تدور الأيام وتكبر البنات, يصبحن عرائس جميلات, لكن الفقر وضيق ذات اليد يترك بصمته عليهم فلا يأتي العريس, وعندما يطرق باب الأهل ابن الحلال لا تكتمل الفرحة أبدا , فمن أين يجهز الأهل البنات؟ كيف يوفرون لهن أبسط الأجهزة التي لا يستغني عنها منزل؟ إن الحياة تسير بالكاد, ويكمل الفقير عشاءه نوما, ويحمد ربه إن انقضي يوم ولم يضطر لأن يمد يده لقريب أو صديق مستجديا معونة أو طالبا قرضا صغيرا, يمرض فيكتم الآهة حتي لا يسمعها أحد فينظر له بعين الشفقة, يصبر علي الدوار يصيبه, علي الوهن وأصوات المعدة الفارغة, علي آلام المفاصل وطرقعة العظام, فلكل شيء آخر, سيذهب المرض وتنتهي الآلام, أو سيعتادها كما اعتاد قضاء الليالي بدون طعام. نجاة امرأة أربعينية, لكن إن نظرت في عينيها, أو تفحصت التجاعيد التي تزين جبهتها وخديها, إن لاحظت انحناءة خفيفية في ظهرها أو لفت نظرك ضمور باد علي جسدها النحيل, إن فعلت فربما ظننت أنها في الستين من عمرها أو ربما أكثر, إنها امرأة دهسها قطار الحياة السريع الذي لا يرحم, وأكلت الأيام القاسية شبابها سريعا وتركتها عجوزا تنشد الستر لبنتين علي وشك الزواج تحتاجان لمصاريف وجهاز لا تعرف كيف تدبر ثمنه. كتبت الحياة علي نجاة أن ترعي أسرتها بعد أن كبر زوجها وأصبح عاجزا عن الكسب وتوفير متطلبات الأسرة, هي متطلبات قليلة لكنها غير متوفرة, والمرأة المصرية, خاصة في الأرياف والقري والنجوع البعيدة, لا تتأخر أبدا عن تلبية نداء الواجب تجاه أسرتها, تنسي أنها امرأة وتقتحم سوق العمل كالرجال وأكثر, لا تتردد في القيام بأي عمل متاح, تعمل نفر في الأراضي الزراعية, تزرع وتحصد وتنقي الأرض من الحشائش, تذهب إلي السوق, تملأ مشنتها بحزمات من الجرير والفجل والبقدونس وكيلوهات قليلة من الطماطم والخيار وتفرش بضاعتها في الشارع لتكسب قروشا قليلة ربما لا تكفي لشراء الخبز لزوجها العاجز ولأطفالها الصغار, تكد وتتعب من الصباح حتي المساء, لا يوقفها برد الشتاء القارس رغم خفة ملابسها وعدم قدرتها علي حمايتها من الصقيع, ولا شمس الصيف الحارقة التي لا ترحم العاملين تحت أشعتها ولا الكادحين طلبا للقمة العيش الحلال. لم تشتك نجاة يوما ولم تسأل أحدا إلا الله, ما يرزقها به الله وما تجود به الحياة من نقود قليلة يكفي, أو هي رتبت حياتها علي هذا القليل, لا يهم ما تأكل, وحتي لا يهم إن هي لم تأكل, لا تفكر فيما تلبس, هو جلباب أسود, أو كان أسود يوما, يكفيها في البيت وخارجه, في الصباح وفي المساء, في الصيف وفي الشتاء, وإن انفتق أو اهترأ تخيطه بيديها وترقعه إن لزم الأمر, المهم هو الستر والسيرة الحسنة وألا تكون عالة هي وأسرتها علي أحد من الأقارب أو الجيران, وكلهم في القرية فقراء زادهم الصبر وحلمهم الستر. نجاة عندها بنتان, كبرتا وصارتا عروستين, ما يحزن نجاة ويطير النوم من عينيها أنها لم تدخر لهما أي شيء, لم تشتر لواحدة منهما قطعة ملابس واحدة, لم تجهز واحدة منهما بملعقة أو طبق كما تفعل الأمهات مع البنات, وكما تقضي العادات والتقاليد, تعرف نجاة أن تجهيز البنات مشكلة كبيرة, وأنه يكلف الكثير من النقود, حتي لو راعي العريس ظروفها وقبل بأشياء بسيطة, فمن أين لها هذه النفقات والرزق شحيح, وما تجنيه من كدها وعرقها يكفي بالكاد لتلبية ضرورات الحياة في ظل ارتفاع جنوني للأسعار وزيادة المتطلبات للزوج المسن العاجز وللبنات اللائي يكبرن وتزيد احتياجاتهن. تناشد نجاة( محمد الشافعي), المقيمة بمنشأة أبو ذكري, قويسنا, الدكتور هشام عبد الباسط محافظ المنوفية, وأهل الخير لمساعدتها علي تجهيز بنتيها للزواج, ومد يد العون لها ولأسرتها الصغيرة, وإدخال الفرحة علي قلوب لا تحمل إلا الخير والرضا, وتحقيق حلمها البسيط بستر البنات وإهدائهن لأزواجهن لبدء حياة ربما تكون أكثر سعادة وهناء, أو حتي أقل شقاء وتعبا.