في أكبر عملية غسيل للإرهاب،ظهر أبو محمد الجولاني قائد تنظيم »جبهة النصرة« لأول مرة، ليعلن تغيير اسم التنظيم إلي »جماعة فتح الشام«، متوجها بالشكر إلي أيمن الظواهري وباقي قادة تنظيم القاعدة علي تفهم دوافع فك الارتباط بالقاعدة. وكان الظواهري قد سبق الجولاني وأدلي ببيان أباح فيه لجبهة النصرة أن تتخذ القرار المناسب، بما يحافظ علي وجود التنظيم، ومصلحة وتماسك «المجاهدين» في حربهم علي الطواغيت والصفويين الروافض وروسيا والصين،وجاء هذا الإعلان تجاوبا مع مطالب أمريكيةمبكرة بتغيير ملامح تنظيم جبهة النصرة، وفك ارتباطه بتنظيم القاعدة، لتتمكن من رفع اسمه من لوائح المنظمات الإرهابية، ودمجه في العملية السياسية، ليكون أكبر قوة مسلحة يمكن أن تسيطر علي الأراضي التي يحتلها الدواعش في سوريا، لكن ما فعله الجولاني والظواهري كان مخيبا لآمال أمريكا، لأن الإخراج كان شديد الرداءة، وجري الإعلان وكأنه مجرد خدعة، بينما كانت أمريكا تريده مقنعا للرأي العام في أمريكا وأوروبا، ويبدو كأنه تمرد حقيقي لجبهة النصرة علي تنظيم القاعدة، يليه الدمج مع تنظيمات مسلحة أخري، وإطلاق اسم جديد للتنظيم، لتكون عملية «الغسيل» متقنة ومقنعة لشعوب أوروبا وأمريكا، قبل أن تقنع بها موسكو، التي تصر علي وضع »النصرة« في قائمة الإرهاب. كانت أمريكا تشعر بالحرج من ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة، الذي شن هجمات 11 سبتمبر علي أمريكا، وأعلنت أنه العدو رقم واحد لأمريكا، وتحت ستار مطاردته غزت كلا من أفغانستانوالعراق، فكيف يمكن أن تواجه الرأي العام بالدفاع عنه، وتقديم الدعم العسكري والسياسي له؟ في الوقت نفسه حاولت أمريكا وحلفاؤها إبطاء التخلص من تنظيم «داعش»، حتي تجهيز بديل له في العراقوسوريا، بعد أن تعثرت محاولات إنشاء جيش للسنة في العراق، وتحت ضغط ضيق الوقت اضطر وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر لعقد اتفاقية أمنية مع البشمركة الكردية في إقليم كردستان العراق، متجاوزا الحكومة المركزية في بغداد، ومنحت أمريكا البشمركة 450 مليون دولار كرواتب شهرية، إلي جانب التسليح والتدريب والدعم الجوي واللوجستي، لكن تجربة أكراد سوريا لم تحقق ما كانت تراهن عليه واشنطن، وفشلوا حتي الآن في السيطرة علي مدينة منبج السورية الصغيرة المتاخمة للحدود التركية، بعد نحو شهرين من الضربات المكثفة للطائرات الأمريكية والفرنسية، والتي قتلت وجرحت عدة مئات من المدنيين، قالت إن »داعش« كان يختبئ بينهم. كما كان مدهشا أن يدعو وزير الخارجية الفرنسي جان إيرولت إلي فك الحصار عن الإرهابيين في شرق حلب، بينما جثامين ضحايا مجزرة نيس مضرجة بالدماء. علي الجانب الآخر كان الجيش السوري وحلفاؤه يتقدمون علي مختلف الجبهات، بل حاصروا شرق حلب، واقتربوا من حسم »معركة حلب الكبري« التي تعني انتصار التحالف الروسي السوري الإيراني علي التحالف الأمريكي، لأن حلب هي أكبر وأهم المدن السورية، وعاصمتها التجارية والصناعية والثقافية، وحولها منطقة زراعية غنية تعتبر سلة غذاء سوريا، وهي الأقرب للحدود التركية والمناطق الكردية، ومن يسيطر علي حلب يحسم الصراع إلي حد كبير. وأسهم انكفاء الرئيس التركي أردوغان علي مشكلاته الداخلية ومحاولة تثبيت حكمه بعد الانقلاب الفاشل في تسريع وتيرة انتصارات الجيش السوري وحلفائه، ولم يتوقف عند حصار شرق حلب، وإنما دخل حي بني زيد، ، ويواصل التقدم في ريف حلب الشمالي، وسط انهيار وتخبط الجماعات المسلحة، الذين هرب قادتهم وهم يسبون أردوغان، متهمين إياه بالخيانة والكذب والغدر، بينما استسلمت أعداد من المسلحين للجيش السوري، وبقيت مجموعة تابعة لجبهة النصرة، تحاول أمريكا أن تنقذها بطرح هدنة إنسانية، لكن روسيا رفضت أن تكرر خطأ خداعها في الهدنة السابقة، التي استغلها التحالف الأمريكي في تعزيز الجماعات المسلحة، وكان لافتا أن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو هو من أعلن توفير ممرات إنسانية لخروج المدنيين من شرق حلب المحاصر، وتزويدهم بالمساعدات الإنسانية، والسماح للمسلحين المتبقين من الخروج بعد تسليم أسلحتهم، ليقطع الطريق علي أي مقترح أمريكي بوقف القتال، بدعوي الهدنة الإنسانية.وكان وزير الدفاع الأمريكي قد أعلن فتح جبهة جديدة من الأردن، بدعوي شن هجمات علي داعش، بدعم جوي وبري أمريكي، في محاولة لتخفيف الضربات علي الجماعات المسلحة في الشمال، آملا في أن تتمكن من الصمود. سبق لأمريكا أن حاولت إقناع قادة «داعش» في العراق بتفكيك التنظيم، ودمجه مع مجموعات أخري، ليتجنب الضربات التي ستأتيه من كل صوب، وتنهي دولته، لكنها وجدت رءوسا يصعب تليينها، ولا ترضي إلا بدولة الخلافة أو الجنة، ولجأت إلي اغتيال بعض القيادات المتشددة، ربما يحل محلها قيادات أكثر مرونة، تقبل بالحوار والمناورة دون جدوي، ولهذا وعدت أكراد العراق بدولة مستقلة تحت الحماية الأمريكية، مقابل أن يحاولوا السيطرة علي أكبر مساحة من الأرض ينسحب منها داعش، وهي تدرك أنه وعد ليس من السهل الوفاء به. لا يبدو أن أمريكا لديها البدائل القادرة علي كسب المعركة ضد التنظيمات الإرهابية في سورياوالعراق، ولهذا تناور بين محاولات التوصل إلي هدنة، وغسل الجماعات الموصومة بالإرهاب، لتجنب انتصار التحالف الروسي مع سوريا وإيران، والذي سيقلب موازين القوي في المنطقة. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد