الاقتصاد والسياسة هما توءمان متلاصقان, فليس بمقدور أحد أن يتحدث عن الاقتصاد بمعزل عن السياسة أو عن السياسة بعيدا عن معطيات الاقتصاد, زواج المال بالسياسة في مصر أمر معلوم بالضرورة, وأي فوضي تضرب الاقتصاد لابد أن يكون لها صدي في بيت السياسة, لذلك أخشي ما أخشاه أن تمتد الفوضي التي ضربت الحياة الاقتصادية, ويبدو أنها ستستمر لفترة لا بأس بها, في ظل العجز الذي تبديه الحكومة في هذا الملف, إلي الحياة السياسية, ومما يدعم هذا الأمر أن حياتنا السياسة متلصمة بالكاد, أو قل هي في حالة اهتزاز واضح, بعد توافق العديد من الأطراف الفاعلة داخل المشهد علي تجفيف الحياة السياسية, فلا أحزاب تعمل, والحريات لدينا بعافية, والدستور دخل إجازة مفتوحة منذ التصويت عليه ومجلس النواب علي الوضع الذي تعلمه, وتكاد تكون المؤسسة الوحيدة التي تتحرك في الشارع حاليا للتعامل مع الأزمة الاقتصادية هي القوات المسلحة التي توفر كراتين سلع غذائية بنصف الثمن توزعها علي الفقراء في القاهرةوالمحافظات,, وقد شعرت بالسعادة بتحرير سعر صرف الجنيه المصري,, بتعويم الجنيه, لأن قبل قرار تعويم الجنيه, كان الاقتصاد مجمدا, ولم يكن هناك تنمية بشرية لعدم تدرج العملة الصعبة. وكثيرون أغلقوا مصانعهم مما أدي لتسريب عدد كبير من العمالة, ووجود السوق السوداء, وعدم وجود سعر ثابت أدي إلي خسارة الكثيرين, وأثر سلبيا علي القطاع الاقتصادي والتصنيع والاستيراد, كما أدي إلي وجود تضخم في أسعار المنتجات,فلم تكن هناك شفافية. تحرير سعر الصرف سيجعل المستثمرين يقبلون علي الاستثمار لوجود شفافية, وسيعيد التحار والصناع نشاطهم المجمد, وسيكون هناك شفافية ومصداقية. وبالتأكيد سيكون هناك تأثير سلبي لأن المنتجات سيرتفع سعرها, لكن في المقابل سيساعد علي التصدير, لانخفاض سعر المنتج المصري, وبالرغم من ارتفاع سعر المنتجات, إلا أن هذا المناخ سيكون فرصة لزيادة الانتاج. وقد اعجبني رأي المفكر عماد اديب لسرده للوضع قائلا,, وإذا كانت لدينا درة اتخاذ القرار والبشر المؤهلون لاتخاذه فلماذا تأخر قرار تحرير الصرف منذ أن أعلن الرئيس أنور السادات سياسة الانفتاح الاقتصادي عامي1977, وإذا كانت لدينا القدرة علي اتخاذ القرارات الجاذبة للاستثمار الأجنبي والمستثمرين فلماذا تأخرت القرارات منذ أن دعا الرئيس حسني مبارك إلي جذب الاستثمارات الأجنبية في عام2000 ؟ من المؤلم ومن المؤسف أن يكون تاريخ مصر المعاصر هو تاريخ الفرص الضائعة والتاريخ المهدور في التردد وترحيل القرارات الأساسية والصعبة. الشيء الذي يكاد يفقدني أنا وغيري عقولهم هو تلك الازدواجية المخيفة في فعل اللاشيء وكل شيء في آن واحد؟ في القدرة علي السلبية المطلقة والإيجابية المطلقة من نفس جهة القرار كيف يمكن لنفس الشعب الذي ثار مرتين في أقل من3 سنوات وأطاح برئيسين ونظامين أن يفشل في مواجهة فساد صغار المواطنين في الإدارة المحلية المنتشرة في محافظات مصر؟ كيف يمكن للسياسة المالية والنقدية المصرية التي دعمت الجنيه مقابل الدولار ب25 مليار دولار أمريكي ذهبت في جيوب التجار والسماسرة أن تكون صاحبة ذلك القرار العظيم بتحرير سعر الصرفة كيف يمكن أن نبني الهرم منذ4 آلاف سنة ولا نستطيع أن نزيل صناديق القمامة اليوم ؟ كيف يمكن أن نحفر تفريعة قناة السويس الجديدة في عام ولا نستطيع ضبط الصرف الصحي في65 عاما؟ نحن نفعل الكارثة ونحقق المعجزة في نفس الوقت وبنفس الأشخاص! نفعل المستحيل المعجز ولا نقوم بالواجب السهل الممكن. إن أمر يكاد يفقد الإنسان عقله. إنها ازدواجية الشخصية المصرية التي حيرت العالم من المشرق إلي المغرب.. الإجابة: الإرادة بما يحكمها من وعي, ولقد تم التلاعب بالإرادة والنظام المجتمعي لفترات طويلة بوعي وبدون وعي وكان مخططا لمصر أن تسقط تماما بايدي ابنائها. سمات الشخصية المصرية أنقذتها من مصير في قمة القسوة, وأتوقع أن الأسبوع القادم والأشهر القليلة القادمة إن شاء الله سيتم تدريسها في مراجع العلوم المختلفة.