حذر د.محمد مجاهد الزيات نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط من أن هناك تحديات تواجه السياسة الخارجية المصرية فيما يتعلق بتطورات الأوضاع في المشرق والخليج العربي تحمل معها نذر تهديد للأمن القومي المصري بصفة خاصة والعربي بصفة عامة مشددا علي أنه من الضروري ألا تؤدي مرحلة البناء الداخلي في مصر التي واكبت الثورة لانتقال مصري عن مراعاة تلك التهديدات التي تحدق بها بصورة أساسية. وحول أهم تلك التهديدات للأمن القومي المصري من واقع تطورات الأوضاع في اليمن والبحرين وتفعيل دول مجلس التعاون الخليجي لاتفاقية قوات درع الجزيرة والموقف الأمريكي من تلك التطورات والأصابع الإيرانية التي تدخلت لتعبث في شئون تلك الدول بورقة الشيعة وكيفية مواجهة مصر لتلك المخاطر كان هذا الحوار: * بداية ما أهم التحديات والتهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري علي ضوء التطورات الجارية في المشرق العربي والخليج؟ ** أهم التهديدات التي تمس الأمن القومي المصري والعربي بصفة عامة ما يحدث في البحرين حيث الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بمزيد من الديمقراطية والمشاركة إلا أن القوي الشيعية حاولت استثمار الموقف لتحقيق مطالب مذهبية بالدرجة الأولي. * وهل كانت إيران المحرك لهذه المطالب؟ ** نعم لقد قامت طهران بممارسة ضغوط واضحة علي النظام في البحرين لدعم تلك المطالب ومن الجدير بالذكر أن البحرين عرفت مؤسسات ديمقراطية أكثر من باقي دول الخليج حيث كان بها مجلس نيابي منتخب وصحافة حرة منذ بداية السبعينيات إلا أن هناك أزمة سياسية نشبت بين النظام والقوي السياسية في ذلك المجلس الوطني أدت إلي تعطيل الديمقراطية منذ عام1975 وقام ملك البحرين في السنوات الأخيرة بتوسيع مساحة الديمقراطية وحجم المشاركة السياسية. * فلماذا تطورت الأزمة هناك إذن؟ ** لقد حاول ملك البحرين استيعاب المطالب المذهبية للمنظمات الشيعية ومع حدوث تلك الاحتجاجات في بداية العام الحالي قام ولي العهد بفتح باب الحوار السياسي لكن المنظمات الشيعية رفعت من سقف مطالبها وطالبت باقامة جمهورية إسلامية علي النمط الإيراني بدعم من طهران وبدلا من الموافقة عي الحوار طالبت بإلغاء النظام السياسي ككل والغريب أن البعض رفع العلم الإيراني أثناء الاحتجاجات. * وهل كان هناك تأييد لاحتجاجات البحرين من جانب الشيعة في دول أخري بالمنطقة؟ ** من المظاهر الغريبة لتلك الاحتجاجات أنها واكبتها موجة من دعم المذهب فمثلا هاجمت المرجعيات الشيعية في العراق نظام البحرين واندلعت مظاهرات لاحزاب شيعية هناك لتتخذ الموقف نفسه إلي جانب تصريحات حسن نصرالله في لبنان حتي تهاجم النظام في البحرين وتؤيد المطالب المذهبية والأكثر غرابة موقف الحكومة الإيرانية ومرشد الثورة علي خامنئي الذي طالب ملك البحرين بأن يكفل للمتظاهرين حرية التظاهر في الوقت الذي يرفض فيه حق المعارضة الإيرانية وتفعيل قياداتها ويتهم كل من يناقش ممارسات النظام السياسي الإيراني بالعمالة للخارج. * وما رأيك في تفعيل دول مجلس التعاون الخليجي لاتفاقية قوات درع الجزيرة وحماية النظام البحريني عسكريا. ** مع بدء تحرك قوي شيعية في دول خليجية أخري ثار القلق في معظم دول الخليج الأمر الذي اضطرت معه السعودية وباقي دول المجلس لتفعيل اتفاقية قوات درع الجزيرة وهي القوات المشتركة لدول المجلس لنقل قوات عسكرية لدعم موقف حكومة البحرين طبقا للاتفاقية التي تنص علي حماية دول المجلس ضد أي تهديدات داخلية أو خارجية تتعرض لها أي من دول المجلس وهو ما زاد من حدة الاحتقان بين دول الخليج وعلي رأسها السعودية وإيران. * وماذا عن الموقف الأمريكي من هذه التطورات؟ ** الغريب أن الموقف الأمريكي الذي بدا مترددا منذ بداية المظاهرات في البحرين وحاول انتقاد الحكومة البحرينية في مواجهتها للمظاهرات وطالبت واشنطن المنامة بإعطاء مزيد من الحرية للمتظاهرين وكأنها لا تعرف حقيقة ما يجري في البحرين والمحاولة مسايرة أو تأكيد أنها ترعي الديمقراطية في المنطقة إلا أن هذه الرعاية للديمقراطية توقفت عندما شعرت الولاياتالمتحدة بأن إيران ستكون المستفيد الأول فتراجعت المبادئ والقيم الأمريكية لصالح المصالح بالدرجة الأولي وتغير الموقف الأمريكي وبدأ أكثر قربا من موقف حكومة البحرين. * وهل تري أن الولاياتالمتحدة تحاول الاستفادة من الثورات العربية لتحقيق مصالحها بالمنطقة؟ ** من الواضع أن هناك تحركا أمريكيا منظما للاستفادة من الثورات في المنطقة العربية والايحاء بأنها تدعم التغيير الذي تشهده المنطقة وفي الحقيقة فإنها تسعي لاستثمار الموقف وركوب الموجة وعلي سبيل المثال فان موقف واشنطن من التغيير في مصر وتونس تأرجح ولم يكن واضحا في البداية لكنه اصبح أكثر وضوحا مع انهيار النظامين فأصبحت أكثر ديمقراطية ورعاية للقوي الثورية الجديدة كما أن الموقف الأمريكي ظل مترددا فيما يتعلق بليبيا بسبب المصالح البترولية وما إن تراجع القذافي حتي بدا الموقف الأمريكي أكثر وضوحا. ولعل موقفها مما يجري في اليمن خير دليل علي ذلك فهي وإن طالبت الرئيس علي عبدالله صالح بالاستجابة لقوي التغيير فإنها لم تمارس عليه ضغوطا ولم يذهب مبعوثين أمريكيين له لمطالبته بالتنحي خاصة في ضوء ما يقوم به النظام اليمني من دور في مواجهة تنظيم القاعدة بالتنسيق مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. * وما أبعاد الثورة في اليمن والعناصر المحركة لها؟ ** الوضع في اليمن أكثر تعقيدا مما يبدو عليه, فالثورة هناك تضم ثلاثة أجنحة أساسية: قوي سياسية تطالب بتسويع حجم المشاركة السياسية وتعترض علي ممارسات النظام وأجهزته الأمنية, وقوي الحراك الجنوبي هي قوي سياسية جنوبية تطالب بانفصال جنوب اليمن عن دولة اليمن الموحد, بالإضافة إلي الحوثيين وهم قوي مذهبية ترتبط بإيران وتسعي لإقامة حكم ذاتي أو انفصالي في شمال اليمن وهؤلاء يمثلون أزمة بالنسبة للسعودية أيضا, إلي جانب فصائل تنظيم القاعدة حتي مازالت تتمركز في اليمن, وبالتالي يزداد الموقف اليمني تدهورا خاصة مع انقسام الجيش وتزايد انفصال قوي مختلفة سياسية وأمنية وعكسرية عن النظام, ولذلك فإن النظام السياسي قريب من الانهيار. * وهل هناك مخاطر من هذا الانهيار, خاصة مع وجود عدة جبهات تنقض لأهداف مختلفة ؟ ** الخطورة تكمن في أنه مع انهيار النظام اليمني سيطاردها شبح التقسيم, حيث إن القوي الأربعة المذكورة لا تتفق علي برنامة سياسي موحد, فهي تتفق علي ضرورة إزالة النظام لكنها تختلف علي شكل النظام السياسي البديل وشكل الدولة اليمنية كلها, وستصبح الأوضاع في اليمن أكثر خطورة ليس فقط علي الشعب هناك ولكن علي الدول المجاورة أيضا. * وما المخاطر التي تهدد الدول المجاورة جراء انهيار اليمن المحتمل ؟ ** الانهيار يحمل مخاطر كثيرة علي الاستراتيجية الأمنية في جنوب الجزيزة العربية, فالعام الماضي شهد اعتماد ميزانيات ضخمة من جانب الولاياتالمتحدة وبريطانيا لدعم قدرات النظام اليمني لمواجهة تنظيم القاعدة الذي يتمركز في اليمن وتنتشر له قواعد في القري الزفريقي والذي وجه تهديدات مباشرة للولايات المتحدة من خلال أزمة الطرود الملغومة ومحاولة تفجير طائرة مفرق ديترويش, بما يعني توقف البرنامج المشترك الأمريكي البريطاني اليمن للتعاون في مجال الأمن علي هذا المستوي. كما أن تدهور اليمن علي هذا المستوي يحمل معه فرصة امتداد النفوذ الإيراني إلي شمال اليمن ليصبح شوكة خاصصرة السعودية. * وهل تعهدد هذه التطوريات الأمن القومي المصري؟ ** بالطبع لأنه إذا اثبتت إيران موضع قدم لها في منطقة البحر الأحمر سيمثل ذلك تهديدا مباشرا للأمن فيه, والأمن القومي المصري بصورة مباشرة. * وهل تزداد المخاطر من واقع الاجتجاجات في سوريا؟ ** ما تشهده سوريا من بداية الثورة شعبية يعني انشغالا سوريا خلال المرحلة القادمة بالشأن الداخلي, وهو ما سوف يترك اثاره علي الملفات التي تشهد نفوذا سوريا داخلها مثل الأوضاع في لبنان أو الملف الفلسطيني, الأمر الذي يطرح علامات استفهام خول تأثير ذلك علي حجم الاستقرار في تلك المناطق, أي أن الصورة العامة لتلك المنطقة تحمل معها توترات وتهديدات للأمن الاقليمي بصفة عامة, وتفرض علي مصر التعامل مع تلك المتغيرات الجديدة القادمة ومحاولة استيعاب تداعياتها. * هل تتوقع سقوط المزيد من الانظمة في الخليج والمشرق العربي؟ ** لا أتصور أن يسقط انظام في البحرين, وأتمني آلا تحدث حرب مذهبية داخل البحرين, ومن الممكن أن تتجه الأمور هناك نحو التفاهم والحوار, كما لا أعتقد أن يزداد الوضع تطور في السعودية أو الإمارات أو عمان لأن النظم الان هناك حريص علي تلبية طموحات شعوبها, ومن المرجح أن تتجه تلك النظم لزيادة حجم المشاركة السياسية وتحويل المجالس الاستشارية إلي تشريعية في المرحلة القادمة إلي جابن تحركات الحكومات تلك الدول لتلبية الطموحات الاقتصادية والمالية للأفراد وإقامة أدوات أوسع للمشاركة السياسية والتعبير عن الرأي, وهو ما يمكن أن يهدئ حدة الاحتقان الداخلي فيها وأتوقع أن تحرص الولاياتالمتحدة علي أن يتم أي تطور سياسي في تلك الدول بصورة هادئة بسبب إيران أولا والبترول بالدرجة الثانية. * وماذل عن العلاقات المصرية السعودية في هذا المرحلة ؟ ** من الضروري أن تحرص مصر علي دعم الأمن الوطني السعودي والخليجي بصفة عامة في مواجهة تهديدات خارجية ولكن علي مصر أن تحرص أيضا علي عدم التدخل في الشئون الداخلية لتلك الدول, والحرص علي أن تترك الملف الداخلي في كل منها لشعوب تلك الدول والحكومات فيها. * وما تأثير اشتعال الثورات العربية علي السياسة الخارجية لتلك الدول؟ ** اذا كان قد بدا أن هناك انهيارا متواليا لنظم سياسية عربية, وتصاعد قوي ثورية جديدة, فهذا لا يعني انهيارا للدول, ولكنه إعادة بناء النظم السياسية علي اساس الحداثة وبما يتوافق مع متطلبات القرن احادي والعشرين من خلال توسيع قاعدة المشاركة السياسية والتعددية ودعم حقوق الإنسان, أي أن البناء الداخلي القوي لها سوف ينعكس علي سياسة خارجية أكثر قوة في المستقبل, إلا أنه من الطبيعي أن يؤدي البناء الداخلي حاليا داخل الانظمة العربية إلي نوع من الانشغال بالداخل علي حساب الحركة الخارجية, وستكون السياسة الخارجية في المرحلة القادمة الجديدة في تلك الدول. * أخيرا ما المطلوب من مصر في هذه المرحلة ؟ ** التطورات الحالية في الخليج والمشرق العربي تفرض المزيد من الاهتمام المصري بالتواصل مع الدول العربية المؤثرة من خلال حوار جاد للحفاظ علي المصالح المصرية وعدم التعرض بقدر الإمكان للشأن الداخلي لتلك الدول, لانه من الواضح أن حجم التغيير القادم في المنطقة العربية كبير, ومن المرجح معه أن يعاد رسم خريطة الوضع الإقليمي, وعلينا أن نسعي لوضع مصر في المكان الملائم ضمن الخريطة القادمة.