تتطايرشظايا معركة حلب الكبري من سوريا لترفع حدة التوتر بين التحالفين الروسي والأمريكي، وتشتعل جبهات مواجهة واسعة، تمتدمن دول البلطيق وأوكرانيا إلي صنعاء، ومن طهران وبغداد وأنقرة حتي باريس مرورا بالرياض والمنامة.. حيث تتقاطع في سوريا خيوط صراعات المصالح والطموحات والمخاوف. سعي الجيش السوري وحلفاؤه إلي تطويق المسلحين في شرق حلب، لتحرير أكبر وأهم المدن السورية وقلبها الصناعي والتجاري والثقافي من التنظيمات المسلحة، وشنت هجوما مكثفا لقطع طريق الإمداد الوحيد وهو طريق الكاستيلو، الذي يربط شرق حلب بالحدود التركية، ونجحت في السيطرة علي مزارع الملاح المطلة علي الطريق، وأفشلت موجات الهجمات المضادة، وألحقت بالمهاجمين خسائر فادحة، في الوقت الذي بدأت فيه عملية عسكرية أخري لتأمين العاصمة دمشق، بالسيطرة علي الغوطتين الشرقية والغربية، وهو ما يعزز وضع النظام السوري بسيطرته علي قلب سوريا وساحلها. كانت خطة تحرير شرق حلب قد حظت باتفاق وزراء دفاع روسياوإيرانوسوريا خلال اجتماع طارئ في طهران مطلع الشهر الماضي، وحذرت كل من أمريكاوتركيا من شن هجوم علي معاقل المسلحين في حلب، باعتبارها من المعارضة المسلحة «المعتدلة»، لكن التحالف الروسي نفذ خطته، ردا علي استغلال التحالف الأمريكي الهدنة في تعزيز الجماعات المسلحة بنحو 6 آلاف مقاتل عبروا الحدود التركية، مزودين بأسلحة متطورة، راهنوا علي أنها قادرة علي قلب الموازين التي كانت قد مالت بشدة باتجاه انتصار التحالف الروسي. وجاء عقد حلف الناتو اجتماعه في 8 يوليو في العاصمة البولندية وارسو ليزيد الوضع اشتعالا، فقد قرر الحلف نشر 4 كتائب في كل من أستونيا وليتوانيا ولاتفيا وبولندا، تقودها أمريكا وبريطانيا وألمانيا وكندا، إلي جانب نشر بطاريات الدرع الصاروخية في هذه الدول المتاخمة لروسيا، وهو ما اعتبرته موسكو عملا عدائيا، هددت بالرد المناسب عليه. كما أرسلت الولاياتالمتحدة وزير دفاعها أشتون كارتر إلي العراق بشكل مفاجئ، وهو الجبهة الثانية في القتال ضد داعش، وطلب إشراك 650 عسكريا أمريكيا إضافيا في تحرير الموصل، وحاول انتزاع وعد من الحكومة العراقية بعدم إشراك قوات الحشد الشعبي، التي يشكل الشيعة أغلبيتها، وتعتمد علي التدريب والتسليح الإيراني. وتوجه كارتر إلي كردستان العراق ليوقع اتفاقا بمنح البشمركة الكردية 450 مليون دولار، وأن، تتحمل أمريكا رواتبهم حتي انتهاء تحرير الموصل، وهو ما أثار موجة غضب في مجلس النواب العراقي، الذي أعلن رفض مشاركة أي قوات برية أجنبية، ورأي في الاتفاق مع كردستان تجاوزا للحكومة المركزية، وانتهاكا للدستور. لكن كارتر كان يسابق الوقت، ويريد لأمريكا موطئ قدم قوي قبل أن تنفرد القوات العراقية بتحرير الموصل، ولا يحضر قسمة إرث داعش في العراق. وسارع جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بالتوجه إلي موسكو في محاولة لترطيب الأجواء، والتوصل إلي اتفاق بشأن الوضع في حلب قبل فوات الأوان، واقترح كيري تنسيق العمليات العسكرية والاستخبارية مع موسكو، وإنشاء مركز عمليات مشترك في الأردن، وسعي كيري إلي انتزاع موافقة روسية علي تهدئة تشمل جبهة النصرة، زراع تنظيم القاعدة في سوريا، ورحبت موسكو بتنسيق الضربات الجوية وتبادل المعلومات الاستخبارية، علي أن تشمل الضربات جماعة النصرة، دون أن تبدي موافقة علي هدنة جديدة، ليطرح كيري أن يكون لروسيا حق الرد في حالة شن الجماعات المسلحة لأي هجمات. ودخلت تركيا الحلبة بتصريحات مفاجئة لوزير خارجيتها، أعلن فيها اعتزام تركيا تطبيع العلاقات مع سورياوالعراق، وهو ما اعتبرته المعارضة السورية انقلابا في الموقف التركي، تتخلي بمقتضاه عن دعمها المهم، ويصيبها في مقتل، لكن تركيا كانت قد بدأت التطبيع مع روسيا، بعد أن ارتابت في الخطوات الأمريكية المعتمدة علي تسليح ودعم الأكراد، العدو الرئيسي لحكومة أردوغان، والذي يخشي أن يؤدي الدعم إلي استقلالهم، وتفقد تركيا جزءا كبيرا من مساحتها، ولهذا أعلنت أن هذا الخطر يجمعها مع سورياوالعراقوإيران. وتلقت طهران دفعة كبيرة من شظايا المعارك، وزادت حدة اللهجة الأمريكية ضد الخطر الإيراني، ورأت في استمرار برنامج تطوير الصواريخ البالستية تقويضا للاتفاق النووي، ويبرر استمرار العقوبات الاقتصادية، لتهدد إيران بإلغاء الاتفاق النووي إذا استمرت العقوبات. ودخلت الرياض علي خط الهجوم علي طهران، وبلغ حد أن دعا تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية الأسبق إلي إسقاط النظام الإيراني خلال حضوره مؤتمرا للمعاضة الإيرانية في باريس، وهو ما اعتبره محسن رضائي رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني بأنه تشجيع علي الإرهاب ضد إيران. ولم يقتصر الموقف السعودي من إيران، وانما انتقد عادل جبير وزير الخارجية تشكيلات الحشد الشعبي العراقية، التي وصفها بالميليشيا الخارجة عن الدولة، والتي تهدد بتوسيع الفوضي واشعال الصراع المذهبي. وانتقل التوتر إلي المباحثات بين الحوثيين وحكومة الرئيس هادي في الكويت، وجري الإعلان عن فشل المباحثات فجأة، وتمسكت حكومة هادي بأن يسلم الحوثيون السلاح وينسحبوا من المدن قبل أي إجراء بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما رفضه الحوثيون بشدة، وعاد الطرفان إلي ساحات القتال، التي تشهد أكثر الجولات سخونة. وتنتظر المنطقة أن تنجح زيارة كيري لموسكو في نزع فتيل الأزمات المشتعلة، وفي القلب منها سوريا، قبل أن تشعل شظاياها باقي الجبهات. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد