أحبها وهامت به.. وأصبح هذا الشابالأسمر القادم من سوهاج لكي يستكمل تعليمه الابتدائي في مدرسة الجمالية آمرا ناهيا علي قلبها الرقيق وأصبحت فتاة المنصورة هي معشوقته الأبدية. كلما جمعتني بهما لقاءات ثقافية دولية داخل وخارج مصر بمعارض الكتب المختلفة, كنت أسعد بصحبتهماأيما سعادة. كنت أختلس النظر بين الحين والحين لتقع عيني علي ابتسامته الحانية التي يرسلها من فوق منصة ضيف شرف معرض الكتاب لمحبوبته. وكانت هي تجلس دائما في الصف الأول, شاخصة بعينيهاالسوداويينإلي من يتحدث وكأنها تسمعه لأول مرة. وبعد التصفيق الحاد والتفاف المعجبين والمعجبات للتهنئة, تتواري المحبوبة خلف حشود الصحافة والإعلام لتغلف المحبوب بنظرات الإعجاب ودعوات الرحمن. كانت تلك العلاقة التي تسبغ الكثير من الدفء علي موائد العشاء التي يقيمها السفراء, علي هامش معارض الكتب في الخارج للوفود المصرية الرسمية, مثار حديث غالبا بالسلب, كما هي عادة معظم المصريين, وأحيانا بالإيجاب. فالحب والاحترام والإعجاب واستمرار العلاقات الزوجية لسنوات طويلة هو أمر عجيب لدي الرجل الشرقي. لكن جمال الغيطاني, النجم الساطع في سماء الأدب العربي, كسر تلك القاعدة وظل علي عهده مع شريكة الكفاح والنجاح الصحفية الجميلة ماجدة الجندي حتي آخر لحظة في عمره. هذا العملاق أسس وترأس صحيفة أخبار الأدب, تلك الخلية الثقافية التي لا تنام ولا تهدأ, حتي إنني لم أكن لأكمل فنجان القهوة المتناهي الصغر في مكتبه العامر دون أن يقاطعنا الصديق العزيز الكاتب عزت القمحاوي. فالماكينة لا بد أن تدور, والتروس يجب ألا تتوقف ولو لثوان معدودة. ثم أخذ الغيطاني علي عاتقه رسالة ثقافية ألا وهي إعادة اكتشاف الأدب العربي القديم ليتجلي في عالم روائي معاصر مستلهما في تلك التجربة الفريدة روح أستاذه نجيب محفوظ. ما بين الأصالة والحداثة, القصص القصيرة والزيني بركات, رحيل الخريف الدامي وأسفار التجليات وغير ذلك من قصص وروايات ومقالات سعت الجوائز الدولية إلي من زهدها. فحصل الغيطاني علي جائزة الدولة التشجيعية للرواية عام1980, ثم جائزة سلطان بن علي العويس عام1997, ثم جائزة لور باتايون لأفضل عمل أدبي مترجم إلي الفرنسية عن روايته التجلياتعام2005 مشاركة مع المترجمالمحنك خالد عثمان. وأتذكر كلمات الصديق الراحل أمام خالد عثمان الذي التقيت به لأول مرة بعد لقاء فكري عاصف عن التجليات في ندوة بباريس: خالد مش مترجم بس, خالد سافر معايا في زمن الكتاب وداق طعم التجليات. وتوالت الجوائز والأوسمة من مصر وإيطاليا وفرنسا...وازداد التعلق بشريكة العمر ذات النشأة الفرانكوفونية التي داهمتها وعكات صحية جعلت صوت الزوج الوفي والمحب الصادق يختنق دائما وهو يذكرها بمزيج من الزهو والحزن. رحم الله جمال الغيطاني الذي رحل عنا في18 أكتوبر2015 بعد أن دخل في غيبوبة لأكثر من ثلاثة أشهر وكأنه يريد أن يقول لزوجته الحبيبة ما هذا إلا فراق أبدي تأتي بعده.. لقاءات خالدة. mailto:hbmounib@yahoo