بدأت الثورة المصرية الحديثة وهي تحمل علي عاتقها مسئولية التغيير الجذري والشامل لكل اوجه الحياة المصرية, بدأت وهي ترفع شعار التغيير ولن اخفي عليكم حقيقة موقفي من هذه الثورة المجيدة, فقد كانت في باديء الأمر لا اصدق ما أري واسمع. وكأنني كنت اعيش مع حلم جميل واخاف ان افزع منه علي حقيقة واقع ما قبل الثورة, وكان كل يوم يمر تتشبث فيه الثورة بمبادئها يزداد عندي الأمل في ان كلمة التغيير التي طالما كانت انادي بها في ندواتي ومقالاتي السابقة وابنيها صرحا عاليا في ذهن اولادي ربما ان اوان اطلاق صراحها. وعكفت طيلة احداث الثورة وما تبعها من ازمات ومراهنات علي المراقبة والتأمل ومحاولة قراءة ما بين السطور علي اجد مايشيد في نفسي رؤية واضحة لما سيؤول إليه مستقبل هذا البلد العظيم. ان ما حدث في الاستفتاء علي تعديل الدستور وجموع المصريين الذين اصروا علي ان يدلوا باصواتهم ايا كان رأيهم لهو امر يستحق ان نقف عنده بالدراسة والتحليل كي نستطيع ان نرصد رؤية لمستقبل المجتمع. الدارس للتاريخ المصري يعرف جيدا ان الانسان المصري لم يمارس حقه السياسي منذ مئات السنين, فقد حولته الانظمة الحاكمة إلي آلة تدور في مدار روتيني بحت, آلة تدور في فلك البحث عن لقمة العيش فقط وسلبته جميع حقوق الانسانية وظلت تضغط عليه سنوات طوال حتي افقدته الحلم والأمل فيما هو افضل وكنت أستدل علي ذلك أنني في كثير من ندواتي كنت اسأل بعض حضوري ماذا يعني الغد بالنسبة لكم؟ كانت اجابة الجميع علي اختلاف الثقافات والعمر تصب في إطار واحد فقط وهو لقمة العيش والستر. ولن اقف ابدا عند كلمة نظام فاسد ظالم بل من الانصاف والتصحيح ان اقول اذا كان هناك نظام فاسد ايضا كان هناك شعب قبل الظلم والاهانة وكثير من طبقاته دخلت في تيار هذا الفساد حتي اصبحت جزءا منه, ولن استفيض في وصف سمات مرحلة ما قبل الثورة فهمي معروفة ومقروءة للجميع واعتقد اننا جميعا قد استوعبنا الدرس جيدا. ان الوقت الآن قد حان لوضع رؤية محددة المعالم لمستقبل مصر في المرحلة المقبلة رؤية تهدف إلي تنمية وتطوير وترقية الفرد المصري نفسه. ولذلك انا انصح بان الايدولوجية العامة للبلاد تتبني مفهوم التنمية البشرية وحقوق الانسان في كل محاورها حتي نستطيع ان نحقق هذه الرؤية الانسانية وجدير بنا ان نركز علي ثلاثة محاور رئيسية تسهل لنا تحقيق هذه الرؤية. أولا: المرأة التي تعتبر العمود الأساسي لبناء الفرد والمجتمع, ثانيا: التعليم الذي من شأنه صناعة عقول ابداعية وابتكارية. ثالثا: الإعلام والذي يعتبر المعول الاساسي لبناء الثقافة الواعية والفكر المستنير. كل محور من هذه المحاور الثلاثة له عندي منظور تحليلي وتفصيلي من خلال اجندة عمل سهلة التفعيل والتنفيذ شرط ان يتوفر لها الايمان بالفكرة الاساسية وهي إعلاء القيمة الانسانية, تلك القيمة التي لايعلوها قيمة علي الأرض, وهي قيمة قد مجدها وعظمها الله عز وجل والدليل علي هذا انه خلق الانسان وعلمه البيان وخلق له ما في الكون جميعا ثم سخره له, ثم بعد ذلك ارسل له الرسل لتهديه إلي الطريق المستقيم وتعلمه كيف يصنع مجدا انسانيا يضمن له خلودا حميدا في الاخرة, هذا ما يجب ان نعيه جميعا وقد سبقنا في هذا الفهم في العصر الحديث شعوب أوروبا وأمريكا فلقد ادركت هذا المعني ورصدته غاية لهذا لذلك تقدمت وارتقت ومازالت تبغي الوصول إلي اعلي غايات الرقي ذلك بانها بنت كل ايدولوجياتها علي مفهوم حقوق الانسان الذي يرنو إلي تحقيق اعلي قيمة انسانية, ووجب علي هنا ان اوضح ان تحقيق هذه القيمة لايشترط دين أو جنس او لون فشرطه الوحيد هو الايمان بالمفهوم ذاته فالله سبحانه وتعالي في محكم قرانه الكريم قال ولقد كرمنا بني ادم الاية واضحة وضوح الشمس فالاساس الأول في خلق الانسان هو التكريم الانسان يمكن في خلقه ولقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم تسخير الكون له والارض وضعها للانام ثم في رزقه وفي السماء رزقكم وما توعدون, وفي رأيي المتواضع ان فلسفة خلق الانسان كلها تدل علي انه مخلوق خلق علي مفهوم التكريم والتعظيم من منطلق انه يملك عقل يستطيع به قراءة سطور العلم والحكمة في منظومة الحياة وارادة يستطيع ان يوجهها إلي بناء مجد انساني في الحياة اذا اراد, وهذه هي رسالته التي خلق من اجلها ومن المفروض والصح والصحيح لذلك الانسان ان يفعل رسالته في إطار الايمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد, اما اذا خرجت هذه الارادة عن الإطار الصحيح لها فهذا لايعني انها لم تحقق المراد بل ستحققه حتما بالارادة والعزيمة وسيبقي عليها حساب الايمان بالله الذي ستوفيه في الاخرة. اننا في مرحلة تفرض علينا الفعم الواعي لدورنا الحقيقي في الحياة, في مرحلة تفرض عليما نبذل كل ما قد اكتسبناها من ثقافات مغلوطة فرضت علينا او صنعها الجهل في بوتقة العقل فنحن الآن بحاجة شديدة للتحرر من قيود التخلف الفكري والنفسي والسلوكي كي نستطيع ان نعيد الثقة لأنفسنا من جديد التي ستمكننا من رصد رؤية للمستقبل الذي اتمني من كل قلبي ان يبني علي مفهوم القيمة الانسانية.