دخلت إلي أحد المراكز التجارية الشهيرة لشراء بعض المستلزمات الخاصة باكسسوارات المنازل,والذي طالما قضيت فيه أوقاتا طويلة اتنقل حائرة بين المنتجات العديدة والمتنوعة التي يضج بها المكان, واجري الحسابات في ذهني للمفاضلة بين أولويات الشراء بما لا يجور علي الموازنة العامة لجمهورية بيتي خاصة مع ارتفاع أسعار بعض المنتجات,ولكن هذه المرة فوجئت بالمركز متعدد الأدوار شبه خاو,تتناثر بعض البضائع علي الرفوف تعلوها الأتربة, فشعرت بالصدمة,ليس هذا هو المكان الذي كان حافلا بشتي البضائع والأشكال والاختيارات التي لا حصر لها..! قادني الفضول إلي مدير المركز لأسأله صراحة عما إذا كانوا ينوون تصفية نشاطهم,لكنه رد قائلا:لأ..إحنا شغالين,بس مفيش بضاعة,لأن الاستيراد بقي صعب بسبب الدولار..أذهلني الرد الذي أوحت لغة قائله باقتناعه التام بما يقول,فما كان مني إلا أن أقول:طيب ما هو فيه منتجات مصرية حلوة جدا وذوقها راقي وكتير منها يدوي الصنع وبجودة عالية ربما أفضل من المستورد من الصين ودول شرق آسيا..فلماذا لا تعرضونها وتشجعون الصناعات المحلية؟..فرد الرجل قائلا:المصري اللي بيصنع حاجة بيرفع سعرها بطريقة مبالغ فيها, علشان كده مش بناخد منهم..!! جادلته قائلة:أفتكر حكاية السعر ممكن التفاوض بشأنها مع المصنعين,مع الوضع في الاعتبار أن السلع يدوية الصنع في العالم كله أسعارها تكون مرتفعة..فما كان من الرجل إلا أن حاول تغيير موضوع الحديث ليحاول إقناعي بمنتج لستارة مستوردة مصنوعة من البامبو كبديل أفضل وأرخص من الاستعانة بمتخصص يقوم بتفصيل ستارة بمقاسات خاصة. قد يعتقد البعض أن الموقف ساذج أو عادي لا يستدعي التوقف عنده,ولكني توقفت عنده طويلا,فالأمر حتما له أبعاد أخري بخلاف التجارة,فالمنطقي بالنسبة لأي تاجر إذا ما انغلق أمامه طريق أن يسعي للبحث عن بدائل للحصول علي المنتجات التي يتاجر فيها,لكن من غير المنطقي أن تجده يصادر بنفسه علي أي فكرة تفتح أمامه أفقا لحل مشكلة تواجهه. فيبدو أن هناك مصالح شديدة التعقيد في قضية الاستيراد,فمنذ بداية استيراد السلع الرخيصة من الصين ودول شرق آسيا اضطرت الكثير من المصانع المحلية في شتي المجالات إلي الإغلاق بسبب عدم قدرتها علي منافسة رخص أسعار المنتج الصيني بالرغم من عدم جودته بالنسبة للمنتج المصري,فتم ضرب قطاعات كثيرة في شتي الصناعات,وتعددت شكاوي المصنعين والعمال من عدم قدرتهم علي الاستمرار في ظل منافسة غير عادلة,أدت لتحولهم للعمل بمهن أخري. ولكن الآن وبعد أن انعكس الوضع,ومع أزمة الدولار وتوقف الاستيراد لكثير من السلع التي زاحمت المنتج المصري,أري أن ما يحدث ليس أزمة بل هو فرصة حقيقية للمنتج المصري حتي يستطيع أن يفرض نفسه ليملأ حالة الفراغ السلعي التي تعاني منها الأسواق المصرية,فها هي حجة حرق الأسعار ورخص البضائع المستوردة قد بطلت,والفرصة متاحة أمام المصنعين المصريين للعمل في سوق تتنافس عليه كبريات الشركات والدول الصناعية الكبري,باعتباره سوقا واعدا يضمن لأي شركة استثمارات جيدة وربحا طائلا, ولكن يبقي الأمر مرهونا بقدرة هذه المصانع والمنتجين علي التسويق والتخطيط الجيد للوصول إلي المستهلك الذي أصبح يشكو من غلاء الأسعار من ناحية,واستغلال التجار من ناحية ثانية, ومن ندرة البضائع في الأسواق من ناحية ثالثة,ومن هنا تتحول الأزمة إلي فرصة حقيقية لن يستغلها إلا من يتمتع بقدرة علي التفكير الإبداعي خارج الصندوق, وكذلك القدرة علي المغامرة لاقتحام السوق غير متأثر بشائعات هبوط الجنيه وتراجع مؤشرات البورصة والاقتصاد المصري, فلو كانت هذه الشائعات صحيحة, لما تسابقت دول العالم بشركاتها الكبري للاستثمار في مصر, فتلك هي الفرصة, فهل من منتهز لها؟.