البلد فيها تنمية.. البلد فيها حرامية, صبح علي مصر.. صبح أنت, محتاجين الفكة.. تاخد بدالها كبريت وعلكة!.. وتبدأ بعد أي حدث هام العركة.. ومن أقصي اليمين للمؤيدين للرئيس إلي أقصي اليسار لمعارضيه ظالما.. يمتلئ عالم التواصل الاجتماعي حولك بصخب الدونكيشوتية. ودون كيشوت لمن لا يعرفه هو بطل لواحدة من أشهر روايات الأدب العالمي تحكي منذ أكثر من أربعمائة عام عن رجل متوسط الحال عاش في إحدي قري إسبانيا ومن كثرة قراءاته في كتب الفروسية بلغ به الهوس حدا جعله يفكر في انه بإمكانه أن يعيد دور الفرسان الجوالين في نصرة الحق والدفاع عن الخير ضد شرور العالم, فهو الوحيد الذي يملك الحقيقة والذي يري ما لا يراه غيره, فأعد عدته واستخرج سلاحا ودرعا قديمة, ونزل لمحاربة طواحين الهوا متصورا إياها أذرعا هائلة لشياطين الشر ويدخل معهم في معركة خاسرة, ثم محاربة قطيع أغنام تخيل من غبارها أنهم جيوش جرارة. فدون كيشوت ومن علي شاكلته رغم أن هدفه الأصلي نشر الحق والقيم إلا أن الاستغراق في رؤية جانب واحد للحقيقة يصنع أوهاما وفوبيا للخوف من كل شئ وسلسلة من الإخفاقات تصاحبهم في طريقهم الذي يعتقدون فيه انه الصواب وتنتهي الأمور إلي الأسوأ. مع ذلك يستمر ويعلو صخب هؤلاء الفوارس الدونكيشوتين علي أصوات العامة والتابعين.. والقطاع الأكبر من الناس الذين يتابعون ويلتزمون الصمت والحياد دون ان ندري ما في جعبتهم مثل سانشو تابع دون كيشوت والذي ينتظر فائدة ملموسة وانفراجة قريبة. وهم في هذا الحياد ملتمسين للمعارضة بعض الحق للانتقادات والسلبيات والواقع الصعب الملموس الذي يعيشون فيه حتي أن بعضهم اصبح كارها للربيع والخريف وكل فصول السنة التي تراها الشعوب العربية مع طلعة شمس كل صباح. وإذا كان هناك من يصر علي السير علي خطي دون كيشوت ويحارب طواحين الهواء ل فوبيا لديهم من بعض أصوات معارضة فتقمعها واستبعاد شخصيات وغلق قنوات وأحكام بالسجن علي أطفال يؤدون مشهدا تمثيليا وقوانين عجيبة لازدراء الأديان والتظاهر وإعلام رسمي فاشل يخرج علي حصان هزيل برماحه الصدئة وأساليبه القديمة فيعطي أعداء الوطن فرصة العمر باسقاطه بضربة حجر. ننشغل بمحاربة أوهام مع طواحين الهواء ويغطي هذا الضحيج وغبار القطيع بعض أفراح الحقيقة فنفسد مضمون خطوات واثقة نخطوها مع الخارج ونضيع الحدث الأهم وبداية حقيقية وسريعة للقضاء علي آفة مصر وبيئة استيطان الأمراض الاجتماعية بالتخلص من العشوائيات بمصر وعن انجازات ومشروعات وأحلام حتي وإن كانت ما زالت في السماء السابعة ولم تهبط قطرات من مائها علي الشعب العطش لتبدد بعض الضبابية التي تملؤنا. ويا كل دون كيشوت كفي عبثا وكفي حالة الفصام التي تعيشونها.. الواقع يحتاج أن يصبح مختلفا وأنتم تصرون علي أن تجعلوه متخلفا. وفي الرواية ربما تكون دولوسينيا هي مصر, مجرد فتاة قروية سوقية, ليست فائقة الجمال لكنها أنبل من أن تبقي كذلك, وينادي دون كيشوت علي تابعه سانشو:تعال, يكفي أن أراها أنا جميلة وشريفة.. لقد رسمتها في مخيلتي كما أريدها أن تكون.