يقول الدكتور اسامة الشيخ بكلية الشريعة والقانون بطنطا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية, والشافعية, في الأصح, والحنابلة والظاهرية إلي تحريم الاحتكار, بينما ذهب بعضهم إلي كراهته, ويمكن أن نستدل علي تحريم الاحتكار بأدلة كثيرة, من الكتاب والسنة وآثار الصحابة, والمعقول, منها: الدليل من الكتاب: قوله تعالي: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم. فالاحتكار من الظلم, وداخل تحته في الوعيد, لأن الإلحاد هو الميل عن الحق إلي الباطل, ومن ثم فإذا كان الأصل أن يقوم البائع صاحب السلعة ببيع السلعة إلي من يحتاجها من الناس, فإن حبسها حينئذ من باب الميل عن الحق إلي الباطل, وقد روي عن عمر- أنه قال( احتكار الطعام بمكة إلحاد). الدليل من السنة: يمكن الاستدلال بأدلة كثيرة, منها: ما روي عن معمر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله- يقول:( لا يحتكر إلا خاطئ). ما روي عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقول:( من احتكر علي المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس). ما روي عن معقل بن يسار- عن النبي أنه قال( من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا علي الله أن يقذفه في معظم من النار يوم القيامة). ما روي عن ابن عمر عن النبي, أنه قال( من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه, أيما أهل عرصة ظل فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله). ما روي عن أبي أمامة قال( نهي رسول الله أن يحتكر الطعام). فنهي النبي- صلي الله عليه وسلم- عن احتكار الطعام, وبيان أن المحتكر خاطئ أي مذنب, وأن الله تعالي سيعاقبه بالجذام والإفلاس وسيقعده في مكان عظيم من النار, وأنه برئ منه, وذلك لما يترتب علي الاحتكار من ظلم للناس واستغلالهم والتضييق عليهم دليل علي تحريم الاحتكار. الدليل من آثار الصحابة: كما يمكن الاستدلال بما ورد من أثار عن الصحابة- رضوان الله عليهم- ومن هذه الآثار: ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال:( من احتكر طعاما, ثم تصدق برأس ماله والربح لم يكفر عنه). ما روي عن عثمان بن عفان- أنه( نهي عن الحكرة). والدليل من المعقول: يمكن القول بأن كل ما كان سببا للحرام فهو حرام,( فلقد أثبتت التجارب والأيام أن الاحتكار سبب تام للاستعمار والحروب, واستعباد الشعوب, وإزهاق الأرواح بالملايين, والافتراء علي الأبرياء وإيقاظ الفتن, وبث الثغرات الطائفية والتفرقة العنصرية, ولسيطرة السفلة والخونة وتحكمهم بالبلاد والعباد, وإظهار الإسلام والمسلمين بأقبح الصور عن طريق المستأجرين, والانتهازيين الذين اندسوا بين المعممين. ويشير الدكتور أسامة إلي أضرار الاحتكار ومساوئه إلي أن احتكار السلع من قبل التجار المحتكرين يترتب عليه الكثير من الأضرار والمساوئ, منها: ارتفاع أسعار السلع عنها في ظل المنافسة الحرة. وسوء استخدام الموارد المالية, والاقتصادية, والموارد الأولية, ومن ثم عدم تحقيق التوظيف الكامل للموارد. وعدم إدخال التحسينات والتجديدات في عمليات الإنتاج لانعدام المنافسة; حيث إن الاحتكار يقتل روح المنافسة التي عادة من شأنها أن تؤدي إلي الإتقان والتفوق في الإنتاج. إهدار حرية التجارة, والصناعة, والزراعة, والتحكم في الأسواق, حيث يفرض المحتكر ما يشاء من أسعار علي الناس, فيرهقهم ويمنعهم بالتالي من المشاركة في الإنتاج. يسد الاحتكار أبواب الفرص أمام الآخرين ليعملوا ويرتزقوا ويساهموا في العمليات الإنتاجية. كما يؤدي الاحتكار إلي مساوئ اجتماعية خطيرة وعلي رأسها الأنانية, حيث تكون النظرة فقط إلي المصلحة الشخصية للمنتجين, وليس المصلحة العامة, أو مصلحة الآخرين. يحيل الاحتكار التعامل في الأسواق إلي عمليات اختلاس, ونهب, واغتصاب, وانتهاز للفرص, ويشجع بالتالي علي ظهور ما يسمي بالسوق السوداء التي تساعد دائما علي رفع الأسعار. ويؤدي الاحتكار إلي فساد الأخلاق في المجتمع, حيث إن السوق السوداء تغرس في نفوس المشترين عادات الثأر والغضب وحب الانتقام, لأنهم يدفعون أكثر من الأرباح الاعتبارية, أو أكثر من قيمة السلعة, وكذلك تغرس أيضا في نفوس الناس الغضب علي المحتكرين مما يؤدي إلي تحين الفرص للانتقام منهم, وكذلك قد لا يسلم المحتكرين أنفسهم من شرورها; حيث قد يضطر الحاكم إلي أن يصادر أموالهم, أو أن يعاقبهم بسبب جناياتهم السوقية بمنع السلع من الوجود والتبادل في الأسواق. و- يستعمل الاحتكار سلاحا ضد الأمة, وخاصة في الأزمات الاقتصادية والأوقات الحرجة, فيسهم في بلبلة الأفكار, وإشاعة القلق, والذعر بين أبناء الأمة الواحدة. ويؤدي الاحتكار إلي مشاكل عديدة لا تتناسب مع حريات الأفراد ومنها المحسوبين وسوء استغلال الموارد, وتوجيهها نحو مصلحة المحتكرين, وتسبب أيضا تفشي ظواهر الرشوة, والتقرب المجحف إلي المحتكرين ولو علي حساب أكل أموال الناس الآخرين بالباطل.