قالت الدكتورة نسرين البغدادي مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في حوارها مع الأهرام المسائي: إن تحقيق العدالة الاجتماعية يبدأ بتفعيل القانون علي الجميع ومصارحة الناس بالحقائق بلغة يفهمونها, معتبرة أن التعليم هو أولي خطوات الإصلاح كما أنه بمثابة الآلية المثلي لحدوث الحراك المجتمعي وكشفت أننا أهملناه لسنوات وتركناه يسير بقوة الدفع الذاتي ولذلك فإن إصلاحه يحتاج لسنوات. وطمأنت الدكتورة نسرين البغدادي الطبقة المتوسطة المصرية بأنها باقية ومستمرة في المجتمع المصري رغم الظروف الاقتصادية الصعبة, ودافعت عن المركز, وقالت: إنه يساير قضايا المجتمع بدليل دراسته الخاصة بالهجرة غير الشرعية واتهمت من يهاجمونه بأنهم من يتكسبون من القضايا التي يعملون عليها, واختتمت حوارها بقولها متفاءلة جدا بالمستقبل. وإلي نص الحوار: في البداية نريد التعرف علي آخر دراسات المركز وأبحاثه الاجتماعية والجنائية؟ المركز كمؤسسة علمية مستقلة ذات شخصية اعتبارية أنشئت عام1955 م وهو منوط بعمل الدراسات الاجتماعية لدراسة كافة القضايا التي تتصل بالمجتمع من خلال دراسات ميدانية تشمل عينات ممثلة للمجتمع من كافة الفئات العمرية ومن مختلف الشرائح الاجتماعية وأيضا من جميع الخلفيات التعليمية, وفي هذا الإطار دائما وأبدا تكون هناك خطة بحثية للمركز يعمل فيها علي تلبية كافة القضايا المستجدة علي الساحة في المجتمع ونربطها دائما بمتطلبات الجهات الرسمية المختلفة فأحيانا ما تطلب منا الجهات عمل بحث معين في قضية بعينها, كما أن لدينا في المركز ما يسمي بالنظام المؤسسي. وماذا عن هذا النظام؟ عند رسم الخطة يتم رسمها من أسفل إلي أعلي, أي بداية من الأقسام, فكل قسم يضع السياسة البحثية الخاصة به ثم ترفع إلي الشعبة وهي بمثابة كليات تضم العديد من الأقسام, فنحن نتعامل بقانون الجامعة ثم ترفع بعد ذلك إلي المجلس العلمي وبدوره يقر هذه السياسة وفي نهاية المطاف يتم إقرارها من مجلس إدارة المركز الذي تمثل به كافة الوزارات وذلك بغرض أن يكون هناك تواصل بين المركز وكافة مؤسسات المجتمع الذي بدوره يمكن أن يقدم مقترحاته, وفي نهاية العام تحدث الاستفادة من حصيلة عمل المركز ومنشوراته, وأيضا لدينا ما يسمي بالمرصد الإعلامي. وماذا تقدمون من خلال المرصد الإعلامي؟ نقوم من خلاله برصد كافة القضايا والمستجدات الموجودة في وسائل الإعلام, ونحرص علي ربط عمل المركز بكافة الخطط والإستراتيجيات الخاصة بالدولة وحاليا نرتبط بإستراتيجية2030 والتي تتواكب مع عمل المركز في المرحلة الثالثة من المسح الاجتماعي التي تتناول المرحلة التاريخية للفترة من2010 حتي2015 بكل ما فيها من تغيرات وأحداث, وهذا المسح يشمل جميع المجالات في أربعة عشر مجلدا تشمل المجال السياسي والمجال الاقتصادي ومجال الأسرة وسياسات الحماية الاجتماعية والأمن والتشريع والفن والسكان والإسكان. وماذا عن مؤتمركم القادم في هذا الشأن؟ المؤتمر القادم عن المسح الاجتماعي الشامل للمجتمع المصري, المرحلة الثالثة ونسميه الطريق إلي2030 والذي سيعقد في فبراير القادم, وفي العام قبل الماضي كنا قد أجرينا المسح الاجتماعي الشامل المرحلة الثانية الفترة من1980 إلي2010, وكانت المرحلة الأولي تغطي الفترة من1952 إلي1984, وحرصنا منذ المرحلة الثانية أن يكون المسح قراءة مستقبلية حيث نري كل ما صدر في هذه المجالات ونقرأها قراءة عرضية حتي ننطلق للمستقبل ونحدد ما ينفعنا لنستمر عليه ونبني عليه ونستبعد ما لا ينفعنا, وهناك مؤتمر آخر في أبريل المقبل توافقا مع عام المرأة سيكون عن قضايا المرأة, ونقوم حاليا بالعديد من البحوث في هذا المجال كما سيتم استعراض تراث المركز فيما يخص دراسات المرأة. أين يذهب هذا المسح ونتائجه وتحليلاته بعد الانتهاء منه؟ سنعلن النتائج في مؤتمر عام في فبراير المقبل وسيدعي إليه كافة الأكاديميين والتنفيذيين وكل من له صله بالمجال وما له علاقة بمحاور المؤتمر, وبالنسبة للمرحلة الثانية قمنا بتوزيع كافة المجلدات للجهات المختصة والمنوطة, فمثلا ما يتعلق بالصحة أرسلناه لوزارة الصحة ولجنة الصحة بمجلس الشعب والمجلس الأعلي للثقافة وهكذا, وكذلك هو ما سنفعله فيما يتعلق بمسح المرحلة الثالثة. وماذا عن إستراتيجية2030 وكيف تختلف عن إستراتيجيات الدولة السابقة؟ شاركنا بمجموعات بحثية في الإستراتيجية ونتفاءل بها, لأنها عندما طرحت من قبل رئيس الجمهورية في مؤتمر عام لكل مؤسسات الدولة لمناقشتها والتدخل فيها ووضع بصمة كل مؤسسة لكي تكون هناك سياسات قابلة للتطبيق بالفعل, ونحن في المركز كجهة علمية وفق قرار الإنشاء دورنا تبصير صاحب القرار فنقدم نتائج الدراسات والبحوث النابعة من المجتمع لأننا الجهة الرسمية الوحيدة التي لها حق البحث الميداني فننقل رأي المواطن البسيط لأعلي سلطة في الدولة وليس لنا علاقة بما يتم تنفيذه بعد ذلك, وبذلك ففي إستراتيجية2030 دورنا وضع روشتة لصاحب القرار وخارطة طريق لتنفيذها أسميناها( الطريق إلي2030) بتوصيات بماذا يمكن عمله للحصول علي النتائج المرجوة. ماذا تم بخصوص المشروع القومي للتعليم قبل الجامعي الذي كان يعمل عليه المركز؟ لدينا دراسات خاصة بهذا الموضوع ولدينا سلسلة من البحوث في مجال التعليم قبل الجامعي ودعونا نتفق أن إصلاح التعليم في مصر سيأخذ وقتا فالتعليم ليس مناهج فقط ولكنه مكان جيد يجلس به التلاميذ كذلك مدرس مؤهل بالإضافة إلي المناهج والأنشطة التعليمية المختلفة. هل المشكلة في الموارد المالية أو التمويل؟ لا, لكننا تركنا التعليم طوال السنوات الماضية يسير بقوة الدفع الذاتي دون أي تدخل في فترات سابقة فتكدست الفصول وانهارت الأبنية وأصبحت المدارس غير ملائمة لتلقي العملية التعليمية وتراخي أداء الطالب وأصبحت هناك أنماط مختلفة للتعليم لسنا ضدها لأنه من المفيد إتاحة هذه الأنماط لمن يرغب من القادر ماديا داخل البلد بدلا من السفر للخارج للحصول عليه لكن كان يجب مع إتاحة الفرصة لهذه الأنماط أن تحدث تقوية للتعليم الحكومي الذي هو الأساس لأن فكرة إهمال هذا الجانب هو الخطر بعينه. هناك طرح لفكرة إلغاء مجانية التعليم فهل تتفقون معه؟ لا, لأن التعليم لا يزال هو الآلية الوحيدة التي تحدث الحراك المجتمعي برغم كل مساوئه كذلك نحن مع استمرار عمل مكتب التنسيق لأنه الآلية الوحيدة حتي الآن التي تحقق مبدأ تكافؤ الفرص فجميع الطبقات بما فيها البسيطة تحرص كل الحرص علي تعليم أبنائها لأنهم يعتبرون أبناءهم الأمل في المستقبل ولذلك فأنا مع إتاحة التعليم للجميع والإبقاء علي المجانية ومكتب التنسيق مع الحرص علي رفع كفاءة وجودة التعليم. ماذا أحدثت الخمس سنوات الماضية في الشخصية المصرية؟ حدثت هزة أخلاقية أسقطت كل النماذج ونعاني من آثارها حاليا, فكانت لدينا مفاهيم مثل توقير الكبير والوقوف بجوار الضعيف ونتمثل الاحترام في كل المستويات, ولكن كان الغرض الأساسي الذي عمل عليه من كان يطمع في السلطة بعد25 يناير هو أحداث السيولة الأخلاقية بالسخرية والتطاول وإسقاط حاجز الخوف, وهو ما دفع بهروب كفاءات كثيرة للخارج وهي مسألة خطيرة, وعشنا بالفعل أكثر من عامين لم يكن فيها سوي الصوت الواحد لكن بدأت الأمور في الانضباط مرة ثانية, وسيكتمل هذا الانضباط بتفعيل القانون علي الجميع, وهذا أول معيار لتحقيق العدالة الاجتماعية, كما أنه بحدوث الاستهجان الاجتماعي لأي سلوك سيتراجع من يسلكه. هذه الاتهامات تطال الشباب أكثر من غيرهم, فهل هذا أحد أسباب الفجوة التي يشعر بها الشباب حاليا؟ صحيح أن الشباب هم من أخذوا المبادرة في25 يناير لأنه كان فاقدا لأي أمل في المستقبل فتحرك لإحداث الحراك الاجتماعي الذي استغله البعض واستغلت فئة من الشباب لم تكن واعية لهذا الاستغلال الذي حدث, ولكي نتخلص من هذه الفجوة الحالية لابد أن نبحث عن الموهوبين من الشباب ونقوم بتأهيلهم وإعطائهم الفرصة وهذا هو دور الدولة وإلا فإنها تظلمه فالمسألة ليست بسيطة وخبرات الحياة لها اعتبارها ولكي نوصل ذلك للشباب يكون من خلال مؤسسات منوطة بهم تقوم بتدريبهم علي أن تكون لديهم الرغبة للعمل والاطلاع والتدريب فالمسألة تحتاج لصبر وجلد. هل تعتبرين المؤتمر الوطني الأول للشباب الذي أقيم منذ أيام هو بداية من الدولة لتقليل هذه الفجوة؟ لا شك أن الاتصال المباشر بالشباب هو أقصر الطرق للوصول إلي كيف يفكرون, كما أن التواصل المستمر ما بين رموز الدولة والشباب شيء مطلوب لتقريب هذه الفجوة ولكن مطلوب أيضا أن يكون هناك تمثيل أوسع لشرائح الشباب وأن يكون هناك وصول للشباب الموجود في الريف والقري والمحافظات النائية وأن يكون هناك وصول لكافة الشرائح التعليمية وكل المستويات الاجتماعية, لأن ليس فقط الشباب المتعلم الذي يجيد التحدث بلغة الإعلام ويصل إليه هو الذي يعبر عن جموع شباب مصر. المركز متهم باهتمامه بقضايا جديدة علي حساب قضايا مثل أطفال الشوارع وعمالة الأطفال فما ردكم؟ بانفعال شديد.. هذا كلام غير صحيح, فمن أجري المسح الخاص بأطفال الشوارع هو المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية وقمنا بتحديد الرقم الفعلي لهم. ولكن هذا الرقم تحديدا أثار مشكلات واتهامات بأنه غير معبر عن واقع هؤلاء الأطفال؟ من أثار هذه المشكلة هم أناس مغرضون, كما أن هناك البعض ممن يتكسب من وراء هذه القضية, فالمركز حدد المفهوم بدقة وحدد الشريحة بدقة والعمل العلمي يختلف عن العمل الذي يبغي الشو الإعلامي, والمركز يعمل وفق الأساليب العلمية في تحديد من هم أطفال الشوارع والشريحة العمرية لهم وأماكنهم, وهناك تراث وأدبيات عالمية في هذا المجال تم الرجوع إليها, كما أن هناك تراثا في المجتمع المصري, فالمركز لا ينطلق من فراغ فالأطفال الأيتام في دور الرعاية الاجتماعية ليسوا أطفال شوارع وكذلك الأطفال المتسولون بمعرفة أهاليهم ليسوا أطفال شوارع فهؤلاء لهم أسر ويعودون إليها في نهاية اليوم ومن يعملون في ورش أهلهم ليسوا أطفال شوارع فطفل الشارع هو الطفل الذي ليست له أسرة ويبيت في الشارع أو له أسرة ويعود إليها علي فترات متباعدة ويتكسب من الشارع وينام فيه ولهم تجمعات معروفة. وما عدد هؤلاء الأطفال؟ أجرينا المسح في أكتوبر2014 وبلغ عدد هؤلاء الأطفال16009 أطفال في كل محافظات مصر وبالطبع تواجدهم يختلف من محافظة لأخري فهناك محافظات خالية من أطفال الشوارع مثل الريف المصري ومن لا يعجبه الرقم فليظهر رقما آخر فالنقد لابد أن يكون له أساس علمي. لماذا نعاني دائما من اختلاف الأرقام وعدم تشابهها من جهة لأخري؟ لأنه ليست لدينا دقة في الرصد ونحن في المركز نعتمد في أرقامنا علي الجهة المنوطة بالأرقام والإحصاءات في مصر وهي الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فهذا هو الجهة الرسمية. ماذا عن التقارير الدولية فيما يتعلق بالشأن المصري والموقف منها؟ عندما تلجأ لنا الجهات المنوطة بالرد علي التقارير الدولية تستند إلي بحوث المركز فلدينا سلسلة بحوث عن الاتجار بالبشر لجأت إليها وزارة العدل, وكذلك عندما تحدثت عن أطفال الشوارع لجأت إلي البحث الذي قام به المركز فالرد علي التقارير الدولية ليس دورنا, كما أن المركز يواكب القضايا الآنية, فقد بحث في قضية الهجرة غير الشرعية في وقت الأزمة الماضية ما يعني أنه مواكب للقضايا الحالية في المجتمع المصري ولم يتخلف عن دراستها. نعاني حاليا من ظروف اقتصادية صعبة وهناك مخاوف علي الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري فهل هذه الطبقة في طريقها للتآكل بالفعل؟ لا, فلا يمكن أن نقول إن الطبقة المتوسطة تآكلت لكن هناك شرائح عديدة من الطبقة العليا دخلت في شريحة الطبقة المتوسطة وهناك شريحة تحركت إلي الطبقة العليا وهناك في الطبقة المتوسطة فئات لم تتحرك لا بالصعود ولا بالهبوط وهناك فارق بين من يعيش بنمط معيشة معين حتي لو عاني اقتصاديا فلن ينتقل للعيش في العشوائيات مثلا فالمشكلات الاقتصادية أثرت داخليا في الطبقة المتوسطة وسيحدث نوع من أنواع التكيف بآليات معينة, فالطبقة المتوسطة باقية وطالما المجتمع المصري مستقر ومستمر الطبقة الوسطي من تقوم بالحفاظ عليه وهي قد اتسعت في شرائحها. الدولة متهمة بالبطء في تحقيق العدالة الاجتماعية لكن السلوكيات الفردية متهمة أيضا بالجشع والاستغلال؟ دائما وأبدا الاستغلال والجشع موجود في المجتمعات وطالما لا توجد رقابة صارمة ستستمر هذه السلوكيات, كما أن هناك أبعادا ثقافية في الشخصية المصرية تشجع علي الاستغلال وتسهم في تفاقم الأزمات فالمشكلة في الطرفين, كما أن لدينا علامات استفهام علي بعض وسائل الإعلام التي تؤجج المشكلات واصطناع عراك بين أطراف مختلفة وفي بعض الأحيان لا تتحري الدقة, وعلينا ألا نتعامل بأن صانع القرار شرير والباقي ملائكة فنحن بشر نخطئ ونصيب وعلينا جميعا أن يعمل كل منا بدوره في مجاله لكي نحقق ما نصبو إليه لمجتمعنا وهناك أجهزة تراقب وتحاسب. ما هي الروشتة التي تقدمونها لصانع القرار حاليا؟ المركز دائما وأبدا يواكب قضايا المجتمع فلدينا11 قسما كل منها يحمل هما من هموم المجتمع وبالتالي يقوم بالدراسات ذات الصلة لمتخذ القرار وهذا وعي من مؤسسي المركز, والروشتة حاليا تتلخص في قوموا بمصارحة الناس بلغة يفهمها المواطن البسيط لأن هذا هو السبيل لكي يتحمل وننجح.