أن الاحتكار المحظور في الشريعة الإسلامية هو: حبس أي شيء تشتد حاجة الناس إليه, ويستعملونه في حياتهم, ويتضررون من حبسه عنهم, ويستوي في ذلك أن يكون ذلك الحبس نتيجة شراء أو اختزان, وأن يكون الشراء في مصر أو غير مصر, وأن يكون ذلك الشيء طعاما أو غير طعام, ويشمل ذلك ما اشتراه في وقت الرخص; ليرفع سعره, ويغليه علي الناس عند الضيق والاحتياج, وهو ما يتفق مع قول أبي يوسف: كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار, وإن كان ذهبا أو ثيابا. والإسلام يحارب الاحتكار لما فيه من إهدار لحرية التجارة والصناعة, وتحكم في الأسواق يستطيع معه المحتكر أن يفرض ما شاء من أسعار علي الناس, فيرهقهم ويضاربهم في معاشهم وكسبهم, فوق أنه يسد أبواب الفرص أمام الآخرين ليعملوا أو يرتزقوا كما يرتزق المحتكر, ويقتل روح المنافسة التي تؤدي إلي الإتقان والتفوق في الإنتاج. وقد رأينا بعض المحتكرين يلجأون إلي إتلاف فائض إنتاجهم لرفع الأسعار, كما حدث في البرازيل, عندما أحرقت أطنانا من البن بينما الملايين لا تجد حاجاتها منه, وكم رأينا صيدليات تحتكر الأدوية, وتمنعها عن المرضي الذين يعانون آلام أمراضهم; دافعها إلي الاحتكار الجشع والسعي وراء كسب حرام, والاتجار في آلام البشر الذين يموتون في سبيل أن تزيد أرباح المحتكر. إن الاحتكار جريمة ضد الإنسانية تستوجب الطرد من رحمة الله; ولذلك قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم-:(( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)); لأن المحتكرين- كما يقول جون آيز, أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية- تائهون في مطاردة المال الذي يجب أن يكون الوسيلة إلي الحياة الطيبة, لا غاية في ذاته, حتي نسوا الغاية وأمعنوا في التعلق بالوسيلة. إن الاسلام نبذ الاحتكار وحرمه فلا يعقل أن يستأثر شخص أو شركة بالتحكم فيما سيأكله الناس أو ما هو ضروري لحياتهم, وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال في الحديث الذي رواه ابن ماجه: من احتكر علي المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس. ولأن الإحتكار يهدد كيان الدولة فإن وضع القوانين الصارمة لمواجهته يعد أساسيا لخلق توازن في الأسواق وإبعاد فكرة السيطرة عن السوق وتضخم الثروات الفردية علي حساب الطبقة الكادحة. من علماء وزارة الأوقاف