تعويم الجنيه المصري مصطلح بات يتردد كثيرا في الآونة الأخيرة خاصة بعدما أسقطالدولاركل حصون الجنيه حتي انهار, وأصبح التعويم أحد حلول الحكومة المطروحة علي الساحة ما بين التزكية والرفض للفكرة, وكأن الحكومة تأبي إلا أن تبقي محتجزة داخل بوتقة الفكر العقيم والحلول التقليدية والمؤقتة للأزمات الاقتصادية عاجزة عن التفكير خارج الصندوق, تتأرجح ما بين الاعتماد علي الاحتياطي النقدي والإستراتيجي. وما بين سياسات الاقتراض والدين تارة, وبين فكرة تعويم الجنيه أو خفض قيمته تارة أخري; لتصل في النهاية لمواجهة نفس المصير المحتوم لعجز الموازنة وارتفاع المديونية. ويعني مصطلح تعويم الجنيه; رفع يد البنك المركزي( المسئول عن السياسة النقدية للبلاد) عن العملة بشكل كلي ليتركها تتحرك بكامل حريتها حسب قانون العرض والطلب, وهو يحدث في حالة فقد البنك المركزي السيطرة بشكل كلي, وانه استنفد كافة ما يملكه من أدوات. وللتعويم نوعان, الأول ما يعرف بالتعويم الحر أي ترك سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوي السوق, ويقتصر تدخل السلطات النقدية البنك المركزي علي التأثير في سرعة تغير سعر الصرف, وليس الحد من ذلك التغير. والنوع الثاني من التعويم والمشار إليه هنا; هو التعويم المدار ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقا للعرض والطلب مع لجوء البنك المركزي إلي التدخل كلما دعت الحاجة إلي تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات, وذلك استجابة لمجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف, ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة, والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية. ولتعويم الجنيه تقوم الحكومة بتقليل قيمته أمام الدولار ليكون سعر صرف الدولار10.50 جنيه, والحد من زيادة الأجور في الجهاز الإداري للدولة أو تثبيتها, ورفع الدعم عن السلع بشكل تدريجي مثلما يحدث في الكهرباء ثم البنزين والسولار, ومن ثم ارتفاع الأسعار عموما, وفي الواقع أري أن الجنيه المصري تم تعويمه بالفعل, فعندما يصل سعر الدولار9.20 جنيه, فهذا ليس معناه أنه عوم بل غرق. كما أن المشكلة هي أن الطلب علي الدولار يتمثل لدينا في الاستيراد, ويحتاجه المصريون الذين يسافرون للسياحة في الخارج, أو الحج والعمرة, أما الجنيه والمتمثل في العرض فيتمثل في عملية التصدير وحوالات المصريين في الخارج, ودخل السياحة في مصر, وبما أن الطلب أكبر من العرض, فمن ثم يؤدي ذلك إلي ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه. كما أن أي تخفيض جديد لقيمة الجنيه أمام الدولار سيؤدي إلي رفع معدل البطالة;رغم أن العلاقة بين تعويم الجنيه ومعدلات البطالة غير مباشرة, ولكن تخفيض قيمة الجنيه سيؤدي إلي زيادة أسعار السلع والمواد الخام المستوردة, وبالتالي زيادة أسعار المنتجات, وبالتبعية محاولة تقليل تكلفة الإنتاج, ومنها تكلفة العمالة. غير أنه من المتوقع أن تتجه بعض المصانع والشركات إلي خفض الرواتب, وسط توقعات بارتفاع أسعار السلع الأساسية وبالتالي عدم قدرة المواطنين علي الوفاء بالاحتياجات اليومية, كما أن تأثير خفض قيمة الجنيه علي معدلات البطالة سيكون طويل المدي, حيث إن المجتمع ليس لديه مرونة في الإنتاج كما أن السوق غير منظم كأي من الدول النامية, ومن المؤكد أن تعويم الجنيه سيؤدي إلي ازدياد عجز الموازنة للسنة المالية الحالية, وأن الأثر السلبي سيطول المواطنين عبر رفع أسعارالسلع المستوردة بطريقة جنونية. وربما تعد فكرة تعويم الجنيه مطروحة في الأساس لإصلاح الوضع الاقتصادي علي المدي الطويل, عن طريق جذب استثمارات جديدة إلي الأسواق, إلا أنه خلال الوضع الحالي والاعتماد علي الاستيراد من الخارج دون الصناعة المحلية فالأثر سيكون سلبيا علي الاقتصاد, وسوف يؤدي إلي ارتفاع الأسعار في السوق, مما يعود بالضرر علي المواطن في ظل ثبات الرواتب.