إن المجتمع الإسلامي مجتمع مترابط ومتضامن ومتكافل, كالبنيان الواحد يشد بعضه بعضا, كما روي أبو موسي الأشعري, رضي الله عنه, عن النبي, صلي الله عليه وسلم أنه قال: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا رواه البخاري, أو كالجسد الواحد الذي إذا اشتكي منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمي والسهر, كما قال رسول الله, صلي الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد; إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي رواه البخاري. فالمسلم لا يعيش لنفسه وحسب, بل يتعدي نفعه وخيره لمن حوله, بل قد يقدم حاجة غيره من الناس علي حاجة نفسه رغم احتياجه لما يبذله, فقد يجوع ليشبع غيره, ويعطش ليروي سواه, ويتعب ليستريح إخوانه, ويشقي ليسعدوا, بل قد يموت في سبيل حياة الآخرين رغبة في رضا الله تعالي, فالمجتمع الإسلامي لا يعرف فردية أو أنانية وإنما يعرف إخاء صادقا, وعطاء كريما, وتعاونا علي البر والتقوي. وشر ما يصيب المجتمع هو التفكك وضعف الروابط بين أبنائه, فتغلب الأنانية والأثرة بين أفراده, فلا يذكر المرء إلا نفسه وينسي أخاه ويقول كل واحد: نفسي نفسي! ويقول كل فرد فيه: لي, ولا يقول: علي, ويبحث الجميع عن مصلحته الشخصية دون النظر إلي مصالح الآخرين. إذن لا بد أن يستشعر كل منا مسئوليته تجاه أفراد المجتمع الذي يعيش فيه, فالمسلم مفتاح من مفاتيح الخير, وسبب من أسباب الرحمات, يفرج الله به هموم المسلمين وكربات المكروبين, فما إن يسمع عن باب من أبواب الخير إلا كان سباقا إليه دون أن يطلب ذلك منه أحد, لا ينتظر جزاء من أحد, بل أسمي غايته رضا الله, فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله, صلي الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه, ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته, ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة, ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة رواه البخاري. فيا أيها المسلم, افعل الخير! وابذل المعروف! وقدم ليوم لا ينفع فيه دينار ولا درهم إلا العمل الصالح, فالكيس من جعل لنفسه عملا صالحا في حياته يستمر بعد مماته, فكم من أناس ما زالت حسناتهم من نصيحة كانت سببا في هداية إنسان أو عمل خيري كزرع شجرة, له أجر كل من جلس تحت ظلها, أو أكل منها, أو وضع مبرد ماء في مكان عام أو أسهم في تعليم يتيم أو مسكين أو في علاج مريض, ما زالت هذه الحسنات تأتيه في قبره, مستأنسا بها, وكم من أناس لا تتعدي ذكراهم أيام عزائهم, فمن يعش لنفسه ينته ذكره, ويندثر أثره بموته; ومن عاش للناس يبقي ذكره بعد موته ما بقي الناس. من علماء وزارة الأوقاف