أصبح المجتمع الاسلامي في حالة افتقار واحتياج إلي الحب, هذه الكلمة التي يمكن أن يتبادر للذهن عند سماعها أؤل مرة بأشكال الغزل والميل بين الرجل والمرأة بسبب الاختزال المغلوط لمعني الحب في السينما المسرح والروايات الادبية وقصره علي الحب في الميل الطبيعي بين الرجل والمرأة رغم ان الاسلام جعل الحب شرطا في الايمان الذي هو سبب دخول الجنة, لأن الحب الحقيقي اذا ساد المجتمع وعم في المنازل والبيوت والوزارات والمؤسسات والهيئات والشركات والمصانع والمكاتب والحقول والمزارع, وسائر المجتمعات ذهابا وإيابا قولا وعملا وحالا ظاهرا وباطنا, وحدنا أنفسنا لحماية مقدساتنا وأرضنا, وحفظ أعراضنا, ورعاية أطفالنا, وتقدم وطننا, ورقي أمتنا, والعيش بسلام مع المخالفين لنا في العقيدة المسالمين لنا في الوطن. حول أهمية الحب في هذا العصر وميزانه في نظر الاسلام وعلي ماذا يقوم وفيما تتجلي مظاهره يقول الدكتور سالم عبد الخالق السكري استاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر أن الحب في عالمنا المعاصر الذي طغت فيه الماديات له أهمية كبيرة في حياة الناس باعتباره سنة كونية فطر الناس عليها وسمة من سمات الحياة الروحية في عقيدة المؤمن وعاطفة لها وزنها في الجو الاسلامي والمحيط الديني فالحب هو الرباط الذي يربط الانسان بربه عز وجل ويجعله يخلص في عبادته وفي اتباع تعاليمه ومنهجه والتمسك بشريعته فهو أساس التآلف بين الناس وتكون العلاقات الانسانية الطيبة بينهم وهو أيضا صمام الأمن والأمان بالنسبة للبلاد والعباد ومن ثم كان حب الوطن من الايمان حتي قيل لوساد الحب ما أحتاج الناس للعدل أو القانون وذلك لانهم يتعاملون فيما بينهم بالفضيلة والايثار, والمتأمل في نصوص القرآن والسنة يتبين له أن الاسلام هو دين الحب ومن أكثر الاديان دعوة الي الحب والترغيب فيه, ولا أدل علي ذلك من الآيات المتعددة التي تزيد علي70 آية في الدعوة إلي الحب والحث عليه لقوله تعالي ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يري الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب وقوله تعالي قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وكذلك ورد في السنة أحاديث كثيرة علي نحو ما ورد في القرآن الكريم منها فو الذي نفسي بيده لا تدخلو الجنة حتي تؤمنوا ولا تؤمنوا حتي تحابوا, أولا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم. ويري السكري ان مظاهر الحب وانعكاسه في حياة الناس ينبغي ان تتضح في علاقاتهم وتعاونهم علي الخير لقوله تعالي وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الاثم والعدوان وقد ضرب الصحابة في ذلك أروع الامثال حتي امتدحهم المولي تبارك وتعالي فقال والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتو ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون فلو سار هذا المعني في حياة الناس لما وجد بينهم جائع ولا فقير, وورد عن أنس أن المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب الانصار بالاجر كله مارأينا قوما أحسن بذلا لكثير ولا أحسن مواساة في قليل منهم ولقد كفونا المؤنة أي الحاجة فقال لهم الرسول صلي الله عليه وسلم أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم قالوا: بلي قال: فذاك بذات فهذا هو المجتمع الفاضل الذي يعطف فيه الغني علي الفقير ويواسي فيه الناس بعضهم بعضا ويشير السكري إلي ان الايمان في الاسلام قائم علي الحب ومؤسس علي المودة التي يجب أن تكون بين الناس ولا أدل علي ذلك من قوله صلي الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا ولن تؤمنوا حتي تحابوا ألا أدلكم علي شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم فقد جعل الحبيب صلي الله عليه وسلم دخول الجنة متوقفا علي الايمان وجعل الايمان متوقفا علي المحبة والحب شرط في الايمان وركن في العقيدة وأساس في الدين كما هو شرط في استكمال الايمان لقوله صلوات الله عليه من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل الايمان. ويوضح الدكتور عبد الله عزب استاذ العقيدة والفلسفة ووكيل كلية أصول الدين بجامعة الازهر أن الحب كلمة عظيمة ولفظة جليلة لها معناها ومدلولها عند المحبين, وقليل من يعمل بها في حياتنا حتي آخر العمر. فالحب الصادق يحول العقول المتحجرة إلي عقول زكية تسير وراء الحق أينما وجد, ويبدل الأفكار الجامدة الهدامة إلي آراء سديدة بناءة للمجتمع, ويحول النفوس المريضة إلي نفوس مستقيمة, والصدور المشحونة بالحقد والحسد والعداوة والبغضاء إلي صدور سليمة نقية صفية, والقلوب المظلمة الحالكة إلي قلوب مضيئة نيرة, والأرواح الخبيثة الشريرة إلي أرواح طيبة طاهرة ترتقي فوق الشهوات والنزوات الحرام, وتسموا إلي آفاق السموات ويجعل الخبث نقاء, والكدر صفاء, والقسوة لينا, والقهر رحمة, والشدة شفقة, فما أعظم هذا الحب حينما يكون في الله, وما أجل هذا الود عندما يكون ابتغاء وجه الله, فإذا أحب المسلم المسلم طمعا في ثواب الله, وود المؤمن المؤمن رغبة في رضا الله ذاق المسلم حلاوة الايمان, وأحس المؤمن بطعم الإيمان, هذه حقيقة يؤكدها النبي صلي الله عليه وسلم, فيقول:( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار).