنبه الأم إلي الخطورة المحدقة بها, غيرت ملابسها وعادت مسرعة لتجهز الطعام, أشعلت عود ثقاب, كانت كل عيون البوتاجاز بما فيها الفرن مفتوحة يخرج منها الغاز, ما إن اقتربت النار من البوتاجاز حتي انفجر في وجه الأم محدثا بها حرائق شملت الوجه والنصف الأعلي من الجسم, وتدمرت الشقة الصغيرة بالكامل. جذب الانفجار الجيران في حي الوراق الشعبي فتجمعوا ليستطلعوا الأمر ويقدموا المساعدة, اتصل بعضهم بالأب في عمله ليعود مسرعا, واتصل آخرون بالجهات المسئولة المطافئ والشرطة والإسعاف, وشارك الجميع في إخماد النيران المشتعلة في الشقة وإنقاذ الأسرة من الحريق, لحسن الحظ نجا الطفلان ولم تدركهما إلا إصابات بسيطة, أما الأم فالتهمت النيران وجهها وصدرها وبطنها وذراعيها, وحملتها سيارة الإسعاف بين الحياة والموت إلي مستشفي إمبابة العام. كان ذلك قبل خمس سنوات, كان هشام, الأب المنكوب, عاملا إداريا في شركة خاصة, يتقاضي راتبا بالكاد يكفيه وأسرته الصغيرة, وكانت زوجته المصابة في الحريق هي كل حياته, هي حبه الوحيد وزوجته الحنون وأم أولاده ورفيقة دربه, تزوجا قبل الحادثة بعشرة أعوام في شقة متواضعة بحي الوراق, لم يقدم لها مهرا كبيرا, ولم يقم لها فرحا يتحدث عنه الناس, لكنه قدم لها ما هو أغلي وأثمن, قدم لها قلبه وروحه وأتمنها علي حياته ومستقبله وأسرته, وكانت هي علي قدر المسئولية فتحملت معه الصعاب ودبرت حياتهما بما يتيسر من دخل, وكافأهما القدر بطفلين توءمين بعد عامين من الزواج, ولد وبنت, كانا رأسمال أبويهما وكنزهما الحقيقي. في مستشفي إمبابة العام قضت الأم المصابة ستة أشهر كاملة, تتلقي علاجا مكلفا لا توفره المستشفي وإنما يشتريه هشام من الصيدليات الخاصة بما لا يقل عن ألفي جنيه شهريا, ورغم الفقر والفاقة لم يبخل هشام علي رفيقة عمره بما تحتاج من علاج ونفقة, باع كل ما يملك واستدان من معارفه وأصدقائه ولم يتوان أبدا عن تقديم ما يتطلبه العلاج من تكلفة, لم يكن المال ما يهمه, ولا ما استجد من ظروف حياتية, ولا ما اكتشفه من إصابته بمرض مزمن, وإنما يشغله ويقلق باله صحة زوجته وحياتها وسلامتها. كان هشام, وهو يتبرع بالدم لإنقاذ زوجته, قد اكتشف إصابته بفيروس سي, أما ظروفه فقد أصبح بلا مأوي وقد تدمرت شقته, كما قامت الشركة التي يعمل بها بفصله عن العمل بعد أن اضطر للغياب لرعاية زوجته, وأصبح علي هشام أن يجد حلا لأربع مشكلات مرة واحدة, كل مشكلة منها كافية لتؤرق الرجل وتمنعه النوم, زوجته المريضة وكبده المصاب بفيروس سي وتدبير مأوي لأطفاله ولزوجته بعد خروجها من المستشفي وأخيرا إيجاد عمل يتكسب منه وينفق علي ما تتطلبه المشكلات الأخري من نفقات. خرجت الزوجة من المستشفي, لكن الأمر لم ينته, فقد كان مطلوبا لها إجراء عمليات جراحية تجميلية ولفصل الأطراف الملتصقة بالجسد نتيجة الحريق, وعلي مدار السنوات الخمس الماضية أجرت6 عمليات كلفت الكثير والكثير, بالإضافة إلي احتياجها لعلاج شهري يتكلف نحو2000 جنيه, ما بين مراهم وكريمات ومضادات حيوية ومسكنات للألم. وخلال هذه الفترة سعي هشام لعلاج كبده, وساعده أولاد الحلال بما استطاعوا حتي استخرج قبل أربع سنوات قرارا بالعلاج علي نفقة الدولة, وبالفعل حصل علي حقن علاجية لمدة ثلاثة أسابيع, أجري بعدها تحليل( بي سي آر-PCR) وكانت النتيجة صادمة, فقد زادت نسخ الفيروس في الدم من26 ألفا إلي أربعة ملايين نسخة في الملليمتر, وهو ما يعني أن استجابة المرض للعلاج أصبحت أقل, وكانت نتيجة الصدمة أن توقف هشام عن العلاج وأصيب باكتئاب حاد. ووجد هشام غرفة تسترهم في شقة أمه المتزوجة من شخص آخر بعد وفاة والده, ورغم الضيق والحرج اللذين يشعر بهما هشام وأسرته, بل ويعيشهما في كل لحظة, إلا أنه لا يملك بديلا, ولا يستطيع أن يعيش بأسرته في الشارع, فبقي في ضيافة أمه مرغما, متجرعا الذل صابرا علي الإحساس بالهوان. وبحثا عن مصدر رزق يقتات منه ويطعم أسرته ويكفل لها ولو جزءا من احتياجاتها, تقدم هشام بطلب للدكتور علي عبدالرحمن, محافظ الجيزة الأسبق, للحصول علي ترخيص بفتح كشك, لظروفه فقد حصل علي الترخيص بسهولة, لكن المشكلة لم تنته, فهشام لا يملك رأس المال الكافي لإنشاء الكشك وتوفير البضاعة, ليس مبلغا كبيرا, ربما تكفي10 آلاف جنيه, ولكنه لم يستطع توفيرها رغم حصوله علي الترخيص قبل أربع سنوات. يعيش هشام وأسرته مأساة متعددة الجوانب والزوايا, ورأي في عمره الذي لم يتجاوز السابعة والثلاثين ما لا يراه أصحاب المصائب في قرون طويلة, فقد أصيبت زوجته وحبيبته وتشوه جسدها نتيجة الحريق, لكنه لا يزال متمسكا بها, فعلاقتهما لم تكن أبدا علاقة جسدية فقط, بل تعانقت أرواحهما وتآلفت وستبقي مرتبطة إلي الأبد, كما هده المرض المزمن وهو لا يزال في شبابه وقضي علي آماله وأحلامه في المستقبل, وضاع كل ما يملك من حطام الدنيا في حريق شقته ونفقات علاج زوجته, وفقد عمله ولم يستطع أن ينشئ مشروعه الصغير, الكشك, ليتكسب منه ويجد قوت يومه. ماذا يريد هشام؟ يعلق هشام أمله في الله, يتكئ علي إيمان عميق وثقة في من خلقه ورزقه, يتسربل بالصبر والرضا, ويطمع أن ييسر له الله طبيبا إنسانا, يتبني حالة زوجته ويتابعها ويتكفل بها, فالعلاج الذي تحتاج إليه لا تغطيه قرارات العلاج علي نفقة الدولة لأنه مستورد, وأن يقيض الله له فاعلي خير, يمدون له يد العون ليجهز كشكه الصغير ببضاعة يبيع فيها ويشتري ويكسب قوت يومه وينفق علي طفليه ويلبي احتياجاتهما كما يرجو من اللواء كمال الدالي محافظ الجيزة التدخل ومساعدته في إقامة الكشك.