علي العكس من معركة شرق حلب, لم ينعقد مجلس الأمن لبحث وقف قصف الجيش العراقي لمدينة الموصل, ولم نشاهد أي لقطات عن معاناة السكان, لا أطفال يتم انتشالهم من تحت ركام المباني, ولا نساء يبدو عليهن الهلع من القصف, ولا جرحي تسيل الدماء من أجسادهم التي اخترقتها الشظايا..فهل الدواعش الذين يحتلون الموصل العراقية إرهابيون أشرار, بينما مقاتلو جبهة النصرة في شرق حلب ثوار طيبون؟ لا توجد أي فروق بين داعش وجبهة النصرة وباقي الجماعات التكفيرية المنتشرة في سورياوالعراق, فجميعهم يرون أن غيرهم كفار وأن قتلهم واجب ديني, وأنهم جاءوا لإقامة دولة الإسلام, وجميعهم حظي بالدعم من نفس الجهات, لتنفيذ نفس الأهداف, فلماذا إذن هذا الفرق الكبير في التعامل بين الإرهاب في شرق حلب والإرهاب في الموصل؟ الفارق الوحيد هو أن أمريكا هي التي تضرب في الموصل, ولهذا لا يجري تصوير ضرباتها الجوية وهي تؤذي المدنيين, ولا تتحدث الفضائيات عن الوحشية والبربرية ومعاناة السكان, رغم أن طائرات اف16 الأمريكية تحمل قنابل وصواريخ لا تقل فتكا عن السوخوي الروسية, لكن يظل السؤال الأهم هو لماذا تضرب أمريكا الإرهاب في الموصل وتحميه في حلب؟ لا أعتقد أن المخطط الأمريكي الأصلي كان يتضمن القضاء علي الدواعش في العراق بسرعة, وكثير من تصريحات أوباما ومسئولي الإدارة الأمريكية كانت تؤكد أن القضاء علي داعش يحتاج إلي سنوات طويلة, ولم تكن طلعات الطائرات الأمريكية تؤذي الدواعش, الذين كانوا يتمددون بكل اطمئنان, وتمرح عرباتهم تحت أنظار الطائرات الأمريكية, وقوافل الشاحنات تنقل النفط من العراقوسوريا إلي تركيا, قاطعة مئات الأميال بكل أمان. كانت أمريكا قد تباطأت في تنفيذ عقود تسليح وتدريب الجيش العراقي, رغم أنها تقاضت كامل الثمن منذ أكثر من10 سنوات, وتدخلت في تشكيل الجيش العراقي علي أسس المحاصصة الطائفية, ليعاني من الفساد وضعف الكفاءة وسهولة اختراقه وإثارة الخلافات بين مكوناته, فيصبح جيشا هشا, لا يمكنه أن يعرقل مخططات واشنطن. اضطرت أمريكا لتغيير سلوكها وخططها في العراق لعدة أسباب في مقدمتها أن انهيار الجيش العراقي واكتساح داعش لنحو نصف مساحة العراق أديا لظهور الحشد الشعبي, الذي جري تشكيله من المتطوعين لمواجهة داعش, وحماية باقي أجزاء العراق, وخاصة العاصمة بغداد وكربلاء والنجف, وتولت إيران تدريب وتسليح قوات الحشد الشعبي, وهو ما أثار قلق أمريكا من تنامي النفوذ الإيراني, أما السبب الثاني فكان دخول روسيا إلي الحلبة, واعلان استعدادها لمعاونة الجيش العراقي, مثلما تدخلت في سوريا, وبالفعل أمدت روسيا الجيش العراقي بالسلاح, وشاركت في التدريب, وهو ما أثار هلع وغضب أمريكا, وسارعت بإجراء اتفاقيات جديدة مع الحكومة العراقية, وأمدت الجيش العراقي بالعتاد, واضطرت الي نزع بعض أشواك الدواعش بأيديها قبل أن تسبقها روسياوإيران في نزعها, وتخسر أمريكا ما تبقي من نفوذها في العراق, كما عقدت اتفاقا مع البشمركة الكردية, وزودتها بالسلاح و450 مليون دولار شهريا, إلي جانب تشكيل فصائل من العشائر السنية, لتغذي النزعة الانفصالية في غرب وشمال العراق, وإزاحة داعش من العراق إلي شرق سوريا, حتي تحافظ علي فرصة إقامة كيان يفصل سوريا عن العراق. ورغم أن المشهد يؤكد قدرة أمريكا علي تحريك آلة دعائية هائلة وقوة سياسية كبيرة علي الساحة الدولية, فإن قوتها علي الأرض داخل سورياوالعراق تضعف كثيرا, وتكاد تفلت من أيديها, لرهانها الأساسي علي قوة الجماعات التكفيرية الآخذة في الانحسار, ولهذا تحاول إعادة هيكلتها وتحويلها إلي معارضة مسلحة معتدلة, حتي تكتسب مشروعية دولية وبيئة محلية حاضنة.