الكتابات النقدية التي أسهمت في تناول مسيرة فكر وحياة الدكتور طه حسين علي امتدادها تتجاوز ما كتب عن أي أديب أو مفكر أو روائي أو مؤرخ آخر في القرن العشرين, وذلك فضلا عما أحدثته تلك الكتابات القيمة من كيف متنوع أثري حياتنا الثقافية والفكرية حيث اتساع مساحة الاتفاق الواضح والاختلاف الحاد بينهما. ورغم هذا الكم وذاك الكيف أزعم أننا لا نزال في حاجة لأن نكتب ونكتب عن طه حسين بل لا نزال في حاجة لأن نستلهم مشروعه الثقافي والحضاري كما أسس معالمه. الغريب أننا نفاجأ الآن بكتابات ليست علي ذات الوزن أو القيمة النقدية الحديثة في شكلها ومضمونها رغم أنها تتناول شخصية لها بريقها المتجدد ووميضها الأخاذ دائما هي شخصية طه حسين. أقول لسنا في حاجة لأن يظهر لنا كتاب تؤكد كل سطوره وكلماته أن طه حسين كان بعيدا كل البعد عن أن يملي عليه أحد رأيا ولكنه كان دائما ماضي العزيمة نحو ما يريد دائما فتلك أولي البديهيات المعرفية عن عميد أدبنا العربي, وأعترف بأنني حين قرأت هذا الكتاب أحسست بالاغتراب البين بين ما هو مكتوب وما كنت في انتظار قراءته. نعم كنت في انتظار أن أقرأ عن طه حسين, فوجدتني أقرأ طه حسين ذاته بإيقاعاته الكتابية الهادئة ومضموناته الساخنة وعبثا بحثت عن المؤلف فلم أجده ماثلا داخل الكتابة, بل بحثت عن هدف الكتاب وفكرته بعيدا عن كاتبه فلم أجده أيضا وكيف ذلك والكتاب لم يظهر لنا إلا ليقدم بعض المجهولات عن طه حسين؟!! وقد استنكرت علي نفسي كثيرا بل ضقت بها أن تبحث عن هدف للكتاب وهناك غاية كبيرة يلتمسها هي أنه ينقل ما ينقل من حيز المجهول إلي حيز المعلوم, وتلك فضيلة في ذاتها لكن مع الاسترسال في قراءة صفحات الكتاب لم أجد أمامي,, إلا اعترافا قاطعا من المؤلف بأنه قد جمع هذه المقالات من أعداد جريدة الجهاد الصادرة في الثلث الأول من القرن الماضي أي أنها مقالات معلومة نشرت من قبل في جريدة سيارة فكيف نتعامل مع المعلوم كمجهول؟! وإذا كانت هناك ظنون وهواجس قد ساورت المؤلف وأخذته نحو أن يعتبر المعلوم مجهولا بالتالي فنحن في حاجة ملحة لأن نستوضح مفهومه عن المجهول؟! حتي يستطيع أن يعصم نفسه من قوة النقد وعنت النقاد. ولنؤكد للمؤلف خطأ ظنه وعبث هواجسه ولنطرح أمامه يقينا أن تلك المقالات المنشورة في كتابه قد نشرت ثانية بعد الجهاد في دراسات نقدية أدبية وأكاديمية كثيرة. وليت المسألة قد وقفت عند هذا الحد بل إننا وجدنا المؤلف وقد أخذه الزهو بنفسه والثقة المطلقة في رأيه وفكره حتي أنه قد بلغ بهذه الثقة أن يتجاوز طه حسين ويدخل عليه ما ليس له ويقحم عنوانا علي كل مقالة من تلك المقالات.. عنوان لا يتماشي بحال مع السياق الكتابي أو النسق الفكري للعميد بل لا يعبر تعبيرا دقيقا عن فحوي تلك المقالات, ولعلنا نذكر أن العميد كان متحفظا مقلا في اختيار كلمات تحمل عنوانا لمقالاته بل إنه كان يؤثر متعمدا ألا يزيد عنوان المقال علي كلمة واحدة!!