قبل بناء السد العالي كان فيضان النيل يمثل لأسوان عيدا وموسما ينتظرونه بلهفة في كل عام وكأنهم يستنسخون تلك الاحتفالات من أجدادهم الفراعنة الذين كان للنهر قدسية خاصة لديهم, فالنيل كان ولايزال هو شريان الحياة عند المصريين. ولأن فيضان النيل هذا العام قد هل مبكرا علي بحيرة ناصر التي تستقبل هذه المياه القادمة من الهضبتين الحبشية والإستوائية اعتبارا من النصف الثاني من أغسطس, فقد أنعش هذا الفيضان وذلك الخير ذاكرة أبناء أسوان والنوبة ممن عايشوا سنوات الفيضان الحقيقي الذي كان يطلق عليه الدميرة قبل بناء السد العالي. الأهرام المسائي يعيد إلي الأذهان من خلال آراء اهالي النوبة واسوان, اهم الطقوس القديمة وكيفية الاستفادة من مياة الفيضان التي ارتبطت بالمصريين, حيث يقول العمدة إبراهيم البرنس أحد أبناء قرية بنبان بمركز دراو إن الدميرة كانت تهل علي أسوان في الأول من أغسطس محملة بالطمي الأسود الذي يسر المزارعين ومن فرط قوة هذه الدميرة كانتالبيوت والزراعات تتعرض لخطر داهم حتي تم بناء السد العالي الذي وعلي الرغم من فوائده العديدة إلا أنه حجز هذا الطمي أمامه فيما يعرف بحركة الإطماء مما أثر علي جودة الأراضي والإنتاجية الزراعية من المحاصيل. ويضيف البرنس قائلا: إن المزارعين في القري ورغم قوة الفيضان وغمره بعض المناطق كانوا يعتمدون عليه في زراعة الأراضي دون الحاجة لا لأسمدة أو كيماويات, ويتذكر أيام فرحة الشباب بهذا الخير الذي كان يمثل لهم موسما للزراعة وصيد الأسماك المتغذية طبيعيا, ويتمني أن تتم الاستفادة بالمياه القادمة من الحبشة في تخزين أكبر قدر منها للسنوات القادمة التي لايعلم أحد ماذا يخبيء القدر خلالها. ويقول عادل مغربي من أبناء مدينة أسوان إن فيضان النيل هذا العام يوحي بأنه سيكون مبشر بالخير وربما ينعش ذاكرتنا التي لاتزال أحداثها عالقة في أذهاننا قبل1964 وهو العام الذي امتلأت فيه بحيرة السد العالي بالمياه وتم تهجير النوبين فيها من بلاد النوبة القديمة التي تعرضت للغرق. ويضيف أن السد العالي قد غير كثيرا من ملامح مدينة أسوان بعد أن حمي البلاد كثيرا من أخطار الفيضان وأيضا من سنوات الجفاف, فعند وصول الدميرة إلي المدينة محملة بالطمي كنا نخرج إلي شارع الكورنيش القديم الذي هو حاليا شارع ايطال التحرير لكي نحتفل بها ومن شدتها كانت المياهتدخل بين بعض مناطق ومساكن وسط المدينة وأشهرها البركة التي سميت بهذا المسمي نسبة لغمرها بهذه المياه وقت الفيضان, بالإضافة لمنطقة بركة الدماس أيضا في الجنوب. وأوضح مغربي أن فيضان زمان كان عامرا بخيرات الله, حيث كان المزارعون في القري وأطراف المدينة يستغلون انحسار المياه لزراعة المحاصيل التي تختلف طعما ومذاقا وبيئيا عما هي عليه حاليا, ومنها البطيخ والفاقوس والشمام كماكان هناك محصول الكشرنجيج الشهير وهو محصول أخضر مشهور في أسوان ويشيه الفاصوليا الخضراء إلي حد كبير ويؤكل بإضافة الليمون والشطة كفاتح للشهية. وقال يجب ألا ننسي أيضا أن كورنيش النيل الحالي الذي كان اللواء مدكور أبو العز محافظ أسوان في الستينيات صاحب الفضل في إنشائه بهذه الروعة هو نتاج ردم جزء من النيل بعد بناء السد العالي وقيامه بحجز المياه أمامه. ومن ذكريات الماضي إلي الفيضان الحالي وعنه يتحدث الريس عبد الدايم عبد العزيز مراكبي قائلا إن تصريفات المياه العالية ترفع من من منسوب المياه, وبالتالي تسهل كثيرا من عملية زيارة السائحين للمحميات الطبيعية التي تنتعش بوصول المياه إليها, ورغم ذلك فإن هناك جزر ايضا تغمر بالمياه وتختفي وهي معروفة لدي كل مراكبي يعمل في النيل. ومن أهل النوبة يتحدث محمد صبري سرور رئيس الإتحاد النوعي للجمعيات النوبية بأسوان قائلا إن النوبين كانوا بارعين في التعامل مع الفيضان قبل بناء السد العالي, حيث حرصوا علي بناء بيوتهم في مناسيب عالية حتي لاتتأثر بالمياه كما كانو يستفيدون من المياه في الزراعة قبل بدء الموسم بوقت طويل بزراعات شبه موسمية, اما في أسوانالمدينة فهناك مناطق لم تكن تتأثر بالفيضاناتومازالت تحتفظ بطبيعتها الجميلة القديمة ومنها جزر هيصة وتنقار وعواض وجبل شيشة في منطقة الحبس مابين السد والخزان, بالإضافة إلي جزيرتي سهيل وأسوان ونجع المحطة, وينهي حديثه مؤكدا أن الفيضان كان يتم الاحتفال به في النوبة احتفالا كبيرا ويسمي موسم الدميرة والخير. ومن ذكريات الماضي إلي الوقت الحالي و الرؤية المستقبلية لفيضان الخير المقبل, ناشد مصدر مسئول ومتخصص بهيئة السد العالي وخزان أسوان المجتمعات المدنية بضرورة توعية جميع المصريين بترشيد استخدام المياه سواء في الشرب أو الزراعات التي تقوم علي أنظمة الري الحديثة مثل الري المحوري والري بالتنقيط, مشيرا إلي أن هذا الخير القادم والمبشر يجب الاستفادة به أيضا في جزء من تنقيط مشروع المليون ونصف المليون فدان فلا أحد يدري كيف سيكون الحال في العام القادم خاصة وان حصتنا من المياه لم تتغير ولاتزال55 مليار متر مكعب منذ توقيع اتفاقية دول حوض النيل الموقعة في عام1959 علي الرغم من أن تعداد السكان الأن قد وصل إلي90 مليون نسمة, وحذر المصدر المتخصص من خطر إهدار المياه التيهلت علي البلاد برسالة خير من السماء قائلا إن العالم كله مقبل علي سنوات من الفقر المائي وعلينا أن نحافظ علي هذا الخير.